تولي الثقافة الشعبية أهمية كبرى للخصوبة والإنجاب، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بالمرأة باعتبارها الرحم المنجب فالدور الإنجابى للمرأة، وفق هذه التصورات، محدد أساسي لقيمة المرأة في المجتمع، وعدم قدرة المرأة على الإنجاب يجعلها بلا قيمة أو وظيفة: “الست اللي ما بِتخلفيش زي العيار إللي مايصيبش”، أو “الست إللي ما بتخلفيش زي الضيف”، أي عرضة للاستبعاد والاقصاء. ومن أكثر الجوانب التي تم تناولها بشأن العلاقة بين الثقافة الشعبية والإنجاب تلك المتعلقة بتفضيل إنجاب الذكور وكراهية إنجاب الإناث، وهذه القضية شغلت المعنيين بالثقافة الشعبية والحركات النسوية لارتباطها المباشر بالتمييز ضد النساء حيث يتم التعبير صراحة من خلال العديد من الأمثال عن أفضلية الذكور على الإناث، بل اعتبار أن وجود الإناث أمر مكروه وكارثي في بعض الأحيان، وثمة العديد من الأمثال الشعبية الدالة على هذا الموقف المعادي للمرأة، ومنها الأغنية الشعبية عن الميلاد التي تقول: “لما قالوا دي بنية إتهدت الحيطة عليا.. ولما قالوا ده ولد إشتد ضهرى واتسند”. وتتعدد الأمثال التي تعكس كراهية وجود البنات” “صوت حية ولا صوت بنية”، وهكذا. وهذه الكراهية التي تعكس النظرة الكارهة للمرأة “وخلفة البنات”، لا تعني فقط كراهية المولود، بل ضعف مركز المرأة التي تلد بنات، فقيمتها تأتي من كونها “أم الولد”.
وثمة ما يؤكد أن أضرار المرأة التي تلد البنات إلى مواصلة مسلسل الإنجاب حتى تحظى بلقب “أم الولد” وإصلاح النقص وتحسين مركزها الاجتماعي: “ربنا يبعت للعويلة (الفاشلة) ولد تقعد جنبه وتِتسنِد”. وهذا الأمر لا يؤدي فقط إلى الإنفلات الإنجابي وزيادة عدد السكان، ولكن غالبا ما يرتبط بتأثيرات سلبية على صحة المرأة وتردى الأوضاع المعيشية للأسرة. وإذا أخفقت محاولاتها الدؤوبة والمرهقة فى الإتيان بذكر، ففى كثير من الحالات يلجأ الزوج إلى الزواج بأخرى لتنجز ما أخفقت فيه الأولى، وقد يتحول الأمر إلى مباراة بين الزوجتين لتحقيق الهدف والفوز الذكوري، وكما يقول المثل: “أم البنات حبلة للممات”.
أما الجانب الآخر لعلاقة الثقافة الشعبية بالإنجاب، فيرتبط بالمحفزات، وغالبا من خلال التقليل من مخاوف الحمل والولادة أو تحمل أعباء المعيشة. لا شك أن ثمة مخاوف ترتبط بعملية الولادة، وتحديدا الولادة الأولى، من الأمور الشائعة، وهنا تتدخل الأمثال الشعبية للتقليل من هذه المخاوف: “أسى الولادة منسى”، “الحمل تلاتة وحم.. وتلاتة سأم.. وتلاتة شحم”، وكلمة شحم هنا تعنى استعادة المرأة لصحتها وعافيتها فى الشهور الثلاث الأخيرة للحمل، وكذلك التبشير بأن أشهر الحمل تمر سريعا: “شهر وشهير والتاني قصير” و”شهير” هى تصغير شهر. وثمة اعتقاد شعبي يعززه المعتقد الديني بأن الذرية ثروة ورأسمال، وعلامة من علامات القوة والغلبة، وقوة المرأة ومكانتها حتى في مواجهة الرجل (الزوج): “يغلبك بالمال.. إغلبيه بالعيال”. وأيضا أن الأولاد يأتون ورزقهم معهم، وهذه هي الفكر الإتكالية التي تعمل على إزالة المخاوف من صعوبة المعيشة فـ “الأرزاق على الله”، ويقول المثل كذلك: “أم واحدة ربنا محيرها وأم عشرة ربنا مدبرها”.
وقد نجد من الأمثال الشعبية ما يدعو للتهكم والسخرية من المرأة الولود: “إصباح الخير تحبل.. إصباح الخير تولد” … “شايله ومرضَعه وجاره أربعه.. وطالعه الجبل طالبه الحبل” … “فى البطن عِلة وعلى الكتف شِلة”. ولكن على مايبدو، مثل الكثير من الأمثال، أن دوافع التهكم والسخرية لا تخلو من غيرة، ولا ينطوي على كراهية أو رفض لكثرة الإنجاب. إن الخصوبة بشكل عام لها مكانة سامية فى الثقافة الشعبية وخاصة فى المجتمعات الريفية. وتعبر الأمثال عن الرغبة القوية لدى النساء في إنجاب ذرية: “تولد كل يوم ميه وتقول يا قلة الدرية” [الذرية]. وربما يأتي في سياق الحسد والغيرة كذلك المثل القائل: “الحبلة تمشى وتتمايل وتحسب الحَبل دايم”
ومع ذلك، فإن تأثير الحمل والولادة على صحة وحياة النساء لم يكن بعيدا عن الأمثال، لأنه واقع فعلى لا يمكن إنكاره: “من جابت إتنين في صباها عدمت حيلها وقُواها”، وكذلك “من يوم ما شفتكم يا ولادي ما هنالي زادي”. ويأتي ذكر السقط [الإجهاض] باعتباره شر على صحة المرأة: “ولادة كل يوم ولاسقط كل سنة”، “الطلق حرب الصبايا” (يقال في الولادة الأولى)، وكذلك التهكم على العلاقة الزوجية وربطها بمشقة الولادة: “كل كشف ديل بهدة حيل”. ومع ذلك فإن النظرة السلبية لنتائج الحمل والولادة، وهو محدود على ما يبدو، لا يتناقض مع الإنحياز الواضح للرغبة الجماعية في كثرة الإنجاب. حتى أن المثل المعروف والذي يربط الخلفة بالخيبة: “جاتها خيبة إللى عايزة خلف”، له سياقه الذى يرتبط بالإستياء من أفعال الأبناء، أكثر مما يرتبط بقيمة الإنجاب فى حد ذاته.
وبخصوص ما تنجبه النساء من ذرية، نجد أن هناك نوعين من التقييم خاص وعام، أما الخاص فهو ذلك التقييم الشائع والذي سبق الإشارة إليه، أي التفضيلات على أساس الجنس (ذكر/أثى)، فقيمة الذكر أفضل بطبيعته الجنسية، أما التقييم العام فهو يتعلق بالجيد والسئ بغض النظر عن الهوية الجنسية. وهنا تبدو المسألة قدرية وبالتالي مقبولة، ولا توجد ضمانات لأن “البطن قلابه”، ويقال كذلك “البطن ياما تجيب”، أو بشكل أكثر تحديدا: “البطن تجيب الزين والشين [السيئ]”.
ومن هذا المنطلق فقد يكون من الأهمية بمكان أن تحظى علاقة الثقافة الشعبية بالإنجاب بما يكفى من الاهتمام من منظور الديناميات والخصائصالسكانية، والأمر لا يتعلق فقط بالتأثير في المفاهيم الثقافية التي تؤدي إلى كثرة الإنجاب والزيادة السكانية، ولكنه يتعلق كذلك بتغيير التصورات حول الأدوار الاجتماعية للرجال والنساء. صحيح أن الثقافة والمعتقدات الشعبية تخضع لتحولات وأن المجتمع يتغير، وهذا أمر إيجابي ينبغي استثماره، ولكن هذا لا يعني أن الثقافة والموروثات تفقد كامل تأثيرها وزخمها وخاصة مع زيادة أعداد الفقراء والمهمشين الذين يشكلون المجال النشط لإنتاج واستهلاك التصورات والمعتقدات الشعبية.