الخدمة الروحية والخادم الروحي
لقد اختارهم الرب, وقال لهم: لستم أنتم اخترتموني, بل أنا اخترتكم (يو15:16). اختارهم علي الرغم من أهم كانوا مشغولين بأمور أخري غير الخدمة, وما كان أحد منهم يفكر في التكريس.
مر علي متي, وهو في مكان الجباية, وقال له اتبعني (مت9:9), ومر علي شاول الطرسوسي, وهو منشغل باضطهاد الكنيسة, يجر رجالا ونساء إلي السجن (أع9:2), ودعاه إلي خدمته كإناء مختار (أع9:15).
ومر علي بطرس وأندراوس, وكانا مشغولين بصيد السمك, وقد سهرا الليل كله ولم يصطادا شيئا, وفيما هما مشغولان بأمور العالم وفاشلان فيها, قال لهما: هلم ورائي, فأجعلكما صيادي الناس (مت4:19).
وصيد الناس, معناه ربح نفوسهم إلي الله وملكوته..
إن الرب يعرف عينات النفوس الصالحة لصيد الناس, حتي لو كانت مشغولة بصيد السمك, أو بمكان الجباية.. يعرفهم ويدعوهم.
وكما قال الرسول: الذين سبق فعرفهم, سبق فعينهم.. فهؤلاء دعاهم أيضا (رو8:29, 30), وقال لهم: هلم ورائي.
ساروا وراءه بإيمان, وهم لا يعلمون إلي أين..
ما كان للمسيح مكان إقامة, بل لم يكن له أين يسند رأسه (لو9:85), بل كان يطوف المدن والقري يكرز, ولم تكن له مالية ثابتة معروفة.. ومع ذلك ساروا وراءه, وقالوا له: تركنا كل شئ وتبعناك (مت19:27).
قال لهم: هلم ورائي ليس فقط من جهة المكان, وإنما أن يتبعوه أيضا في كل شئ, في أسلوبه ومنهجه وتعليمه كما سلك ذاك, يسلكون هم أيضا (1يو2:6), وبهذا يجعلهم صيادي الناس.
أنت لا تستطيع أن تجعل نفسك صيادا للناس بل هو يجعلك.
ليس الذي يجعلك, هو ما عندك من ذكاء أو خبرة, ولا الناس يجعلونك, بل هو الذي يجعلك صيادا قد تسهر الليل كله ولا تصطاد شيئا, حتي يأتي الرب ويعلمك كيف تلقي شباكك في الأعماق, ويقول لك: هلم ورائي وهكذا قال للرسل: أنا أجعلكم صيادي الناس.
أنا الذي سوف أصيد الناس, ولكن بكم.
بروحي الذي يعمل فيكم, بنعمتي المعطاة لكم (1كو15:10).
أنا العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا (في2:13).
أنا سأعلمكم الصيد, وأين تلقون الشباك, أنا الذي خلق البحر والبحيرة والنهر, وأنا الذي خلق الأسماك, وأعرف أين موضعها, وأنا الذي سأرشدها إلي شباككم, فتأتي إليكم.
وهكذا فعل الرب في قصة الصنارة والسمكة والأستار.
وقال لتلميذه بطرس: اذهب إلي البحر, وألق الصنارة, والسمكة التي تطلع أولا خذها, ومتي فتحت فاها تجد أستارا (ما يعادل 4 دراهم) فخذه وأعطهم (الجزية) عني وعنك (مت17:27). وقد كان, إنه كان يعرف أين توجد تلك السمكة, ومتي ستقترب من صنارة بطرس, وكان يعرف ما يوجد في داخلها.. حقا, ما أعجب هذا الصياد!..
ونفس هذا الأمر, هو الذي يقوله للرسل عن صيد الناس.
لقد أرسلتكم لكي تعلموا الناس, وستفتحتون أفواهكم بكلمة التعليم ولكنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به لأنكم لستم أنتم المتكلمين, بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم (مت10:19, 20), هذا من جهتكم أنتم كمتكلمين, أما من جهة السامعين, فنعمتي هي التي تعمل في آذانهم لتسمع الكلمة, وتعمل في قلوبهم, لتتأثر وتعمل بها.
نذكر في هذا المجال قول القديس بولس الرسول لأهل أفسس: مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح.. لأجلي لكي يعطي لي كلام عند افتتاح فمي, لأعلم جهارا بسر الإنجيل (أف6:18, 19).
أنتم الأواني, التي تعمل روحي فيكم, وتحمل تعليمي.
وأنا المعلم, ولكني أعلم من أفواهكم, وأنا الراعي ولكني أرعي الناس بكم, أنا فيكم أعمل معكم وبكم وصدق القديس بولس حينما قال: .. أحيا -لا أنا- بل المسيح, بل المسيح يحيا في (غل2:20). هذا الذي يحيا فيه, هو الصياد الذي يصيد السمك, والمعلم الذي يعلم الناس.
وهؤلاء الرسل- حينما اختارهم الرب- لم تكن لهم موهبة كلام.
ولا قوة تقدر علي الخدمة, بل كما قال الرسول: اختار الله جهال العالم, ليخزي الحكماء. واختار الله ضعفاء العالم, ليخزي الأقوياء.. (1كو1:27). ومع ذلك انطبق عليهم قول المزمور: الذين لا قول لهم ولا كلام, ولا تسمع أصواتهم, في كل الأرض خرج منطقهم, وإلي أقصي المسكونة بلغت أقوالهم (مز19:3, 4).
المهم إذن أن يعمل الله فيك, ويجعلك صيادا للناس.
تتلمذ علي حياته وعلي أقواله, كما تتلمذ الرسل, وتأخذ منه ما تعطيه للناس, وتقول له نفس عبارته التي قالها للآب: أنا أظهرت اسمك للناس. الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم (يو17: 6-8).