نقرأ في نشيد المحبة للقديس بولس الرسول:المحبة حليمة مترفقة…وهي تعذر كل شئ وتصدق كل شيء وترجو كل شئ وتصبر علي كل شيء (كورنثوس13:4, 7).يحكي أن راهبا كان لا يظن السوء في أي شخص مهما كان,وعندما يدخل غرفة أحد الأخوة ويجدها نظيفة وأنيقة ومنظمة يقول:هذه الحجرة النظيفة مرآة تعكس ما بداخل صاحبها وتعبر عن شخصه,وعندما يدخل أخري ويجدها مهملة وغير نظيفة وغير مرتبة,يصرح هكذا:انظروا,كم تعلمت من هذا الأخ,لأنه يكرس كل وقته لله فقط ولا يجد ساعة واحدة لترتيب حجرته.
هنا نتساءل:هل نتمتع بهذه الروح الإيجابية التي تنظر إلي الآخرين بعين طاهرة نقية؟هل نمتلك النظرة الإيجابية التي تري كل ما هو جميل يفعله الآخر وتعذر ما هو خلاف ذلك؟من منا يستطيع أن ينظر أعمال وأفعال الآخرين بروح حليمة رحيمة؟.كيف يمكننا أن نحكم علي تصرفات الآخرين بنظرة إيجابية فقط؟هناك خط فاصل يحقق لنا هذا الهدف,ألا وهو رؤية العين.لأن العين البسيطة الصالحة تكتشف ماهو جميل وخفي عن العين الشريرة التي تغلق في وجه كل ما هو خير.
والشخص الذي يتحلي بهذه العين النقية,إذا رأي أعمالا فاسدة,يغلق عينيه أمامها ويقدم العذر لصاحبها متخيلا النية الحسنة للشخص بالرغم مما صدر منه من تصرفات لا تليق.من منا يريد أن يكون رحيما,عليه ألا يتوقف عند الحكم بالعدل فقط,ولكن يري الجانب الحسن والجيد والمشرق أيضا.
لماذا لا نحاول أن نكتشف الصلاح في الآخرين؟ولماذا لا ننظر إلي فضائل الغير؟لماذا نتوقف عند ما هو سلبي فقط لنفضح أعمال الغير ونستر عيوبنا؟هنا يعلمنا السيد المسيح قائلا:لماذا تنظر إلي القذي التي في عين أخيك؟والخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟بل كيف تقول لأخيك:دعني أخرج القذي من عينك؟ فها هي ذي الخشبة في عينك.أيها المرائي,اخرج الخشبة من عينك أولا,وعندئذ تبصر فتخرج القذي من عينك أخيك(متي7:2-5).
من يستطيع أن ينكر بأن هذا الواقع نعيشه جميعا وخاصة عندما ننظر بعين لأنفسنا,وبأخري للآخرين,وكما يصف ذلك أحد الكتاب في نظرة كل واحدة منا تجاه الآخر قائلا:أنظر إلي ذاتي من خلال نظارة الأنانية والنفاق والتبرير والتجميل,ولا أري إلا ما يحلو للقلب رؤيته,ولكن تجاه القريب أنظر إليه بمجهر سوء الظن والدينونة ولا أري فيه سوي كل ما هو سئ ومشين.فإذا ثارت ثائرة القريب تجاه الغير, وكان عصبيا فأقول:إنه متهور وأحمق,لكن إذا كنت أنا ثائرا وعصبيا مع الآخرين,فالسبب في ذلك يرجع إلي أعصابي المرهفة والحساسة.
وإن تمسك الآخر بآرائه الشخصية فهو عنيد متصلب الرأي,أما أنا فأتمسك بآرائي لأني صاحب مبدأ في كل مواقفي.
إذا رفض القريب التعامل مع بعض الأصدقاء,فهو مغرور يتحامل علي الغير,أما أنا إذا ابتعدت عن بعض الأصدقاء فلأنني صادق وصائب الحكم.إن كان لطيفا ورقيقا مع الغير ويتعامل معه بكل احترام,فإن وراء كل هذا مصلحة شخصية أو هدف ما,أما إذا تعاملت أنا بلطف ورقة واحترام مع الغير,فلأنني رجل مهذب ومحترم واجتماعي.وإذا تأخر هذا في القيام بواجبه أو لم يتمه,فهو كسول ولا يحترم المسئولية التي وكلت له,ولكن إذا تأخرت أنا أو لم أتمه,فلأنني دقيق في عملي وأتقن كل ما أقوم به.
إدا قام بمبادرة منه في خدمة الآخرين أو بعمل ما لم يطلب منه,فيرجع ذلك إلي أنه شخص فضولي يتدخل فيما لا يعنيه ولايحترم خصوصية الغير,أما أنا فإذا قمت بمبادرة تجاه الآخرين أو أتممت عملا ما دون أن يطلب مني,فهذا يدل علي روح المبادرة الخلاقة التي تصدر عني في كل حين.
لذلك واجب علي كل واحد منا أن يتساءل:كيف أنظر إلي الآخرين؟هل أنظر إلي الغير بنفس المعايير التي أنظر بها إلي ذاتي؟مما لا شك فيه أن الشخص المحب لايتوقف عند أخطاء الآخرين,ولكنه يلمس لهم العذر ونختم بالقول المأثور:عندما يفتح الإنسان عينيه يغلق أذنيه,وعندما يفتح أذنيه يغلق عينيه,وعندما يفتح قلبه يغلق الاثنين.
الأب بطرس دانيال مدير المركز الكاثوليكي للسينما