الباب الثاني
السعادة
2- الحرف الثاني من كلمة سعادة حرف العين… وهو تعبير عن العطاء فالسعادة ليست أبدا في الأخذ,بل هي دائما في العطاء, وهذا الفكر عندما يملأ فكر الإنسان يجعله يشعر بسعادة,والآية الوحيدة التي قالها السيد المسيح ولم تذكر في البشائر الأربع هي:مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذأع20:35 والغبطة هي السعادة. ونلاحظ في حياة الأسرة عندما يعطي الأب أو الأم طعاما أو هدية أو أي عطية للأبناء,يكون هو أكثر سعادة… وعندما يعطينا الله وصية مثل وصية العشور أو البكور والنذور, فهدف الوصية أولا أن يتعود الإنسان علي العطاء, فيصير أكثر سعادة, فكل ما عندك هو عطية من الله لك, وعندما تقدم له مما أعطاك تصير أكثر سعادة.
مثال لذلك المرأة التي قدمت الفلسين كانت روح العطاء في داخلها لا تتوقف عند حد, فقررت أن تعطي من أعوازها كل ما تملك.فكانت أكثر سعادة واستحقت أن يمدحها ربنا يسوع المسيح.
وهذا العطاء نسميه خدمة المحبة, فهناك من يقدم الخدمة ربما لأنه مكلف بها, وربما سوف يقدم تقريرا عنها,وهناك شخص آخر يقدم خدمة المحبة التي فيها شكل من العطاء وكأنه فقطساعي بريد يسلم شيئا لأصحابه.
فإن أردت أن تعيش السعادة عود نفسك باستمرار أن تقدم, والله لايهمه مقدار ما تقدمه,بل المحبة التي في هذا العطاء, فإذا كان هذا العطاء مملوءا بروح المحبة, تكتسب السعادة وتعيشها كل يوم.
3- الحرف الثالث: حرفالألف: ويشير إلي الآخرين بمعني أن الإنسان يتخلي عن أنانيته ويتجه نحو الآخر, فالسعادة لا تجتمع مع الأنانية.
علي سبيل المثال: في الأسرة,إن دخلتالذات في تكوين الأسرة تكون النتيجة هي ضعف هذه الأسرة,لكن إن عاشت الأسرة بروح العطاء وتقديمالآخر أولا,تكون أسرة سعيدة بالحقيقة.
وإذا نظرنا إلي العالم من حولنا بكل ما فيه من ضعفات وحروب وعنف وجرائم,نجد أن السبب الرئيسي هو ذات الإنسان أوالأنا. السعادة تأتي بأن يضع الإنسان الآخر أولا, لذلك قال ربنا يسوع المسيحإذا أراد أحد أن يكون أولا فيكون آخر الكل وخادما للكلمر9:35… وفي مثل وكيل الظلم يقول:اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلملو16:9 أي المال الذي إذا استبقيته عندك وهو يخص الله,تكون قد ظلمت الآخرين والمقصود أن ينظر الإنسان إلي احتياج وعوز الآخر بصفة عامة, وهذه الروح في غاية الأهمية من أجل سعادة الأوطان,وأحيانا يقيسون سعادة المجتمعات بمقدار الأعمال الخيرية التي تقدم فيها.
4- الحرف الرابع: حرفالدال لعلك تستغرب عندما نقول إنه يشير إليالدموع فما علاقة السعادة بالدموع؟! ألسنا نقول أحيانا:إنهادموع الفرح الدموع تعني التعب. فالسعادة لا تعني أن يكون الإنسان كسولا إنما لكي ما تحصل علي السعادة لابد أن تعمل وبجد, لأنه مكتوب: ملعون من يعمل عمل الرب برخاءإر48:10,وأيضاالرخاوة لاتمسك صيداأم 12:27 فلابد أن تجد وتعمل وتتعب أيا كان موقعك,مثلما يجتهد الأب والأم في تربية أبنائهم باهتمام بالغ حتي أن أحد القديسين يقول: إن إكليل تربية الأبناء يساوي إكليل نسك راهب.
ومسيحنا القدوس عندما جاء إلينا تعب وتحمل الصليب بكل آلامه لكي ما يمنحنا السعادة.
والدموع أيضا هي دموع التوبة فالإنسان لايستطيع أن يحصل علي السعادة وهو في الخطية.
إن الإنسان الذي يتعاطي الكحوليات أو أي نوع من المخدرات يشعر بسعادة مزيفة قد تدوم معه فترة قصيرة جدا.
يقول الكتاب:النفس الشبعانة تدوس العسل وللنفس الجائعة كل مر حلوأم 27:7 فكل المواد التي تدخل في الإدمان فيها مرارة ولكن لأن النفس جائعة إلي السعادة تشعر أن المر صار حلوا, وهذه حلاوة لا معني لها, ولا تستمر ولا تعطي شعور السعادة الحقيقي.
إذا الدموع معناها أنه لابد من التعب,حتي أن الكتاب يقول:الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاجمز126:5, تخيل الفلاح يجلس بجوار زرعه ويرويه بدموعه! كم سيكون الحصاد مفرحا وبهيجا.
5- الحرف الأخير:الهاء ومعناهاالهناء الداخلي ويمكن أن نسميه أيضاالرضا الداخلي فيشعر الإنسان بالرضا في حياته ويكون مكتفيا ولو بأقل القليل.
وأذكر مثالا لذلك: مجموعة من الخدام ذهبت لخدمة الأسر المعدمة فوجدوا الأم وأطفالها في بيت فارغ ولايوجد به سوي حصيرة,وحاولوا مع الأم أن تطلب أي شيء,أما هي فكانت ترد: إن زوجي يشتغل وسوف يحضر كل شيء رغم أن زوجها لم يكن له عمل ثابت ولا دخل ثابت لكنها كانت راضية مكتفية رغم الفقر الشديد.
قصة أخري عن أرملة فقيرة مع طفلها تسكن في حجرة صغيرة فوق سطح أحد المنازل,في ظروف صعبة, لكن هذه الأسرة الصغيرة كانت تتمتع بنعمة الرضا, وكان أكثر ما يزعج الأم هو سقوط الأمطار في فصل الشتاء, فالحجرة عبارة عن أربعة جدران وباب خشبي لكن ليس لها سقف وكان قد مر علي الطفل أربع سنوات منذ ولادته لم تتعرض فيها المدينة إلا لأمطار خفيفة, إلا إنه ذات يوم هطل المطر بغرازة علي المدينة كلها فاحتمي الجميع في منازلهم أما الأرملة والطفل فكان عليهما مواجهة موقف عصيب,نظر الطفل إلي أمه نظرة حائرة واندس في أحضانها لكن جسد الأم وثيابها كان غارقا في البلل,أسرعت الأم إلي باب الغرفة وخلعته ووضعته مائلا علي أحد الجدران وخبأت طفلها خلف الباب لتحجب عنه سيل المطر,فنظر الطفل إلي أمه في سعادة بريئة,وقد علت وجهه ابتسامة الرضا, وقال لأمه: ماذا يا تري يفعل الناس الفقراء الذين ليس عندهم باب حين يسقط عليهم المطر!
ونلاحظ في تأملنا في كلمةسعادةأننا بدأنا بالسماء وانتهينا بالقلب.. القلب المكتفي والراضي والسعيد.
يحكي عن ثلاثة كانوا يقطعون الأشجار في الغابات,عندما سئل الأول ماذا تفعل؟ أجاب في ضيق: أنا أقطع الأشجار لكي ما يصنع منها حشب صالح للاستخدام,وعندما سئل الثاني أجاب: أنا أكسب لقمة عيش لأعول أسرتي,أما الثالث فكان يعمل بفرح وأجاب علي السؤال أنه سعيد لأن الخشب الذي يقطعة يستخدم لبناء بيت الله.,
تعالوا نتأمل معا أيهما كان أكثر سعادة شاول الطرسوسي أم بولس الرسول؟ داود قبل الخطية أم بعدها؟ القديس أغسطينوس في حال انحرافه وبعده أم بعد توبته وقربه؟
يقول القديس أغسطينوس: بحثت عنك كثيرا أيها الجمال غير المدرك وأخيرا وجدتك في قلبيفالسعادة هي بوجود المسيح في قلبك أولا وآخرا .
أخيرا ضع أمامك هذه المنظومة واجتهد فيها: أن تكون سعيدا وتسعد من حولك, وبحسب أمانتك سيعطيك الله, فتحيا كل أيام حياتك في فرح وسعادة.