الصديق الأمين لايعادله شئ,وقيمته لايقدر لها ثمن(يشوع بن سيراخ 6:15). ذات يوم,قال الظل للإنسان:أنا صديقك الوفي الذي يلازمك نهارا وليلا,أسرع إليك وأتقدم أمامك لأفسح لك الطريق,وعند الظهيرة أجلس عند قدميك,وحين تغرب الشمس أتبعك خطوة بخطوة إلي حيث تمضيفسأله الإنسان:أين تكون ياصديقي الوفي حين لا يكون هناك شمس ولاقمر؟ فصمت الظل من وقته,فاستطرد الإنسان قائلا:إن الصديق الوفي هو الذي يظهر حينما تظلم الدنيا ويسرع ليؤنس صديقه ويقف بجانبه حتي ينبثق النهار فيودعه ويختفي.
من منا لم يختبر معني الصداقة سواء الحقيقية أو المزيفة؟من يريد أن يعيش وحيدا دون رفيق أو صديق؟فالصداقة الحقيقية هي الواحة الخضراء وسط صحراء الحياة,نعلم جميعا بأن الحصول علي صديق حقيقي ليس من الأمر الهين,وكما نقرأ في يشوع بن سيراخ:فهناك الصديق في يومه,والذي لايثبت في يوم ضيقك(5:8).لكن الصداقة الحقيقية فضيلة ضرورية جدا للحياة.لايختار أحد منا أن يحيا دون أصدقاء,حتي لو ملك كنوز الدنيا,والصداقة الحقة أن نبحث عن الصديق وعن الأرض المجهولة في داخله,أي نكتشف الثروات والكنوز الموجودة في أعماقه,ونستطيع أن نخمن كل ماهو جميل فيه عن طريق الحوار والاتحاد معه,لنتعلم أن نصبح أصدقاء للناس وسنكون بذلك أصدقاء لله أيضا.
ويقول الفيلسوفArthur Schopenhauer:من الأفضل أن نخدع في حساباتنا عن الأصدقاء عن أن نخدعهم مما لاشك فيه أن كل واحد منا ذاق التجربة المريرة لأصدقاء مزيفين كانت صداقاتهم مبنية علي حسابات أنانية ومصالح شخصية,لذلك من الأفضل أن نكون ضحايا خيانة الأصدقاء,عن أن نصبح نحن الخائنين,ومن الأفضل أن ننخدع في صداقاتنا ولكن لانخدع أي صديق لنا والكاتب الأيرلندي Oscar Wildeيحسبها بطريقة أخري قائلا: تستطيع الغالبية العظمي منا أن تتقاسم وتشارك في آلام الصديق,ولكن نادرا ما نجد شخصا مستعدا عن أن يتمتع ويفرح بنجاح الصديق,وهذا واقع نختبره في حياتنا اليومية,لأنه من السهل أن نعزي ونواسي أصدقاءنا ونحزن معهم عندما يمرون بأزمات نفسية وصحية أو مشاكل أو فشل يهدد مصالحهم,ولكن من الصعب أن نسعد حقا بنجاحهم وتفوقهم وحظهم السعيد لأن نار الحقد والأنانية أقوي من أي طاقة بشرية,ولذلك يقول الفيلسوف اليوناني Diogene:إذا أردت أن تعذب أو تزعج شخصا ما,لاتوجد طريقة أمثل من أن تظهر له سعادتكفالصداقة الحقيقية هي كقطرات الندي التي تتوق إليها الزهور في الفجر لتنتعش بها,وكمائدة المحبة التي يسرع إليها الجائع فيجد فيها قوته وغذاءه,ما أصدق هذه الكلمات التي خرجت من قلب الشاعر الصينيAi Qing(1910-1996):عندما أستيقظ في الصباح مبكرا,أبدأ في الغناء كالعصفور علي الشجرة,وكل هذه الألحان تعبر عن سعادتي التي لا مثيل لها.
لماذا أنا سعيد هكذا؟,وأنشد وأشدو وأغني دون توقف؟ليس لدي أي مبرر آخر ألا وهو أن صديقا لي سيصل من بعيد,وهنا يصف لنا سعادة الصداقة الحقيقية,ويعبر عنها بروح الطفولة البريئة,فالصداقة الحقيقية المبنية علي التضحية والحب الحقيقي وعدم المصلحة هي عطية لا يستطيع أن يفهمها أو يقدرها الإنسان الذي يبحث عن امتيازات وخدمات,ولكن هؤلاء الذين اتحدوا معا بدون أي مصالح ليس لديهم مبرر لانفصالهم عن بعضهم نحن نعلم أن الصداقة البشرية هشة,ومن السهل جرحها أو تمزيقها ففي هذه الحالة يلجأ الإنسان إلي الموسيقي والطبيعة ووسائل أخري ليعوض عن خيانة الأصدقاء,لأن الصداقة القلبية تنمو ببطء بينما العداء السافر فقد يولد في لحظة واكتشاف صديق حق ليس بالأمر الهين,لأن أصدقاء هذا الزمان طيور جميلة يهجرونك حينما تذبل أوراق سعادتك,كما أن الحفاظ علي الصداقة الحقيقية أمر أشد صعوبة لأنها عطية وحب وتضحية وشجاعة وشهامة فالعالم بدون أصدقاء صحراء قاحلة,كل شخص منا بحاجة إلي صديق وإذا فقده أو انخدع فيه سيعاني أشد الآلام,لأن الصديق الحقيقي والوفي يظل بجوارك مهما تخلي عنك كل الناس,ويحبك لذاتك لا لمركزك أو مالك ونختم بالقول المأثور:من طلب صديقا بلا عيوب,عاش وحيدا.