أكد الدكتور فاروق الباز الخبير الدولى بعلوم الفضاء ومدير مركز الإستشعار عن بعد بجامعة بوسطن الأمريكية سابقاً ، أنه أثناء دراسته للصحراء الغربية بالتصوير الفضائى عام 1973 تم اكتشاف منطقة فريدة عند سفح الفيوم الشمالى من أكثر مناطق العالم جفافا، يمكن عمل مجمعات للطاقة الشمسية عليها تكفى كهرباء مصر بأكملها، ودرسها خبراء ألمان وعرضوا إقامة مجمع طاقة على مساحة 5050 كم تكفى إمداد مصر بالطاقة الكهربائية والتصدير إلى أوروبا ولكنها لم تنفذ، وقال الباز: “لدينا ثروات هائلة لا نفكر فيها أو ننظر لها”.
وأضاف الدكتور “الباز” خلال الندوة التى استضافها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية : إن ممر التنمية شهد منذ طرح الفكرة فى الثمانينات وحتى الآن أكثر من جدوى اقتصادية للمشروع بدأتها مجموعة بيكتل العالمية، وقدرت التكلفة الاستثمارية لهذا المشروع فى ذلك الوقت بنحو 6 مليارات دولار تستغرق 10 سنوات على الأقل، وبعد ذلك خضع المشروع لدراسة جدوى أخرى فى عهد أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق لنحو 5 سنوات وتم تقدير التكلفة الاستثمارية الخاصة به بنحو 23 مليار دولار .
وقال “الباز” الخبير الدولى بعلوم الفضاء إن هناك اعتقادا سائداً بأنه ينتظر الحكومة لتنفيذه وهذا اعتقاد خاطئ، مؤكداً أن الحكومة لا تستطيع تنفيذ هذا المشروع، بل يحتاج إلى مؤسسة خاصة تعمل على تبنى هذا المشروع من الناحية المالية والإشراف حتى تستطيع إدارة الفكرة بالشكل المطلوب وتحقيق العائد منه على المدى الطويل، علما بأن المشروع سيحقق عوائد اقتصادية كبيرة جدا ولكن على المدى الطويل.
وقال العالم الكبير: إن المساحة العمرانية التى يوفرها ممر التنمية تقدر بحوالى 10.5 مليون فدان، جزء منها يمكن زراعته، بينما يمكن عمل مجتمعات صناعية وسياحية وغيرها ، وأكد الدكتور فاروق الباز أن مشروع ممر التنمية لا يجب أن يكون خارج الإطار الحكومى بشكل مطلق، بل يجب أن يوضع هذا الممر فى إطار برامج وخطط الحكومة المستقبلية الخاصة بالزراعة والصناعة والسياحة وكافة المجالات الاقتصادية الأخرى، على أن يتمتع فقط بالاستقلالية عن الحكومة من الناحية التنفيذية.
وقال “الباز” إنه كان يعمل فى مشروع الفضاء أبوللو عام 1972 وكان دوره تحليل الصور الفضائية للقمر لاختبار مكان هبوط المركبة الفضائية حتى لا تتعرض لمشكلات، ثم تولى العمل بمشروع فضائى آخر مع وكالة ناسا فى السنة التالية، وفى عام 1973 بدأ التفكير فى استخدام تقنية التصوير الفضائى للأرض لاكتشاف طبيعتها الجيولوجية، وهو نفس الوقت الذى كان يفكر فيه الرئيس السادات فى مشروع تعمير الصحراء لأنه كان مهموما بالزيادة السكانية.
وعاد
إلى جامعته “عين شمس” ليتولى مع فريق بحثى من الجامعة دراسة الصحراء الغربية، بتمويل كامل من الولايات المتحدة حيث خصصت وكالة ناسا 250 ألف دولار سنويا للدراسات، وتم شراء المعدات والسيارات وبدأ العمل فى الصحراء الغربية.
ومن خلال 65 صورة فضائية للصحراء الغربية، تم كشف وجود حياة كاملة على نهر كبير بعمق 24 قدم، ووادى كبير الحجم بعرض 200 كيلومتر مربع، وواديان آخران عرض كل منهما 8 كم و12 كم، كما أن دلتا النيل الحالية كان يسبقها دلتا أخرى فى الصحراء الغربية ولكنها تحركت تزامنا مع حركة قارة أفريقيا بالكامل شمالا مبتعدة عن خط الاستواء، وهو ما يعود تاريخه لحوالي 1 – 6 مليون سنة، وفى تلك الفترة كان هناك أمطار غزيرة فى هذه المنطقة تكونت من خلالها مياه جوفية تكفى مصر لمائة عام بشرط الاستخدام الرشيد للمياه والزراعة بالطرق الحديثة، وهى مياه نظيفة باردة على بعد 75 – 300 متر.
ولم يكن هناك إمكانية لنقل الحياة البشرية إلى الصحراء مرة أخرى لأن الإنسان المصرى بطبيعته يحب العيش بجوار نهر النيل منذ عصر الفراعنة، وإذا انتقل سيعود مرة أخرى إلى نفس المكان، لذا قاده التفكير فى مشروع ممر التنمية وهو ممر رئيسى بطول 1200 متر من شمال مصر إلى جنوبها، ويربطه ممرات فرعية عرضية بوادى النيل ويقوم على جانبيه تنمية متكاملة عمرانية وصناعية وزراعية وسياحية.
وأشار إلى وجود منطقة غرب كوم أمبو فى أسوان واسعة جدا، بها تكوين سمكه 5 أمتار من التربة النيلية كانت دلتا قديمة، تتسم بخصوبة هائلة جدا يمكن على الأقل نقل نصف مليون فدان منها بقشط طبقة سمكها 2 متر من التربة الخارجية الخصبة إلى مكان آخر وزراعته، ويتبقى بها طبقة خصبة سمكها 3 أمتار أخرى، ولكن لا يتم الإستفادة منها.
ومن جانبه عرض الدكتور صلاح الحجار، استاذ الطاقة والتنمية المستدامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، رؤيته لتطوير وتنمية صحراء مصر الشرقية، مؤكدا أنه يمكن زراعة العديد من المحاصيل باستخدام المياه المالحة من خلال تطوير البذور المستخدمة فى الزراعة، مشيرا إلى تجربة الصين فى زراعة الأرز بالمياه المالحة ونقل تجربتها إلى الإمارات وإسرائيل.
وقال الحجار إن 97% من المياه الموجودة على سطح الأرض هى مياه مالحة، و3% فقط مياه عذبة، وتصل نسبة الأنهار من المياه العذبة إلى 1% فقط، وتشكل المياه الجوفية 22% منها، فى حين تشكل جبال الجليد 77% من المياه العذبة فى العالم، لذا أصبحت تنمية الدول باستخدام المياه المالحة توجها عالميا فى الوقت الحالى.
وأشار أستاذ التنمية المستدامة إلى نجاح هولندا فى زراعة البطاطس باستخدام المياه المالحة، بالإضافة إلى زراعة نبات آخر يدعى “سيركونيا” فى أمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا، ويستخرج من بذوره زيوتا عالية الجودة، وأيضا شجر المانجروف الذى يستخدم أوراقه كعلف للحيوانات، وخشبه يستخدم فى تصنيع الخشب الصناعى
وبحسب الحجار فإن مصر وصلت إلى مرحلة الفقر المائى حيث انخفض نصيب الفرد من مياه نهر النيل من 1000 متر مكعب سنويا إلى 650 متر مكعب سنويا من المياه العذبة، وهو ما يتطلب التوجه نحو استخدام المياه المالحة فى التنمية بالصحراء الشرقية وعمل مجتمعات عمرانية متكاملة صناعية وسياحية وزراعية باستخدام المياه المالحة.
وعلق الدكتور أحمد فكرى عبد الوهاب، عضو مجلس إدارة الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بأن المشروعات طويلة الأجل فى مصر تفتقر إلى الرؤية الواضحة، وهناك غياب لحق الأجيال القادمة فى رؤية الدولة، متسائلا: من هى الجهة المعنية بالنظر إلى الخطط طويلة الأجل التى تراعى حقوق الأجيال القادمة؟
وطالب طارق توفيق، نائب رئيس مجلس إدارة المركز المصري للدراسات الاقتصادية، بأن يتم التعامل مع التحديات وفقا لمنطق الجدوى الاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بأزمة المياه، حيث إنه من الممكن أن تكون الفرصة متاحة لزراعة محاصيل ذات جدوى اقتصادية في الداخل وتصديرية تدر عائدا ماديا لشراء القمح من الخارج بدلا من زراعته في مصر، آخذا في الاعتبار حجم الفاقد الذى تتعرض له المياه المستخدمة في الزراعة بل وأيضا حجم الفاقد من المحاصيل الزراعية.
وشددت الدكتورة عبلة عبد اللطيف، المدير التنفيذي ومدير البحوث، بالمركز على أهمية مشروع ممر التنمية، الذى وضع خطة متكاملة واستراتيجية لتنمية الصحراء الغربية، وأهمية دراسة تكلفته الاقتصادية في الوقت الحالي لأن الكثير من المتغيرات حدثت منذ وضع المشروع. حيث بدأت مصر في تنفيذ عدة مشروعات متفرقة، متسائلة: إذا كانت هذه المشروعات في نفس سياق أهداف مشروع ممر التنمية؟
وطالبت عبد اللطيف بأن يكون تنفيذ مشروع ممر التنمية مربوطا بكافة خطط الحكومات المتتابعة لتحقيق التكامل المطلوب بين أهداف المشروع على المدى الطويل، وخطط الدولة على اختلاف القطاعات التي يشملها المشروع، حتى وإن كان المسئول عن المشروع جهة مختلفة تماما عن الحكومة. وطالبت بضرورة وضع خطة رئيسية شاملة للدولة ودراسة تحليل التكلفة والعائد لجميع المشروعات.
وفى نهاية الندوة، أعلنت المدير التنفيذى عن خطة المركز للعام القادم، والتى ستركز على دعم ريادة الأعمال ونشر هذا المفهوم، وتحويل مصر إلى مركز لوجستي لريادة الأعمال فى أفريقيا، حيث يُجرى الاستعداد لعقد مؤتمر ضخم فى أكتوبر المقبل بالتعاون مع مؤسسة Hub Africa المغربية عن ريادة الأعمال، ودعت العالم الكبير فاروق الباز لحضور افتتاح المؤتمر، ووعد الباز بأن يكون متواجدا، وأن يتم عقد جلسات أكثر تفصيلية حول مشروع ممر التنمية وإمكانية الاستفادة من صحراء مصر.