حياة الرضا
ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان (2كو2:14)
الممارسة العملية لحياة الرضا
ثالثا: إذا وضعت في موقف اختيار فلا تختر لنفسك أولا
حاول أن تترك الطرف الآخر يختار أولا, وهكذا صنع أبونا إبراهيم أبو الآباء مع ابن أخيه لوط, ونحن أيضا في جميع تعاملاتنا مع أولادنا, يجب أن نعلمهم هذا المبدأ المهم جدا, فليس من الضروري أن الذي يختار أولا في كل مرة يكون هو الأكبر, ولكن من الممكن أن نجعل الأكبر يختار مرة, والأصغر مرة أخري.. البنت مرة, والولد مرة أخري.. وهكذا.
وبهذه الطريقة يشعر الإنسان بيد الله في هذه الاختيارات, ويشعر أيضا بوجود آخرين معه, وأنه ليس وحده, وهكذا يفعل آباؤنا الرهبان في حياتهم الديرية, فنجد أن مدبر الدير هو الذي يقوم بتوزيع أعمال الدير.
رابعا: اجعل كل أحاديثك مصحوبة دائما بابتسامة
ففي بعض الأحيان نجد أن هناك بعض الأشخاص, تكون وجوههم عابسة, وغير مبتسمة أثناء حديثهم, في حين أن الابتسامة هي اللغة التي يفهمها جميع الناس, ولا تحتاج إلي ترجمة, بينما اللغات الكلامية تحتاج إلي ترجمة, حتي يستطيع كل فرد أن يفهمها بحسب لغته, لكن الابتسامة كما تسمي هي اللغة العالمية, فاجعل كلامك دائما مصحوبا بابتسامة.
إن هناك فرقا بين أن تقول لابنك: أنا مخاصمك أو أنا زعلان منك, وأن تقول له: أنا بفكر أزعل منك, فهذه المراحل تعطي جوا من الهدوء في تربية أولادنا. وكذلك يجب أن تكون مصحوبا بابتسامة, وأنت تشرح لابنك كيفية اختيار شئ معين, لأنه في بعض الأحيان يكون غياب روح الفرح, أو روح الابتسامة في الحوار, سببا في جعل هذا الحوار عنيفا, وعبارة عن أوامر جامدة, ولذلك نجد أحيانا أن بعض الصغار يقولون علي الكبار في البيت إنهم خانئينا, فاحرص أن يكون كلامك مصحوبا دائما بابتسامة.
خامسا: استخدم عبارات إيجابية
فعندما نخاطب أولادنا بطريقة إيجابية نجعلهم فرحين, وأذكر علي سبيل المثال هذه القصة الواقعية, إنني كنت في زيارة لمدينة مالطة في إحدي المرات, وأثناء زيارتي قمت بزيارة عمدة هذه البلدة, فبعد الترحاب بي, أراد أن يعرفني علي هيئة مكتبه, وكان يعمل معه في المكتب ثلاثة من الموظفين: رجل كبير في السن, وشاب صغير, وشابة.
فعندما أراد العمدة أن يقدمهم لي, خاطبهم بعبارات يحبون سماعهاوليس بأسمائهم, فأشار علي الرجل الكبير في السن وقال: هذا مرجعي لأنه كان رجلا له خبرة سنين كثيرة, وأتي إلي الشاب الصغير وقال هذا ذراعي اليمين في العمل, ثم جاء دور الشابة فقال هذه وردتي.
فهذه الثلاث صفات الجميلة, أشعرتهم بفرحة كبيرة, وأيضا أنا مازلت متذكرا هذه القصة, رغم مرور ما يقرب من اثنتي عشرة سنة, ولكن إن كان هذا العمدة قد عرفني عليهم بأسمائهم لكنت قد نسيتها, ولكن لأنه قد عرفني عليهم بهذه الصفات الجميلة, فأنا مازلت أتذكرها.
وأحيانا نجد الأب والأم يسخرون من ابنهم, مثال لذلك يكون لأسرة طفل صغير, عمره في حدود العشر سنوات, ويأتي إليهم ضيف, فبدلا من تشجيع طفلهم الصغير يسخرون منه, ويقولون مثلا: فلان عامل فنان!.
وأحيانا كثيرة تأتي أم وتقول لي: أريد أن أشكو لك من أولادي, عندي ثلاثة أولاد مغلبني, فأقول لها هم ثلاثة ملائكة, فتنظر إلي الأم وهي غير راضية علي هذا الكلام! وقبل أن تبدأ في أن تكمل الشكوي بلفظ آخر أقول لها: نعم من الممكن أنهم ليسوا ملائكة. وهنا تستجيب الأم, وتشعر أني سأوافقها علي رأيها, وأكمل أنا حديثي قائلا: بالفعل هم ليسوا ملائكة, بل هم رؤساء ملائكة! وهنا تحرج الأم أن تقول أي لفظ آخر.
وأحيانا تكون أسرة لها ثلاث بنات, وليس لهم أولاد, وكانوا يرغبون في أن يكون لهم ولد, وهذا الأمر سبب لهم الكثير من التعب النفسي, بالرغم من أن الثلاث بنات متفوقات في كل شئ وممتازات, فأقول للأب: إن لك ثلاث وردات جميلات, فيا لسعادتك بهؤلاء البنات, إنك تعيش في حديقة جميلة!
إن هذه الصفات الجميلة تشعر الإنسان بالرضا, وبالأخص إذا كان من يقولها شخص له مكانة في قلب المستمع, مثل الوالد.. الوالدة.. الأستاذ.. أبونا.. وهكذا, فاستخدام عبارات إيجابية مع كل أحد ومع كل إنسان, تجعل الإنسان يشعر دائما بالرضا والسعادة.
سادسا: حاول أن تكتب ثلاثين نعمة
اكتب ثلاثين موهبة أو عطية من عطايا الله, واجعلها أمامك دائما لكي تشكر الله عليها, فمن الممكن أن يسأل شخص لعلي لا أجد ثلاثين نقطة أشكر الله عليها؟! أقول له: اجتهد واجعل الورقة التي كتبتها بخط يدك دائما أمام عينيك, وتكون هذه هي صلواتنا المرفوعة دائما أمام الله: أشكرك يا الله علي كذا وكذا.. وكل فرد يستطيع أن يكتب هذه الورقة حسب رغبته وعطايا الله له.
فعندما نشكر الله علي الأمور الكثيرة والجميلة في حياتنا, مثل أن نشكره: علي الأشخاص.. علي الأحداث.. علي الأزمان.. علي الأماكن.. علي البيئات التي نعيش فيها.. إلخ, نشعر أن الله يغدق من نعمه الكثيرة علينا في كل صباح, وعندما يحدث أي عارض يسبب لنا الضيق, أو يعكر أفكارنا, أو يجرح حياة الرضا, نتذكر هذه القائمة التي كتبناها, أي قائمة الشكر والرضا.
ويمكننا أن نكتب هذه القائمة بخط كبير, ويمكننا أيضا أن نعلقها في مكان ظاهر في حجرتنا, حتي تكون دائما أمام أعيننا, وهذا سيساعدنا علي اكتساب حياة الرضا. وأمنا العذراء مريم مثال لهذه الحياة الراضية, وهذا الذي جعل منها إنسانة قديسة.