»أضواء على رحلة العائلة المقدسة لمصر« عنوان احتفالية العيد العشرين لتأسيس جمعية محبى التراث القبطى منذ أيام من داخل إحدى قاعات معهد الدراسات القبطية بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية…جاء يوم الاحتفالية حافلاً بوجبة دسمة لكل ما يتعلق بمشروع مسار العائلة المقدسة…ذلك المشروع الذى يأمل المسئولون والخبراء والمهتمون ومن بينهم جمعية محبى التراث القبطى أن يكون الأداة التى تبعث بالحياة من جديد فى جسد السياحة الدينية بمصر من خلال تعريف العالم بمصر عبر رحلة هروب العائلة المقدسة من فلسطين إلى بلادنا مصر.
ولا يخفى الدور التنويرى التثقيفى لجمعية محبى التراث القبطى وبعض المؤسسات الحكومية فى هذا المضمار من خلال عقد الندوات وإقامة الرحلات لنقاط مسار العائلة المقدسة.
قدم معهد الدراسات القبطية جهداً مخلصاً تمثل فى كتاب »رحلة العائلة المقدسة فى مصر« للأستاذ الدكتور إسحق إبراهيم عجبان أمين عام معهد الدراسات ورئيس قسم التاريخ…وللشمولية التى ميزت الكتاب اعتمدته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ليكون مرجعاً لمشروع مسار العائلة المقدسة.
بدأ اليوم الاحتفالى بكلمة افتتاحية للدكتور مهندس سامى صبرى عميد الدراسات القبطية قال فيها:يسر كل من»معهد الدراسات القبطية« و»جمعية محبى التراث القبطى« الاشتراك معا فى هذه الفعالية فالهدف الأساسى للمعهد هو»الحفاظ على التراث القبطى وتوثيقه«.
وهدف الجمعية الأساسى تنمية الوعى بأهمية التراث القبطى كتراث لكل المصريين وذلك من خلال علاقته بما قبله من تراث قبطى قديم وما بعده من ثرات إسلامى حديث.
والمعهد والجمعية إذ يعتزان بهذه الفعالية لإحياء محطات رحلة العائلة المقدسة فى مصر التى تهتم بها الدولة بكل مؤسساتها ولايسعنا إلا أن نشكر كل من تعاونوا معنا فى هذا اليوم ونخص بالشكر السادة الأساتذة المحاضرين وكورال ٧ ٦مارمرقس وخورس معهد الدراسات القبطية إلى جانب أعضاء الجمعية ونخص بالذكر رئيس وأعضاء اللجنة التى قامت بترتيب هذه الفاعلية.
بدأ اليوم بمحاضرة أسناذ دكتور إسحق إبراهيم عجبان تحت عنوان»رحلة العائلة المقدسة إلى أرض مصر فى تراث وثقافات الأمم والشعوب…بركة روحية….وقيم إنسانية…وتأثيرات حضارية«.
قال…مع بداية القرن الأول الميلادى تباركت أرض مصر بقدوم العائلة المقدسة إليها قادمة من بلاد فلسطين،وفى رحاب وادى النيل،وفوق روابى ووديان أرض مصر الطيبة،وعلى ضفتى نيلها العظيم وجدت العائلة المقدسة الأمان والحماية،واستقبلت مصر فى وقار وإجلال وترحاب أعظم زائر فى تاريخها كله ومنحت العائلة المقدسة البركة لأرض مصر وشعبها»مبارك شعبى مصر«(إش٩١:٥٢).
وكان مجئ السيد المسيح مع أمه العذراء ويوسف النجار أعظم حدث ولهذه الرحلة المباركة فى أرض مصر تأثيرات روحية وحضارية وإنسانية،وأعقبها تراكم تراث ثقافى وفكرى،وتراث تاريخى وأثرى وفنى زاخر بالتنوع والامتداد ليس لدى المصريين فقط بل لدى الكثير من شعوب العالم وبين الثقافات المتعددة فى الشرق والغرب.
ويشمل مسار رحلة العائلة المقدسة فى أرض مصر حوالى أربعين مدينة ومنطقة تمتد داخل خمس مناطق كبرى بأرض مصر هى:شمال سيناء وشرق الدلتا والدلتا، ووادى النطرون، والقاهرة الكبرى والصعيد.
أضاف عجبان.. بلا شك رحلة العائلة المقدسة فى أرض مصر هى من أهم الركائز الأساسية للحضارة القبطية حيث أعطت لهذه الحضارة عمقاً ورسوخاً واستمرارية لأن السيد المسيح بذاته جاء إلى أرضها وباركها، وتحطمت أوثان مصر خلال زيارته لها وبهذا بدأ التغيير العقائدى والفكرى من المعتقدات الوثنية إلى بزوغ الإيمان المسيحى بالله الواحد، وكأنه بيديه المباركتين يطهر أرض مصر من الوثنية، ويضع حجر الأساس للكنيسة المصرية. وأخذت أرض مصر مكانتها بأنها الأرض التى قدمت الملاذ والملجأ والحماية للسيد المسيح والعائلة المقدسة.
ومنذ وقت مبكر فى تاريخ المسيحية أقيمت الكنائس والأديرة على امتداد مسار العائلة المقدسة فى أرض مصر،مما اعتبر من عوامل نشأة وتجمع واستقرار لمجتمعات بشرية وتجمعات عمرانية ارتبطت ببعض مواقع ومحطات الرحلة المباركة،وما تبع ذلك من تأثيرات جغرافية وديموجرافية وحضارية.
وكان لرحلة العائلة المقدسة تأثير على تسمية بعض البلاد والأماكن التى مرت بها، واستطاع الشعب المصرى منذ القرون الأولى للمسيحية أن يتمسك ويتشبث ويدافع عن أرضه المباركة التى تقدست بزيارة السيد المسيح والعائلة المقدسة إليها واعتبر ذلك بركة خاصة لأرض مصر…وأخذت العائلة الصغيرة تنتقل بين البلاد.
هذا باب مغلق وذاك مفتوح…هذا وجه باسم يستقبلهم فى ترحاب،وذاك وجه غاضب يرفض مساعدتهم…ونتج عن ذلك المغارات والأشجار والآبار والقطع الأثرية المرتبطة بالرحلة التى أضفت على مصر بركات روحية…وقيما إنسانية…وتأثيرات حضارية.
جاءت المحاضرة الثانية بعنوان:»رحلة العائلة المقدسة لمصر والمصادر الشفهية«…وألقتها أستاذ دكتور راندا بليغ-أستاذ:الآثار المصرية بكلية الآداب،جامعة المنصورة. قالت: رحلة العائلة المقدسة لم تترك لنا آثاراً كثيرة ملموسة واضحة وموثقة إلا أن التراث الشفهى الخاص بالرحلة تراث عظيم لايمكن أن نهمله خاصة فى بلد مثل مصر التى تعد فيها الأقاويل ومايتوارثه الناس حتى من أسماء أماكن،ذات أهمية عظيمة.
فمثلا كان المصريون يتحدثون عن ملك يدعى مينا(موحد القطرين) قام بتوحيد قطرى مصر فى بداية الأسرات أى حوالى٠٠٠٣ق.م. وظل اسم مينا قائما حتى بعد دخول المسيحية حيث كان اسماً لأحد أهم قديسى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وهو مارمينا العجايبى نظراً لمعجزاته الشفائية تحديداً وهناك أيضاً تقاليد أو عادات كالسبوع التى اتضح أن عادات الاحتفال به ترجع للعصر الفرعونى،وهذا يؤكد أن هناك تراثاً هائلاً يشمل اللغة والعادات والتقاليد والتاريخ وتدوين الأحداث تتناقله الناس.
أضافت د.راندا»رغم الشهرة العظيمة التى حظيت بها رحلة العائلة المقدسة فلا توجد فى الوقت الحالى آثار مادية تذكر للزيارة،باستثناء بعض المغارات وأثر لقدم المسيح وأشجار جاثية وعيون ماء وآبار.بالإضافة لهذا بنيت كنائس وأديرة فى أغلب الأماكن التى مرت بها العائلة المقدسة فى أرض مصر.وغالبا كانت تبنى فى مكان به أحد الآثار المادية المذكورة مثل نبع أو بئر ماء،أو مغارة أو أثر بقدم،أو شجرة أو نخلة ارتبطت بالعائلة المقدسة تبعا لما رواه أهالى المكان.
وكان دور محاضرة الدكتور سامى صبرى عميد مركز الدراسات القبطية عن التصميمات المعمارية المعاصرة فى المواقع التاريخية-المركز الثقافى بالفرما نموذجاً…حيث قام يشرح الموقع والمشروع واستخلص من النموذج أن التصميم المقترح هو دليل قاطع لأهمية التأثيرات المتبادلة والمستمرة بين الحضارات وهو مثال لإمكانية دمج العناصر الثقافية المختلفة فى تركيبة معمارية واحدة فريدة وهى ليست محاولة لتجانس الأساليب المعمارية المختلفة بل توحيدها ديناميكيا وتكييفها كمعايير تصميم تكاملية مترابطة دون تنافس فضلاً عن تعزيز بعضها البعض فى إطار نمط إيقاعى شامل فهناك العديد من الطرز والثقافات داخل كل مجتمع.
وكما يقول ونستون تشرشل:»نحن نقوم بتشكيل مبانينا ولاحقاً هى تشكلنا«.تعلمنا كذلك أن»الشكل يتبع الوظيفة«،ولكنه فى الواقع لابد من أن يتبع الوظيفة والتراث والبيئة أيضاً.
أيضاً قدمت أستاذ دكتور شذى جمال إسماعيل كلية السياحة والفنادق جامعة حلوان…محاضرة بعنوان»رحلة العائلة المقدسة تراثاً عالمياً« حيث أوضحت مشاركة الكنيسة المصرية مع جميع وكالات الدولة فى الاستعداد لاستقبال القادمين لزيارة مواقع رحلة العائلة المقدسة وتشمل هذه الدراسات إعداد الدراسات،والكتب،والمقالات التى توثق تاريخ المسار والمواقع والدورات الثقافية والتربوية لإعداد المرشدين السياحيين بالإضافة إلى المشاركة فى أعمال اللجان وورش العمل والزيارات الميدانية والتفتيش بما فى ذلك اللجان الوزارية واللجان المتخصصة واللجنة العلمية التى تواصل عملها للتحضير لتقديم ملف رحلة العائلة المقدسة إلى اليونسكو للاعتراف بها ضمن مواقع التراث العالمى.
وأشارت قائلة إن اللجنة شكلت على عدة محاور،تم تحديد خمس من محطات رحلة العائلة المقدسة منها »أبو سرجة« بمصر القديمة وشجرة »مريم« بالمطرية وادى النطرون دير»المحرق« بأسيوط، وقد تم إعداد مقترح لتطوير وتحديث الأماكن التى تم تحديدها وإعدادها للزيارة وقد حددت اللجنة اختصاصات كل من الجهات المعنية فى استكمال باقى احتياجات أعمال رفع كفاءة موقع التجهيز بحيث تقوم كل جهة من الجهات المعنية بدراسة المطلوب وإرسال طلباتها إلى وزارة السياحة.
وبرنامج العائلة المقدسة يعد توثيق رحلة السياح الأكثر شهرة فى العالم.. أقدم رحلة دينية معروفة وموثقة تاريخياً إنه منتج فريد يتنافس بقوة على المستوى العالمى. ويتضمن البرنامج مجموعة من المناطق التاريخية ومناطق الاسترخاء وسهولة الوصول عن طريق البر أو القطار أو طريق نهر النيل ويمكن تسويقها بشكل مشترك مع وجهات مجاورة فى الأردن ولبنان والأراضى المقدسة.
ثم المحاضرة التالية بعنوان»شواهد المسيحية المبكرة فى مصر«قدمها أستاذ دكتور عادل فخرى صادق-وكيل المعهد وأستاذ ورئيس قسم الآثار القبطية وأعطى فيها جرعة مخطوطية مكثفة وتناولت أهم الإشارات المبكرة للمسيحية وخاصة فى البرديات والآثار وأهم الاكتشافات التى تشير إلى بدايات المسيحية وانتشارها فى أماكن متفرقة من مصر.
وجاءت المحاضرة الختامية بعنوان»كواليس مباركة بابا روما لأيقونة مسار العائلة المقدسة« وإدراج المسار ضمن أحد مسارات الحج السياحى وقام بعرضها أ.نادر أنور جرجس-منسق زيارة البابا فرنسيس لمصر عام٧١٠٢ عن لجنة إحياء مسار العائلة المقدسة بوزارة السياحة فى حقبة الوزير السابق يحيى راشد وتضمنت كل ما دار ف» الكواليس بين الكنيسة والوزارة والفاتيكان من بدء فكرة احياء المشروع مرة أخرى ودور الكنيسة فى توثيق كل ما يثبت صحة أقدم وأطول مسار بشرى عبر التاريخ وكيف وصلنا لوضع المسار ليكون »حج فاتيكانى« يخاطب كل كاثوليكى العالم.
وتحلل اليوم عرضاً لكورال ٧٦ مارمرقس بقيادة المهندس سمير فوزى وقدموا باقة من الترانيم الجميلة التى أسعدت كل الحاضرين وقدم خورس معهد الدراسات القبطية مجموعة من الألحان التى جعلت الحاضرين يعايشون روحانية سمائية كما أطفأ الحاضرون الشموع العشرين التى وضعت فى تورتة الاحتفال بعيد ميلاد الجمعية العشرين.
وبعد ذلك قام نيافة الأنبا مارتيروس ونيافة الأنبا مكارى بافتتاح معرض الفنون القبطية بمقر المعهد.
اختتم اليوم بتكريم بعض المؤسسات والشخصيات ممن لهم إسهامات فى ملف مسار العائلة المقدسة، وكان تكريم لجريدة وطنى لدورها الإعلامى الذى حمل فى طياته انفرادات فى هذا الملف وتسلمت التكريم المهندسة دينا سيدهم مديرة موقع وطنى الإلكترونى