أول جريمة في التاريخ…أخ يقتل أخاه,وهي أقدم تحية للصداقة أيضا.تألمنا كثيرا لما حدث منذ أيام قليلة لعائلات كان سلاحها الوحيد الإيمان بالله الواحد وحب الآخر,وكانت في طريقها إلي دير الأنبا صموئيل للصلاة والتعبد,ولكن للأسف اعترض طريقهم أشخاص يدعون التدين متسلحين بأدوات القتل والإرهاب,وانقضوا عليهم,ومبررهم الوحيد أن هؤلاء الأبرياء هم أعداء لهم طالما يؤمنون بعقيدة أخري,وهنا نسترجع ماحدث في بداية البشرية,كما تذكرنا الكتب المقدسة وهي أول جريمة سجلت تحكي عن قتل قايين لأخيه هابيل…مما لاشك فيه أننا كنا نتوقع أول لقاء بين أخ وأخيه,تكون الأعناق والقبلات والحب,ولكنها كانت قتلا,كنا نتخيل المحبة,لكننا أمام العنف,ولم يكن قتلا لعدو ولكن لأخ,نقرأ في سفر ملاخي:أما لنا كلنا أب واحد؟أما إله واحد خلقنا؟فلماذا يغدر الواحد بالآخر مدنسا عهد الله مع آبائنا؟(2:10).
كم من جرائم القتل تحوط بنا بسبب الغيرة والحسد؟كم من أرواح زهقت دون مبرر أو سبب؟وهذا ما نستشفه من جريمة قايين الذي لم يعتبر هابيل أخا له,ولكن منافسا وعائقا له حتي يستطيع أن يمتلك كل شئ.انقطع الحوار وحل محله العنف والغدر,لم تظهر أي رغبة للحديث معا,من الممكن أن يكون تم حديث بينهما,ولكن من طرف واحد,تكلم قايين دون أن يعطي الفرصة لأخيه في الرد أو الدفاع عن نفسه,وهذا ما يحدث في جرائم متعددة,فقدان الحوار واللقاء وجها لوجه وعدم قبول الآخر,وتكون النتيجة:الخرس والعنف إن الكلمة هي المكان الأول للسلام أو الحرب,للقبول أو الرفض,للحب أو البغض,فكانت الخطيئة الأولي الانحراف عن الكلمة.
وعندما يصل الإنسان إلي الطمع والجشع,حتما ستكون النتيجة العنف والقتل,ويتمسك الإنسان برأيه دون أي اعتبار للآخر قائلا:هذه الأرض ملكا لي,هذا المكان الذي تطأه قدماك هو لي بمفردي,إذا يجب أن تنصرف من هنا.مما لاشك فيه أن الحروب مبنية علي مبدأ حب التملك والاستحواذ,حتي أن الإنسان يري في الآخر عدوا له يجب التخلص منه,ونجد هذا أيضا في العقيدة والإيمان عندما يدعي أحد الأشخاص بأنه هو الوحيد الذي يمتلك الحقيقة,أو أن دينه هو الدين الصحيح وليس سواه,أو أن الله له فقط,وعقيدته هي الوحيدة المعترف بها لدي الله,كل هذه المفاهيم تقود الإنسان إلي عدم قبول الآخر والشروع في التخلص منه.وكان السؤال الأول من الله للقاتل:أين هابيل أخوك؟ ويرد قايين بنبرة ازدراء:لا أعرف أحارس أنا لأخي؟(تكوين 4:9),كما لو أنه يريد أن يعلن ذلك:أنا لا أعرفه,لايهمني هذا الشخص لا يخصني,هنا يريد أن يتبرأ من التهمة المنسوبة إليه.
هذا ما يحدث معنا عندما نقول:هذا الشخص لاينتمي إلي عقيدتي,إنه يعترف بإيمان آخر,قتلته لأنه كان ذاهبا للصلاة وليس ليسكر في حانة,فهو مختلف عنا وليس من أتباعنا.كم من مرة نتساءل:أين الله؟ عند حدوث كوارث أو افعال غير إنسانية,ولم نتساءل:أين أنت أيها الإنسان؟,لماذا فعلت هذا؟ ولاننسي أن حق البرئ لن يضيع أبدا,لأن دمه يصرخ إلي الله,فقال له الرب:دم أخيك يصرخ إلي من الأرض(تكوين4:10) فالدم المسفوك يصل إلي الله ويؤلمه,قايين لم يسمع هذا الصوت عندما قتل أخيه,ولكن الله فقط هو الذي يسمعه توجد حالات عديدة فيها يصل صوت الضعيف والمظلوم والبريء واليتيم والأرملة إلي الله كصلاة,من المؤكدة أن هابيل المجني عليه هو صورة جميع الضحايا الأبرياء الذين لايتكلمون بأفواههم ولكن دماءهم تعبر عن ظلمهم, هابيل الذي لن يفتح فاه قبل مقتله يتكلم بعد الاعتداء عليه.
كم من الجرائم ارتكبت في العالم بسبب الأنانية وسوء فهم الآخر,لقد جردتنا الحضارة المادية من معان كثيرة أولها الحب وآخرها الحياة…فصار معظمها بلا رحمة.من لم يتأثر بحادث قتل الأبرياء فهو ليس إنسانا لأن الله خلقنا جميعا كأسرة واحدة ومنحنا الأحاسيس والشعور تجاه الآخرين وخاصة المتألمين والمظلومين ليس الفخر في أن تقهر قويا بل في أن تنصف ضعيفا,ونختم بكلمات فولتير:إن الذين يجعلونك تعتقد بما هو مخالف للعقل قادرون علي جعلك ترتكب الفظائع.