وقف فتى صغير، على ناصية شارعى رمسيس والنهضة ببورسعيد ، يدعى سيد عسران ، عمره 16 عام ، مرتديا بنطلون و قميص خفيف ، فى طقس شديد البرودة ، وفى يده رغيف من الخبز، أخذ يقضم منه قضمات صغيرة ، وذهنه شارد وعيناه يبدوعليها القلق فى يوم 14 ديسمبر عام 1956.
و فجأة انطلقت بشكل سريع ، سيارة صغيرة الى شارع رمسيس، بداخلها ثلاثة رجال، من ضمنهم الميجور جون وليامز ثعلب المخابرات البريطانية ، وكان دائما يغلق زجاج النوافذ ، خوفا من أي اعتداء ، وكان الميجور وليامز الغرور ينتابه، ذو النظرات الثاقبة بالعيون الزرقاء، ويتباهي بزيه العسكري .
بدأت أعصاب الفتى الصغير تتوتر، عندما لمح سيارة ثعلب المخابرات البريطانية تسير بالشارع ، ولم يتمالك نفسه فوضع يده فى جيبه وأخرج منها ورقة بها سطورمكتوبة باللغة الانجليزية، ولوح الفتى بيده لسائق السيارة ،ولكن السائق لم يقف، وعندما شاهد وليامز الفتى يلوح بيده، طلب من السائق الرجوع للخلف والتوقف.
فتح وليامز زجاج سيارته، ونظر بعينيه الزرقاء الى الفتى نظرة ثاقبة ، وقابل الفتى نظرة ثعلب المخابرات البريطانية بنظرة بريئة ثابتة ، فقال له وليامز عايز أيه؟، لم يتكلم الفتى، ومد يده بالورقة اليه، ونظر وليامز الى سكرتيره الذي كان يجلس بجواره داخل السيارة، وهو يبتسم ظنا منه انه سيحصل على معلومات توصله إلى مورهاوس و إلى الذين خطفوه.
مد وليامز يده ليأخذ الورقة، وقبل أن يلمسها تركها الفتى، لتسقط من بين أصابعه داخل السيارة الصغيرة ، وسقطت الورقة فى دواسة السيارة ، و انحنى وليامز ليلتقطها، بينما قضم الفتى قضمة واحدة من الخبز بأسنانه، و لم يبتلعها وظلت عالقة بين اسنانه، وعيناه تلمع من شدة العنف، وقبل أن يعتدل وليامز لمح الرغيف الذي كان في يد الفتى تحت قدميه فى دواسة السيارة.
وذاب الفتى فى الشارع، وأدرك وليامز الفخ ، وحاول فتح باب السيارة للخروج ولكن دوى الانفجار خرجت قنبله وقصفته للاعلى ، ساقطا على الارض ، و فى يده مسدسه وأخذ يطلق منه طلقات أصابت أربعة من اليونانيين ، كانوا يسيرون فى الشارع ، و جرح سائق سيارة وليامز، وسقط رأسه فوق عجلة القيادة، واخذ الكابتن جرين مساعد وليامز يصرخ فى الشوارع مستنجدا بالدوريات البريطانية ، وظل وليامز يسبح فى دماءه، حاملا مسدسه وعيناه تبحث عن عسران .
جاءت عربات الاسعاف البريطانية، وحملت وليامز ، الذى مزقت القنبلة نصفه الاسفل ، ولكن لم يسعفه القدر، ولقى حتفه بقنبلة العيش .
وأسرع عسران الى الحي العربي “قسم العرب” ، وكان يحرسه من بعيد أفراد مجموعته الأبطال التي خطفت مورهاوس، واخدت القوات تجري للامساك بعسران، الا انهم لم يعثروا عليه، وضرب سيد عسران أروع صور البطولة فى العدوان الثلاثى ، وتناقلتها الأجيال ، ليسطر التاريخ اسمه بين أبطال المقاومة الشعبية فى بورسعيد .