حينما اجتزت وسط المنتظرين في منطقة الاستقبال بالجريدة,لفت نظري رجل منحني الكتفين, يجلس في سكون تام, ظننته للوهلة الأولي كفيفا,لا أعلم لماذا دققت البصر فيه, كانت علي ملامحه علامات الغلب, ملابسه التي برزت من عنقه طبقات وطبقات فوق بعضها لكي يستدفئ, ووجهه الشاحب, واستقامته فوق المقعد وكأنه يخشي الرجوع للخلف لئلا يعتاد الراحة. لم أكن أعلم أنه ينتظرني,بعد دقائق اخبرتني السكرتيرة أن هذا الرجل جاء مرتين من قبل بدون موعد وعلي الرغم من أن رقم التليفون منشور مع الباب إلا أنه لم يقرأ لأنه لا يكاد يري.
ولأنه قادم بعد أن وجهه الأخيار إلي الجريدة ليجد مساعدة,رحبت به وبدأ كلامه: عمري 42 سنة,من أمشول (قرية صغيرة في أسيوط) ومتزوج وزوجتي ربة منزل,عندي بنتين وولد في سن الطفولة,أبويا كان ترزي جلاليب,كنا عايشين في بيت ملكنا عندي أخين,واحد طفش وسابنا راح أمريكا,وكل ما أطلب منه يبعت لي أي حاجة,يرد يقول لي: أنا عايز اللي يساعدني,فبطلت أكلمه والتاني علي قد حاله,وأهل مراتي غلابة,أبويا كان فلاح ومكفينا ومكفي نفسه بالعافية جوزني بعد ما جاتني شغلة المسعف في الإسعاف,وقبلها كنت عملت عملية في عيني علشان نظري كان صعب خالص.
عشنا عادي زي كل الناس, لكن أنا علي طول عيان,وماحدش عايز يصدقني أني فاكر من عمر ست سنين أني النار علي طول والعة في بطني وبلعومي, أروح للدكاترة يقولوا مافيش حاجة غير التهاب, الدكاترة في البلد علي قدهم , وأنا ماقدرش أروح لدكاترة كبار, المهم أني عملت اشعات ومسح ولقوا ميكروبات سبحية وأدوني مضادات ومافيش فايدة.
بعد كده جاتني هشاشة عظام ده غير خشونة الركب والعضم, وبقيت مش قادر اشتغل,كل شوية اجازات,لو طلعت اشتغل لا أقدر أشيل ولا أحط ولا حد بيصدقني,جبت بعضي وأسرتي وجيت من أسيوط علي هنا أجرنا أوضة علشان نقعد فيها, مش عايز منكم غير دكتور يتبرع أنه يشوف حالتي يعمل لي الفحوصات المحترمة لأني ماقدرش أتحملها ماعنديش فلوس أتحملها.
عايز أخف مش عايز حاجة غير أني أخف علشان أقدر أكمل مع عيالي وأربيهم,ده أكبرهم عمره تسع سنين,مين يتحملهم؟ أبويا ومات وماليش حد, ومراتي غلبانة لوحديها والعيال لسه قدامهم مستقبل كبير أروح فين بيهم,ولو قعدت في البيت مين يصرف عليهم؟!.
سألت فرج: ربما تكون حالة نفسية؟ قال لايمكن لأني باحس بالألم ,بأرجع, وعندي إسهال متواصل باخاف أروح الشغل علشان ماقدرش امسك نفسي, ما قدرش انتظر علي دخول الحمام,شكلي وحش بين الزملاء, ومش طالب غير الفحوصات وتشخيص سليم علشان أكمل حياتي أنا عمري لسه 42 سنة.
ليست هذه هي المرة الأولي التي أجد فيها مسعفا يحتاج في الأحوال الطبيعية لمسعف يساعده ولا أعلم كيف تتبني هيئة الإسعاف أولئك الذين يحتاجون لرعاية صحية شاملة ولا يتمكنون من حمل المريض ولا رعايته من باب مسكنه حتي وصوله إلي المستشفي, منهم فرج, الذي يحتاج لمن يملك مفتاح الفرج لحياته ومستقبل أولاده,وييصل به إلي من يعالجه من خشونة المفاصل وانحناء الكتفين,وأزمات البلع والجهاز الهضمي وضعف الإبصار الذي وصل إلي سالب 25, والتردي الرهيب الذي سيطر علي صحته العامة ولايعلم سببه لأنه لايملكفيزيتا لطبيب متمكن ومطلوب منه يصاحب سيارة الإسعاف ويرعي المرضي ويصل بهم إلي المشافي.
قصة فرج أعادت إلي ذاكرتي موقفا لايمكن نسيانه حينما مرض والدي وطلبنا سيارة الإسعاف التي جاءت إلينا بعد ثلاث ساعات,صعد المسعف حاملا السرير النقال,أثناء صعوده كان يقاوم درجات السلم حتي يكمل الصعود غير قادر علي حمل النقاله فارغة,رغم أننا نسكن في الدور الثاني, وحينما وصل إلي باب الشقة صار يلقط أنفاسه بصعوبة,وقال لنا: إيه ده هو مافيش حد يشيل؟ أنا ما قدرش أشيله شوفوا حد يشيل,أنا أسعف بس. والعربية بتطلع فيها مسعف واحد والسواق!!.
المسعف يحتاج مسعفا ففي كل بلاد الدنيا نجد اثنين من المسعفين مع سيارة الإسعاف,حتي يتمكنا من الإنقاذ. هذا هو النموذج الذي نعرفه لكن يبدو أنه غير موجود حينها نظرنا إلي بعضنا البعض واستدعينا الجيران لحمله.
أولئك هم المسعفون الذين ينتمي إليهم فرج نوعية المسعفين الذين لايقوون علي المشي ولا إنقاذ أنفسهم إذا مرضوا هم الذين يتولون مسئولية المصابين بأزمات مفاجئة لا ألوم عليهم فهم ضحايا لمنظومة مترهلة فلا هم يعملون بكفاءة ولا هم يحصلون علي رعاية صحية محترمة تمكنهم من أداء مهمتهم كما ينبغي,فهل نسعف فرج قبل أن يدخل في مرحلة اكتئاب وتضيع أسرته؟
استغاثة عاجلة
ما زلنا نناشد قراءافتح قلبك لتوفير عدد 2دولاب ولو مستعملين وعدد أربعة أسرة ولو مستعملة, لدينا عائلات تفترشالبلاط لدينا أسرة لا تستطيع شراء القوت اليومي. الحكايات كثيرة والمآسي متكررة والاستغاثات يبدو أنها لاتصل إلي مسامع الرحماء, لذلك علي من يقرأ الاستغاثة أن يسهم في نقلها لمن لم يقرأ.
تواصلوا معنا عبر المحمول – 01224003151
تليفون أرضي بجريدة وطني 0223927201
البريد الالكتروني: [email protected]
البريد: مؤسسة وطني للطباعة والنشر – باب افتح قلبك ، 27 ش عبد الخالق ثروت، القاهرة