“ما هو الحق” ( يو ٣٨:١٨) هكذا تساءل بيلاطس رغم الحوارات الطويلة التى دارت بينه وبين اليهود ثم بينه وبين الرب يسوع، أضف إلى ذلك الرساله المؤكدة التي وصلته من زوجته “إياك وهذا البار”.. أي أن نور الحق كان واضحاً ساطعاً في ساحة المحكمة إلا أنه بعد كل هذا يعود ويسأل الرب يسوع: ما هو الحق؟ وكأنه وصل إلى لا شئ، إلى طريق مسدود.
ذلك لأنه في الحقيقة لم يكن فى احتياج إلى حوار مع أحد ليأخذ قراره بقدر ما كان في احتياج إلى حوار داخلي، أن يجلس مع نفسه ويسألها: ما هو الحق؟ لذات الحق دون أي اعتبارات لمركزه أو لصياح الناس، ولكن لأنه كما قال القديس مرقس “كان يريد أن يعمل للجمع ما يرضيهم” (مر ١٥:١٥ ).
بالحق لم يكن بيلاطس صادقاً بالدرجة الأولى مع نفسه فاختار الطريق الذي يحافظ به على مركزه وليس الحق المطلق الذي أوهم ذاته أنه يجد فى طلبه لذلك نفذ تمثيلية يخدع بها نفسه ويريح ضميره أو ظل يخدر بها ضميره، فغسل يديه محاولا أن يقنع نفسه بنزاهة حكمه هارباً من وقفة صدق مع نفسه.
وكانت النتيجة أنه لم يجد راحة لا فى حياته ولا في مماته إذ مات منتحراً كما يذكر عنه التاريخ.
هكذا نحن أيضا كثيراً ما نتغافل عن الحوار الهادئ مع أنفسنا ونتغافل عن فحص طرقها، ما لها وما عليها، كما يقول أرميا النبى “لنفحص طرقنا ونمتحنها ونرجع إلى الرب” (مرا٤٠:٣ ) ، أو كما يقول القديس بولس “امتحنوا كل شئ. تمسكوا بالحسن” ( ١تس ٢١:٥).
الصدق مع النفس أمر غاية في الصعوبة لأنه بمثابة حالة تعرية كاملة لكل تصرفاتنا الخاطئة من ثوب التزييف والمغالطة لكي أكون أنا نفسي الحكم على نفسي دون تحيز كما يقول القديس انبا مقار [احكم على نفسك قبل أن يحكموا عليك]