كما انفرد يوحنا الإنجيلي وحده بموضوع المرأة السامرية كذلك ينفرد بموضوع الأعمى منذ مولده، وهذا دليل قاطع أن يسوع يريد إعلان حقيقة ما ترتكز على عمق الإيمان، ففي موضوع المرأة السامرية يعلن لها “لو كنت تعرفين عطاء الله؛ لأن الإنسان الذي لا يعرف عطية الله ولم يتقابل مع الله في حياته اليومية”، على مثال هذه المرأة التي جاءت تملأ جرتها من ماء البئر وأن مطلب يسوع ليس مطلبًا صعبًا وعسيرًا، بل مطلب عادي للغاية يمكن يحدث لأي إنسان عطشان، بالأخص إذا كان صيفا حارا أو مسافرا.
وخلافه نرى تجاوب المرأة وتدخل في حوار شيق معه وتفتح قلبها وتعترف بخطيئتها إلى أن تعلن “هلموا انظروا رجلا قال لي كل ما فعلت أيراه المسيح اعتراف واضح وتحرر من الانغلاق الذاتي وانفتاح على الآخرين لدرجة أن السامرين قالوا لا نؤمن الآن عن قولك فقد سمعناه نحن وعلمنا أنه مخلص العالم حقا، أما موضوع الأعمى منذ مولده والذي يرويه القديس يوحنا الإنجيلي في الفصل التاسع ويأخذ الفصل كله من العدد إلى واحد وأربعين، قد دون بفن دراماتيكي لايقل أهمية عن المرأة السامرية والراعي الصالح وقيامة اللعازر”.
وهذه الفصول انفرد بها يوحنا الإنجيلي في سردها بالتفاصيل الرائعة التي تشد القارىء فى قرائها جيدا ويتمعن فيها بحب واشتياق إلى معرفة نهاية الحدث.
حدث المولود أعمى يسوع دائما هو المبادر ففي لقاء المرأة السامرية اعطيني لأشرب، وهنا هو الذي رأى الأعمى هو الذي وجه إليه الكلام فجعل التلاميذ يسألونه هل هذا خطأه أم والداه حتى ولد أعمى لم يعطِ يسوع جوابا مباشرا ولكنه أعطى إجابة عملية واقعية، فقال :”لا هذا خطأه ولا والداه ولكنه ولد أعمى لتظهر قدرة الله فيه، قدرة الله تعمل دوما للخير ويسوع فاعل الخير ومعطي الحياة أمام هذا الموقف يا ترى يعمل الخير لهذا المسكين الأعمى أم يقف متفرجا، فقال مادمت في العالم فأنا نور العالم ومن يتبعني فلا يمشي في الظلام، بل يكون له النور الذي يقود إلى الحياة ويقول النص بصق في التراب وعجن من ريقه طينا ووضعه على عيني الأعمى، وقال له اذهب واغتسل في بركة سلوام، فذهب الأعمى وحده إلى البركة وهو يقول في المحاكمة ذهبت واغتسلت فأبصرت ثلاث أفعال قوية تعبر عن قوة الإيمان المحرك الجوهري للحدث ذهبت فاغتسلت، فابصرت لم يدخل في تفاصيل وضع نفسه تحت تصرفهم، فهو الذي ذهب وحده إلى البركة وتركهم برغم التهديد الذي أصروا عليه بأن كل من اعترف بيسوع يطرد من المجمع.
كما ليس كل من ذهب إلى البركة ينال الشفاء ينال الشفاء فقط من كان مرسلا من الله”.
وفي سياق الأسئلة والمحاكمة نلمس تدرج إيمان الأعمى، وذلك من الحديث عن الرجل الذي يسمونه يسوع وأنه نبي وأخيرا الآتى من عند الله ولولا أنه من الله لما استطاع أن يصنع شيئا وحتى الأهل تخلوا عنه، فجاء الحكم عليه بالطرد لأنه مكتمل السن ويتكلم عن نفسه وأنا لا أعرف شيئا عنه، فالذي أعلمه أني كنت أعمى وها أنا أبصر الآن، اتركوني ماذا تريدون مني؟.
وعالم الغيب وفاحص القلوب علم أن اليهود طردوه، فقابله يسوع وقال له: أتؤمن بابن الإنسان، فكان جوابه من هو يارب حتى أؤمن به، فقال له يسوع: قد رأيته وهو الذي يكلمك، فقال أؤمن يارب هذه معجزة الإيمان التي تفتح العيون عيون الذين يؤمنون بالقلب فتنقشع الغشاوة التي على عيونهم يسوع لا يعطي جوابا مباشرا عن قضية الشر ولكنه يؤكد أن هذا الشر لا يأتي من الله وأنه يحاربه بكل قوة وأن الله صورة الرحمة والحنان فالرب لايشفى فقط الأجساد، ولكنه يشفي قلب الإنسان الذي خربه الشر وجعله أصم تجاه كلمة الحياة ولا يرى نور الحق والحياة فشفاء الأعمى تأكيد على رغبة الله أن يحررنا من الظلام وأن ينير قلوبنا ويجعل كل منا خليقة جديدة نحن في المعمودية نحصل على النور ونقبل المسيح نورا لحياتنا ولهذا المسيحيون الأولون يسموا المعمودية استنارة وجوهرها الإيمان، وبه نرى الأحداث ونقرأ التاريخ بعين المسيح، أن المأساة الكبرى هو رفض المسيح النور الذي يكشف لنا الأعمال الشريرة ونفضل البقاء في الظلمة، فنحن أمام الاختيار فهل نؤمن بالمسيح النور الحقيقي ونقبل النور أم نبي في الظلمة بالشر في الخطية فإذا أردنا أن نفتح عيوننا وجب أن نؤمن فمعجزة الأعمى أظهرت عمى الفريسيين وأعلنت أن يسوع هو نور العالم، فالأعمى جدد قلبه ليؤمن أما الفريسيون تمسكوا بالمناصب وحب الظهور ورفضوا أن يكونوا تلاميذ يسوع ولم يقبلوا النور، أما الأعمى جدد قلبه لكي يؤمن فرأى يسوع بقلبه قبل أن يراه بعينيه “أؤمن يا سيدي”، فسجد له فهذه معجزة الإيمان التي تفتح العيون والقلوب .