بعد أن أراحه الرب من كل الجهات، اشتهي داود النبي أن يبني للرب الذي احبه بيتا ليسكن فيه وسط شعبه، وصرح برغبته المقدسة هذه لناثان النبي الذي لما سال الله عن طلبة الملك داود لم يقبلها الله، بل قال له أنت لا تبني لي بيتا، ولكن ابنك الذي يخرج من أحشائك هو يبني بيتا لاسمي (2صم7: 15).. كانت طلبة داود مقدسة تعبر عن اشتياقات قلبه وشعوره بالعرفان لله الذي دبر حياته من كل الجهات، وعندما رفضها الرب لم يتذمر داود، ولم يعترض أو يسال لماذا رفض الرب طلبتي، لكنه استمع في خضوع لكلمات الرب، وابتدأ يصلي في خضوع، صلاة خشوعية تحمل الكثير من المعاني الروحية، وهذه هي قصة حياتنا على الأرض، ففي مرات كثيرة تكون لنا رغبات واشتياقات طيبة قد يرفضها الله وربما يؤجلها. وهو في هذا لا يرفض طلباتنا لأنها خاطئة، بل لأجل اختبار هام ينبغي أن نجتازه، وهو اختبار الموت عن المشيئة الشخصية… فكيف اجتاز داود النبي هذا الاختبار؟ هذا هو موضوع تأملنا.. ابتدأ داود يصلي إلي الرب في(2صم7) وكانت صلاته عجيبة وتحمل رسالة خاصة لنا ولكل من لهم عمل في الكنيسة
(كيف نموت عن مشيئتنا الشخصية؟)
1. اتضع داود أمام الرب وصلي (من أنا يا سيدي الرب وما هو بيتي حتى أوصلتني إلى هنا).. ويكرر داود في صلاته مرات عدة ” يا سيدي الرب ” فالإنسان لكي يتعلم الخضوع لمشيئة الرب لابد أن يتضع.
2. بدأ داود يتذكر نعم الرب واحساناته من جهته ومن جهة شعبه (وثبت لنفسك شعبك إسرائيل شعبا لنفسك)، وصلاته لم يرد فيها كلمة عتاب واحدة من جهة طلبه الذي رفضه الرب، كما لم يرد فيها تساؤلا واحدا لماذا رفض الرب طلبته!!!
3. قبل داود بكل رضي مشيئة الرب ولم يتمسك برغبته الشخصية (والان أيها الرب الاله.. افعل كما نطقت)، فربما بعض الرغبات الطيبة تخفي ورائها بعض الكبرياء أو محبة المجد والكرامة.
4. لم يطلب داود النبي لنفسه طلبة واحدة بل ختم صلاته هكذا (ليتعظم اسمك إلى الأبد…وبارك بيت عبدك ليكون إلى الأبد أمامك) (26-29).
وكان داود بطلبته هذه يؤسس منهجا روحيا فريدا باختبار الموت عن المشيئة الشخصية وهذا المنهج يتلخص في عدة أمور
1. اختار داود أن يحتفظ بسلامه وسلامة مملكته بطاعة الرب فكثيرا ما تكون للخدام الروحين رغبات طيبة ولكنها ربما لا تحافظ علي سلام الكنيسة، وتسبب عثرات داخلها، وقتها يحتاج الأنسان أن يتعلم كيف يتنازل عن رغبته مهما كانت فوائدها. فسلام البيت وسلام الكنيسة هما أفضل من أي مشاريع أو إنجازات، لان ثمر البر يزرع في السلام، فقد اختار داود أن يبي نفوس شعبه وتكون مملكته مباركة من الرب حتى ولو تنازل عن رغبته في بناء البيت.
2. فرح داود أن تتم مشيئة الرب حتى وإن كانت من خلال غيره (ابنه سليمان)، وابتدأ يعد كل ما سيحتاجه ابنه لبناء البيت، فقد اختار الرب أن يحقق أرادته من خلال ابنه لا من خلاله، فقد كان داود يعلم جيدا انه لا به ولا بابنه يبني البيت، فالله هو الباني الحقيقي وكان دائما يرنم (إن لم يبن الرب البيت فباطل تعب البناؤون. ( مز 127: 1)
3. اعد داود كل ما يلزم للبناء، حتى دون أن يفهم لماذا رفض الرب طلبته لبناء الهيكل، إلى أن جاء وقتا وأعلن الله له السبب لأنه كان رجل حروب سفك كثير من الدماء (1اخ22: 8). فلم يتوقف داود عن العمل ولم يغضب لان الرب رفض طلبه.
4. رفع داود عينيه عن الأشخاص وراي الرب وحده هو صاحب العمل ومتمم الاشتياقات فلم يهتم لمن ينسب مجد البناء، بل فرح بتمجيد اسم الرب وسكناه وسط شعبه.
5. اختيار التخلي عن مشيئتنا حتى وإن كانت طيبة يحفظ لنا وعد الرب الذي وعد به عبده داود عن ابنه سليمان (فاجعل سلاما وسكينة في إسرائيل في أيامه) (1اخ22: 9).
وهكذا نحتاج أن نتعلم ضرورة الموت عن المشيئة حتى وإن كانت الرغبات مقدسة، ليهبنا الرب سلاما وسكينة في خدماتنا وبيوتنا وكنائسنا ومؤسساتنا، فنفرح بالرب وبعمله في بيته على الدوام.