كيفية الصيد:
الصفة الأولي هي الحكمة: رابح النفوس حكيم (أم11:30).
انظروا كيف أنه في اختيار الشمامسة السبعة, كان الشرط هو أن يكونوا مملوئين من الروح القدس والحكمة (أع6:3). وعلي الرغم من أن الذي يكون مملوءا من الروح القدس, لابد أن يكون مملوءا من الحكمة, لأنه روح الحكمة والفهم (إش11:2). إلا أن الآباء الرسل شددوا علي عبارة (الحكمة) لأهميتها في صيد الناس.
وهكذا نجد القديس بولس الرسول في ممارسة هذه الحكمة, يقول: صرت لليهود كيهودي كي أربح اليهود, وللذين تحت الناموس, كأني تحت الناموس, لأربح الذين تحت الناموس. وللذين بلا ناموس, كأني بلا ناموس.. لأربح الذين بلا ناموس. صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء, صرت للكل كل شئ, لأخلص علي كل حال قوما (1كو9:20-22).
ليكن صياد الناس حكيما, ولكن بحكمة إلهية نازلة من فوق.
حكمة إنسان اختبر الطريق الروحي, ومشي فيه, ويعرف طبائع الناس, كما يعرف الحروب الشيطانية وحيل إبليس, ويعرف أن يقول الكلمة التي تناسب كل شخص في الوقت المناسب.
كل شخص تقابله في الخدمة, له نفسيته الخاصة ودرجته الخاص. له ظروف معينة, وله طبيعته التي ربما لا تكون صورة منك. اتركه في طريقه, أرشده إلي الحق الخالص, وليس إلي الطريق الذي تؤمن به أنت وتختاره لنفسك, ربما أنت تحب الوحدة, وهو يحب الخدمة والحياة في المجتمع ربما الوحدة التي تناسبك, لا تناسبه هو.
الصياد الحكيم, من صفاته البارزة أيضا: الصبر
إنه يلقي الشبكة أو الصنارة, ويصبر, ربما ينتظر طويلا إلي أن يأتي إليه السمك. لا يمل, وهكذا أيضا صياد الناس..
مثله مثل الزارع الذي يلقي البذار, وينتظر إلي أن تنمو وتظهر علي وجه الأرض, لا يمل وهكذا أنت, لا تكن ملولا ولا قلقا, ولا تفترض الثمر السريع في الخدمة, وإلا تركتها..!
إن قدمت نصيحة, ولم يعمل بها السامع, فلا تتضايق, ولا تمل النصح, ولا تقل في نفسك: لا فائدة!
إن الخدمة تحتاج إلي طول أناة علي الخطاة حتي يتوبوا.
وبخاصة لو كانوا يعانون من عادة مسيطرة أو طبع ثابت.. لذلك اصبر علي التلميذ المناكف في فصلك, واصبر علي الشاب المنحرف كما صبر الرب علي القديس أوغسطينوس حتي تاب بعد سنوات طويلة, وكما صبر علي السامرية حتي آمنت, وكما صبر علي شاول الطرسوسي المضطهد للكنيسة, حتي صار رسولا تعب في الخدمة أكثر من جميع الرسل (1كو15:10), وصبر علي كبريانوس الساحر حتي ترك السحر وصار قديسا.. والأمثلة كثيرة.
الصياد الحكيم أيضا يقدم طعما يجذب به السمك.
وأنت أيضا يجب أن تقدم في خدمتك مثل هذا الطعم, كلمة منفعة, نصيحة عملية مفيدة, عظة مؤثرة, آية عميقة في معناها, قصة هادفة في مغزاها معلومة تشد أذهان السامعين, ولها تأثير يقود إلي الله.
فإن لم تقدم شيئا من هذا, قدم للناس قدوة صالحة في حياتك, تكون لهم مثالا عمليا عن إمكانية السير في الحياة المثالية..
كن صيادا ناجحا في كل مكان تحل فيه.
لا تقل أصيد فقط في النهر وليس في البحيرة, أو في البحيرة وليس في البحر.. وإنما في كل مكان ألق شباكك.
أولا: في بيتك, في محيط عائلتك, لتكسب كل أقربائك للرب, ثم في محيط جيرانك وأصدقائك, وزملائك في العمل أو في الدراسة, أو حتي في النادي أو الملعب كل من يقابلك احمل إليه رسالة.
* فيلبس -فيما هو سائر في الطريق- قابل الخصي الحبشي فتكلم معه, وفسر له ما كان يقرأه, وجذبه إلي الإيمان, وعمده في ذلك اليوم, ومضي في طريقه فرحا (أع8:30-39).
* ومارمرقس التقي مع أنيانوس حينما كان يصلح له حذاءه, والتقط كلمة من فمه, استغلها ليحدثه عن الله, وآمن إنيانوس علي يديه, وصار باكورة المؤمنين في الإسكندرية.
* وبولس الرسول -وهو سجين مع زميله سيلا- استطاع أن يجتذب سجان فيلبي إلي الإيمان, وقال له: آمن بالرب يسوع, فتخلص أنت وأهل بيتك (أع16:31), وعمده هو وكل الذين له.
* والقديس أثناسيوس الرسولي, فيما كان ينفي بواسطة اضطهادات الآريوسيين, كان يتكلم بكلمة الله -وهو في المنفي- ويعلم الناس الإيمان الأرثوذكسي السليم, حتي يعود من منفاه.
* والقديسة فيرينا- فيما كانت تخدم مع الكتيبة الطيبية- أمكنها بخدمتها لنساء سويسرا, أن تجذب الكثيرات إلي الإيمان حتي اعتبرت من أبطال الإيمان هناك, وبنيت كنائس كثيرة علي أسمها.
* وهكذا الشهيد العظيم مارجرجس حينما أرسلوه إلي قصر الملك, استطاع أن يقنع الملكة بالإيمان المسيحي, فآمنت وصارت شهيدة.
* فلتكن أنت هكذا, نورا حيثما كنت تنير للجميع, صيادا ماهرا تجذب إلي شبكتك كل من يقترب إليها.
الآباء الرسل كانوا صيادين مهرة, جذبوا إلي الإيمان أعدادا وفيرة.
وفي يوم الخمسين -علي أيديهم- آمن ثلاثة آلاف واعتمدوا جميعهم (أع2:41). وبعد معجزة شفاء الأعرج عند باب الجميل, كثيرون آمنوا وصار عدد الرجال نحو خمسة آلاف (أع4:4). ثم كان مؤمنون ينضمون إلي الرب أكثر, جماهير من رجال ونساء (أع5:14), وبعد سيامة الشمامسة السبعة, قيل: وكانت كلمة الله تنمو, وعدد التلاميذ يتكاثر جدا في أورشليم, وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان (أع6:7).
ثم أقيمت مصائد أخري في المدن وقيل: أما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة, فكان لها سلام, وكانت تبني وتسير في خوف الرب, وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر (أع9:31).
وأنت, ما هو صيدك, هل تقف أمام الله فارغا؟!