تعتقد الزوجة التي ارتبطت بزوج متسلط أن هذه هي نهاية الحياة وأن ما يحدث في حياتها لا يعاني منه أحد غيرها، لكنها
لا تعرف أن 68 % من الأزواج الشرقيين يميلون إلى التسلط والسيطرة في تعاملاتهم مع الزوجة… ولمعرفة الأسباب التي تدفع هؤلاء الرجال لحب التسلط وأهم ملامحه، وطرق تعامل الزوجة مع زوجها المتسلط التقت جريدة “وطني” مع دكتور بيتر نعيم استشاري المشورة الأسرية ومدير معهد المشورة الأسرية بإيبارشية السلام والنهضة
لتجري معه هذا الحوار:-
* ما هي أهم ملامح الشخصية المتسلطة ؟
** غالبا ما يكون الشخص المتسلط هو شخص لديه نزوع لأن يصبح شخصية قيادية ولكل وصل به الأمر إلى أنه لا يستمع لرأي آخر سوى نفسه، وهنا تكمن المشكلة، حيث نجد الرجل ذو الشخصية المتسلطة يأخذ بعض القرارات التي من المفترض أنها قرارات مشتركة بمفرده ويصر على عليها، فعلى سبيل المثال عندما يذهب الخطيب ذو الشخصية المتسلطة مع خطيبته لاختيار أثاث بيتهما نجده يصر على شراء بعض الأشياء دون أن يضع رأي خطيبته في الحسبان حتى لو رفضت هذه الأشياء ولم تعجبها واقترحت عليه أن يرى غيرها لا يوافقها ولا يلتفت لكلامها وقد يحاول أن يعلل هذا الإصرار وفي أحيان كثيرة لا يبدي أسباب فهو شخص لا يحتمل الجدال والنقاش، وإن ترك لشريكته بعض المساحة لتبدي رأيها لا يعمل به ويصر على ما هو مقتنع به مما يخلق جو من التصادم والمشاحنات بينهما.
* ما هي الأسباب التي تخلق من الإنسان شخصية متسلطة؟
** يجب أن نعلم أن الشخصية المتسلطة ليس من الضروري أن تكون رجلا بل أحيانا كثيرة تحمل الزوجة صفات هذه الشخصية، والطبع المتسلط جزء منه جيني أي وراثي لا يمكن تغيره والجزء الآخر مكتسب أي حصل عليه الإنسان من طريقة تربيته ومن الوسط الذي يعيش فيه، فإذا خرجت الفتاة للدنيا ووجدت والدتها هي المتحكمة في البيت ستكون بالطبع زوجة متسلطة حين تكبر وتتزوج، فقد سألت أحد الشباب عن سبب عدوله عن خطبته فقال لي “للأسف لم أجد رجل أكلمه… فحتى الاتفاقات المادية كانت والدتها هي التي تجريها معي…وعندما كنت أوجه أي كلام لوالد خطيبتي كانت والدتها هي التي ترد… فكان والدها يجلس معنا وكأنه غير موجود … فخشيت أن تكون البنت قد أخذت نفس طباع والدتها فقررت العدول عن الخطبة”.
ففي أغلب الأحيان يتعلم الإنسان التسلط والإصرار على الرأي من أحد والديه أو العكس تماما فقد ينشأ ولد في أسرة يكون فيها الأب شخصية ضعيفة جدا فيعيش طوال عمره يختزن ما يحدث لوالده ويتمنى أن يثأر له، فنجده عندما يتزوج يخشى أن يصبح نسخة من والده فيتحكم في زوجته بشكل مبالغ فيه ويحكم مقاليد كل شيء في البيت حتى لو كانت زوجته شخصية عادية ومطيعة، فما لم يستطيع تحقيقه وهو صغير يحاول تنفيذه عندما يكبر وعندما تصبح مقاليد الأمور في يده، فعلينا أن ندرك أن الطفل يتعلم طريقة
اتخاذ القرارات من البيت الذي ينشأ فيه فإذا كان نشأ في بيت تأخذ القرارات فيه بشكل صحيح حيث يشرك فيه الأب أسرته ويهتم برأي الجميع ويراعي ظروف الجميع بالطبع سنجد هذا الزوج يفعل ذلك مع زوجته وأولاده غير الذي ينشأ في بيت كانت تلقى فيه الأوامر في وجه وما عليه سوى أن ينفذها فقط.
ويجب أن نعرف أن أهم قاعدة لتربية الأطفال ألا ننصحهم بتصرف ما بطريقة معينة بل نربيهم بسلوكنا، فإذا أرادت الأم أن تعلم إبنها عدم الكذب عليها أن لا تكذب فيجب أن لا يراها تقول لصديقتها في الهاتف أنها مشغولة الآن وسوف تنزل من البيت ثم يجدها تدخل غرفتها لتنام، وكذلك لا يصلح أن يقول الأب لإبنه المقبل على الزواج بأن يحسن معاملة زوجته وأن يشركها في إتخاذ القرارات ويجب ألا يقهرها ولا يرغمها على شيء، ويكون هذا الأب طوال عمره يعامل زوجته بكل قسوة وتسلط.
* قد يكون لدى الكثير من الفتايات قبل الزواج اعتقاد بأنهن عندما يتزوجن سيتحررن من قيود الأهل ولكن بعد الزواج يصدمن لأنهن يجدن قيود أخرى … فما تعليقك؟
** هذا حقيقي فقد تقبل بعض الفتيات بالزواج بأي شخص لتحرر من قيود الأهل بغض النظر عن كون العريس شخص مناسب لها أو لا، فقالت لي إحدى الفتيات “أنا أصلا وافقت أتزوج علشان بس أخرج من جحيم بابا ولكن لقيت نفسي بعد الزواج في جهنم جوزي” .
* ما هو الإختبار الذي من الممكن أن تقوم به الخطيبة لمعرفة ما إذا كان خطيبها شخصية متسلطة أم لا ؟
** على الخطيبة أن تختار موضوع للنقاش فيه مع خطيبها مثل اختيار مكان إقامة حفل الزفاف بعد الكنيسة فإذا وجدته يختار مكان بعينه ويصر عليه دون جدال أو أخذ رأيها فقد تكون أمام شخصية متسلطة، وهذه الطريقة في الغالب قد يكون تعلمها من أهله أو نصحه بها أصدقائه فقد نجد أحدهم يقول له -بحسب التعبير الشائع، “أنه يجب أن يدبح لها القطة من أول يوم” ولأننا في مجتمع ذكوري فيجب أن يصر الرجل على رأيه في كل شيء وكلامه هو الذي ينفذ لأن العرف يقول أن الذي لا يفعل ذلك قد يقال عنه أنه ليس “رجلا”، فقد يكون هذا الشخص في الأصل ليس شخصا متسلطا ولكن يتبع لتعليمات من حوله في التعامل مع شريكته، وعلينا أن نتأكد أن طبع مثل التسلط أو التحكم الذائد من السهل جدا أن يظهر في مرحلة الخطبة ولا يمكن أن يخفيه الخطيب، فغالبا تجده الخطيبة يطاردها بسؤالين “أين كنت” و “أين ستذهبين”، كما نجده يحب أن ينفذ ما يقوله دون مناقشة، ويضع لنفسه مبرر آية الكتاب المقدس التي تقول “أيتها النساء أخضعن لرجالكن” دون فهم للآية ودون تكملة لها حيث تقول الآية “أيتها النساء أخضعن لرجالكن كما للرب”، وعلى الخطيبة أن تدرك أن ما يوضح حقيقة شخصية خطيبها هو طريقة حوراه ونقاشه معها قبل أخذ أي قرار، فإذا انعدم الحوار بينهما قبل الزواج بالطبع لن يكون له مكان بينهما بعد الزواج .
* كيف للزوجة أن تحقق معادلة طاعتها لزوجها وعدم ضياع شخصيتها وقدرتها على اتخاذ القرارات؟
** في البداية يجب أن تعرف كل زوجة الفرق بين الخضوع والخنوع، فالخضوع للزوج مطلوب بل هو وصية كتابية، ولكن يجب أن تعلم الزوجة أن الخضوع هو الطاعة بحب ورضى من أجل سلام البيت، ولكن عندما يصر الزوج على رأيه لعمل شيء ما دون اقتناع منها ودون مبرر منطقي فبذلك يصبح هذا تسلط منه وتصبح طاعتها له نوع من الخنوع وليس عن اقتناع.
* ما هي مفاتيح التعامل مع الزوج المتسلط؟
** نصيحتي الأولى لكل زوجة تعيش مع زوج متسلط هي “عدم الصدام معه” فعندما تراه قد أخذ قرار ما، عليها أن ألا تقول له أن رأيك خطأ، وكذلك عليها أن تقدم له كل الحب، وأن تحاول الحوار معه بطريقة لطيفة لإقناعه، وتؤكد له دائما أنها عندما تقول رأي مخالف لرأيه ليس عدم حب له أو عدم ثقة وتقدير لكلامه فتقول له “أنا أكثر ما يهمني هي مصلحة بيتنا وأنت أول شخص تهمني…فنحن أصبحنا جسد واحد ولنا مصير واحد فنحن في مركب واحدة”، وبالتأكيد عندما يرى أنها تحبه وطريقتها لطيفة معه ولا تقلل من رأيه قد يستمع لها ومع الوقت قد يأخذ برأيها خصوصا لو كان رأيها صائب وبذلك تستطيع مشاركته القرارات دون عناد أو صدام بل وقد يفوضها في الكثير من أمور الحياة لأنها استطاعت أن تفوز بثقته.
* هناك بعض الرجال الذين يبررون تسلطهم الزائد وتحكمهم في زوجاتهم وأولادهم بأنه نوع من الرجولة وقدرة على ضبط مقاليد الأمور؟ ….فما تعليقك؟
** يجب أن يعلم الأزواج والزوجات أنهم ليسوا في حرب، فهم مقبلون على علاقة حب وعشرة وشراكة، فلو تخيلنا أن تاجرين مقبلين على إقامة شركة بينهما وكلا منهما له فكر في إدارة هذه الشركة فهل مشروعهما سوف ينجح؟ بالطبع لا، كذلك نفس الشئ في الزواج، فقد أصبح الاثنين جسد واحد له نفس الفكر ونفس الهدف لذلك يجب أن يكون هناك حوار متواصل فبدون الحوار تفشل أعظم شركة .
* ما هي النتائج التي من الممكن أن تعود على بيت يقوده زوج متسلط؟
** يجب أن نعرف أن التسلط العنيف يؤدي إلى خراب البيت، ويؤدي بالزوجة إلى أن تصبح شخصية خانعة أي ليس لها رأي فهي سحبت نفسها خارج الشركة التي تم تأسيسها واستسلمت فلا تتدخل مع زوجها فيما يفعل أو يشتري أو في تعاملاته مع الأبناء فهي تشعر أنها لا إرادة لها في بيتها وليس لها دور فهي مجرد منفذه لتعليمات لا تفهم منها شيء، فتصبح هذه الزوجة ليس لها قدرة على العطاء لزوجها أو لأولادها لأنها تحولت من شريكة في هذا المنزل إلى عبده، وبالتالي لن يتطلع إلى فكرها أي أفكار خلاقة لبيتها أو لأولادها لأنها تعلم أن أي كلام منها سيقابل بالرفض، وبذلك يكون الزوج قد خسر فكر ثاني معه كان من المفترض أن يسانده في قرارته وفي مواجهة الحياة، وبالطبع عندما يرى الأبناء ما يحدث في بيتهم إما أن يصبحوا مثل شخصية الأب المتسلط أو مثل شخصية الأم الخانعة فيكونوا بلا رأي في البيت ويصيروا على هذا النحو في المدرسة وفي الجامعة وحتى عندما يدخلوا إلى مجال العمل، وكذلك عندما يرتبط أحدهم يصبح شريك حياة خانع وبلا رأي فقد أشبعه أبيه من صغره بالكلمات السلبية مثل “أسكت… مسمعش صوتك تتكلم في الموضوع ده ….أنت مش فاهم حاجة…إلخ”
* ما هي الوصية الكتابية التي يجب أن يضعها كل زوج متسلط أمام عينيه؟
** هناك وصية كتابية واضحة وضوح الشمس في هذا الصدد، حيث قال الكتاب “أيها الرجال أحبوا نساءكم” ، فهل هناك زوج يحب زوجته يجعلها تفعل شيء رغما عنها؟ فالحب يعني العطاء، وأبسط أنواع العطاء أن يعطي الشخص شريكة حياته فرصة لأن تبدي رأيها ويتركها تعبر عما بداخلها ويشاركها القرارات وأن يناقشها في أمور حياتهما وأن يحلل معها الأمور بالمنطق
وليس بالعناد.