قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (711)
خلال النصف الثاني من شهر أكتوبر الماضي والنصف الأول من شهر نوفمبر الذي تلاه لاحظ قراء الصحف القومية عودة ظهور الجداول المنسوبة لوزارة البترول والمنشورة في الصفحات الأولي لتلك الصحف -جداول ملونة تأخذ شكل الإعلان لكن الغريب أنها لا تقدم إعلانا ولا خبرا!!- وتكتفي الجداول بتقديم معلومات رقمية حول مختلف أنواع الوقود من بنزين وسولار وبوتاجاز مثل مقارنة الأسعار العالمية لها بأسعارها المحلية والكميات المستوردة منها مع بيان فارق القيمة التي تتحملها الدولة من جراء دعم الوقود… وكما قلت الأمر ينحصر في المعلومات الرقمية دون أن يحدد الهدف من النشر, وبذلك يترك للمواطن الاجتهاد في التقاط ذلك الهدف!!!
بطبيعة الحال كانت النتيجة أن سرت شائعات عبر وسائط التواصل الاجتماعي مؤداها أن الحكومة مزمعة رفع أسعار الوقود مع ما يحمله ذلك من انعكاسات متباينة علي تكاليف النقل والمواصلات وبالتالي ارتفاع أسعار سائر السلع ووسائل الانتقال. ولا يخفي علي أحد أن إصرار الحكومة علي هذا المسلك الذي يتصف بالغموض ويفتقر إلي الشفافية والمصارحة -وهو موقف متكرر- هو المسئول عن توجس المواطنين من نشر الجداول غير المبرر ولا المفسر, فلا لوم عليهم إذا فيما يطلقونه من شائعات.
وأتعجب جدا من السياسات التي تتبعها الحكومة في هذا الخصوص, فبينما يعرف الكافة من المتابعين لأحوال الاقتصاد أن الرفع التدريجي لأسعار الوقود أمر لا مناص منه لتنفيذ ما سبق وأن أعلنه المسئولون في مستهل هذا العام من خطط مرحلية لرفع الدعم عن السلع والخدمات تنتهي بالرفع الكامل للدعم بحلول عام 2020, ماتزال الحكومة تتصرف وكأنها تخشي مواجهة المواطنين ومصارحتهم بذلك, وبدلا من الإعلان عن جدولة واضحة تطبق زيادات ربع سنوية بسيطة علي الأسعار تسود أساليب التكتم والتعتيم والتأجيل خشية إثارة الناس حتي لا يكون هناك مفر من فرض زيادات سنوية كبيرة تصدم الناس وتعصف بالأسواق بكل ما فيها ومن فيها من بائعين ومشترين!!
لست أكتب عن أمر غير مسبوق, بل هو متكرر ومثير لضيق وغضب الناس, وقد تناولته في مقال سابق منتصف هذا العام تحت عنوان: مبررات رفع الأسعار صح.. لكن سيناريوهات تطبيقها غلط حيث فندت السياسات التي رسمتها الحكومة المصرية منذ عامين والتزمت بها أمام صندوق النقد الدولي ومؤسسات التمويل الدولية وفي مقدمتها تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار ورفع الدعم بالكامل عن كافة السلع والخدمات بحيث تتوقف الدولة عن دعم القادرين وتقوم بتوجيه حصيلة رفع الدعم إلي برامج إعانة غير القادرين وبرامج التنمية وزيادة الحدود الدنيا للأجور والمعاشات, أي باختصار تطبيق مبدأ وصول الدعم إلي مستحقيه.
فإذا كانت السياسات صح, لماذا تصر الحكومة علي المضي في تطبيقها بطريقة غلط؟!!… لماذا تتقاعس عن تسويقها جيدا وبكل شفافية للمواطنين بحيث يتم تعريفهم بدورية رفع الأسعار ونسب رفعها مسبقا حتي يتوقعوها ويتفهمومها ويتحملوا تبعاتها ويتخلصوا من الهاجس الذي يسيطر عليهم بأن الحكومة تتربص بهم ولا تتورع عن ملاحقتهم بالضرر!!… هذا عن المواطنين الكادحين والمستهلكين, لكن أيضا تلك الشفافية والمصارحة المسبقة مطلوبة لرجال الأعمال والمستثمرين الذين يلزم تعريفهم جيدا بخطط رفع الأسعار لما لها من تأثير علي أعمالهم واستثماراتهم.
يقول البعض إن المهندس طارق الملا وزير البترول نفي أن هناك زيادة قريبة في أسعار منتجات البترول, لكن هذا النفي لا يكفي, فيجب عليه أن يعلن عن مواعيد ونسب الزيادة المزمع تطبيقها منذ الآن وحتي حلول عام 2020 في إطار خطة الدولة لإنهاء دعم السلع وتوجيه الدعم لمستحقيه.