لقد جاء المسيح إلي العالم, فعلمنا المحبة. وقال لنا: إن المحبة هي الوحيدة العظمي, وأن لها شطرين: الأول هومحبة الله, والثاني محبة الناس.
وقال: بهذا يعلم الجميع أنكم تلاميذي, إن كان لكم حب بعضكم نحو بعض. وعرفنا رسوله يوحنا أن الله محبة, من يثبت في المحبة, يثبت في الله, والله فيه..
بميلاد المسيح, عرفنا الحب الذي أحبنا الله به, وحطم فينا مشاعر الخوف..
وهكذا قال لنا الكتاب: لا خوف في المحبة. بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلي خارج (1يو4:18).
وإذا بعلاقتنا بالله أخذت تتغير, وأصبحت حبا لا أوامر ونواه, فقال: لا أعود أسميكم عبيدا..
4- لقد قدم لنا ميلاد المسيح مفاهيم جديدة..
قبل ميلاده, كان السائد هو الفهم الفريسي عن حرفية الناموس..
كان البر السائد هو الفروض والواجبات, وليس الروح, وليس الحب. وجاء المسيح ليصحح مفاهيم كثيرة, ويقول عبارته المشهورة:
سمعتم أنه قيل.. أما أنا فأقول لكم..
نعم, قل لنا, أيها المعلم الصالح, الذي بهتت الجموع من تعاليمه, وكان يعلمهم بسلطان وليس كالكتبة.
كان فمه حلاوة, وكله مشتهيات.
وقد شرح لنا وصاياه في عبارة الكلام الذي أقوله لكم, هو روح وحياة..
وهكذا أعطانا الروح والحياة.. أعطانا الفهم, ومعه النعمة..
النعمة التي تقود الإرادة, كما أن الفهم السليم يقود العقل.
وكما كانت كلمته هي روح وحياة, كانت كلمته قوية وفعالة, بالنعمة..
وهكذا شرح القديس يوحنا البشير, فقال: لأن الناموس بموسي أعطي.. أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا (يو1:17).
إن ميلاد المسيح كان مولدا لهذا النعمة, التي فاضت علي محبيه..
وأصبحت كلمة النعمة تستخدم كثيرا بل أصبحت عماد الحياة الروحية وصار للنعمة في المسيح يسوع مفاعيل كثيرة عجيبة. فهناك النعمة المخلصة والنعمة الحافظة, والنعمة المرشدة.. كل ذلك مع الاحتفاظ بإرادة الإنسان الحرة في قبول النعمة أو عدم قبولها.
وفي المسيح صارت قداسة الحياة, هي حياة الشركة مع الروح القدس.
الروح الذي يعمل معنا, وفينا, وبنا. الروح الذي أرسله المسيح لنا ليسكن فينا إلي الأبد, ولكي يأخذ من استحقاقات المسيح ويعطينا..
إن ميلاد المسيح صار فاصلا بين جيلين وعصرين وتاريخين.
وهكذا يتحدث العالم كله عن تاريخ ما قبل الميلاد, وتاريخ ما بعد الميلاد لأن الميلاد فصل بين زمن وزمن, وبين حال وحال..
البشرية التي آمنت بتعاليم المسيح, صارت شيئا آخر غير البشرية, فيما قبل الميلاد.. البشرية التي منحها المسيح الإيمان ومعرفة الله ومحبة الله وعشرته غير البشرية التي كانت قبل الميلاد غارقة في الوثنية والجهل, وحتي اليهود قبل الميلاد كانوا غارقين في الطقوس والفروض! قال الله عنهم: هذا الشعب يعبدني بشفتيه, أما قلبه فمبتعد عني بعيدا..
حقا ما أصدق الملاك الذي قال للرعاة في ميلاد المسيح: ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب..
لولا ميلاد المسيح, ما حصلنا علي كل البركات, وكل المواهب, وكل الخلاص والفداء, وكل عمل الروح الذي ترتب علي هذا الميلاد..
إنه الباب الذهبي الذي فتح علينا كل هذه النعم الإلهية..
ونحن جميعا نركع أمام المذود ونحيي هذا الميلاد البتولي.
ونطلب من الرب أن يعطينا بركة هذا الميلاد وفاعليته في حياتنا محاولين أن نتعمق في كل معني روحي تعلمناه من الميلاد, لكي نمتصه في داخلنا, ونطبقه في حياتنا العملية.
ونقف إلي جوار المذود, منذهلين من هذا الاتضاع العجيب. من هذا الحب الإلهي الذي دفع إلي هذا الاتضاع وشاعرين بقيمة النفس البشرية عند الله, وقيمة خلاصها..
نمتص هذا كله ونحياه..
نتعلم الحب, ونتعلم التواضع, ونتعلم البذل والفداء, ونحيا هذا كله. ونخلي ذواتنا, كما أخلي الرب ذاته.. ونجول نصنع خيرا, كما كان يجول يصنع خيرا. وننمو في القامة والنعمة, كما قيل عنه.
واضعين أمامنا هذا المثال, لكي نتغير إلي هذه الصورة عينها.
مبارك هذا الميلاد العجيب, الذي لم يحدث مثله في التاريخ, ولن يحدث. ومباركة هي العذراء القديسة التي استحقت أن تكون الإناء المختار لهذا الميلاد, ولهذا الخلاص الذي منحه الله للبشرية.
ليت صورة العذراء تكون أيضا ذات فاعلية في حياتنا, ننتفع بها, مع ابنها الحبيب, آمين..