يقول السيد المسيح:أنا القيامة والحياة من آمن بي,وإن مات,فسيحيا(يوحنا11:25).سألت الطبيب ما هو الموت؟أجاب:مرض بلا شفاء.وقال المهندس:عمارة انهارت,وأجاب الطالب:رسوب بدون دور ثان,وقال التاجر:تجارة أفلست,لكن المؤمن أجاب:هو ربح.مما لا شك فيه أن الموت يأتي في أي لحظة ولكل إنسان دون تمييز,نحن نسمع عن مئات الآلاف الذين يموتون كل يوم,ما المانع أن يكون أي شخص منا من هؤلاء غدا أو بعد غد؟هذا اليوم الذي بدأناه,من الممكن ألا نصل لنهايته,أو هذا الليل,ربما لن نري له فجرا…ليس الهدف من هذه التساؤلات أن تقلقنا أو تخيفنا,بل لتذكرنا بأن تلك اللحظة أكيدة ويجب علينا أن نحسن استثمارها من أجل الخير,وأن نعيش هذه الحياة دون أن نهمل الآخرة.كتب علي أحد المقابر الإيطالية:نحن كنا ما أنتم كائنوه,لكن الآن نحن ما أنتم ستكونوه.
في الماضي كانوا يعلمون الإنسان أن يطلب من الله أن يمنحه موتا صالحا,أما اليوم نتجنب جميعنا الحديث عن الموت,وأصبح الموت رعبا يطارده,بالرغم مما نراه من حولنا من موتي سواء علي سرير المرض أو في حوادث الطرق أو في دار المسنين أو بسبب عوامل طبيعية وغير ذلك.
لكن يجب علينا أن نري في الموت رجاء اللقاء,حضور الله لكي نعيد المحبة المفقودة علي هذه الأرض.من منا لايهلع إذا شعر بدنو الأجل؟القديسون والصالحون فقط هم الذين ينظرون إلي الموت نظرة الحب والحنين,وينتظرون هذه اللحظة في كل حين,الصديق وإن تعجله الموت,يستقر في السعادة(ملو4:7).يقول الكاتب النمساويJean Amery :إن الزمن هو العدو اللدود والصديق الحميم في الوقت ذاته,هو الشئ الذي نملكه جميعا ولكننا لانستطيع أن نوقفه,كما أنه قلقنا ورجاؤنا.فالزمن يدفعنا للمستقبل طوعا وكرها,له وجهان:وجه العدو اللدود الذي يقودنا إلي ساعة الموت,ولا نستطيع أن نفرمله أو نسيطر عليه,ووجه الصديق الحميم الذي يحمل لنا الحب والجمال والسعادة التي سنتمتع بها فيما بعد.وإذا لازمتنا فكرة الموت,لن نفقد شيئا,لأنها تدفعنا إلي عمل الخير واستغلال الوقت فيما هو صالح,وتجنب كل ما يهين الله والآخرين وعدم التعلق بالأرضيات علي حساب الحياة الخالدة,لذلك من الممكن أن نحيا علي هذه الأرض بطريقة حسنة أو سيئة,من الوارد أن يكون هذا الزمن عذابا لنا أو رجاء,أن يكون مشحونا بالأعمال الحسنة أو فراغا لا معني له,إذا أمام كل واحد منا حرية الاختيار لنهاية سعيدة أو تعيسة,وهذا يتطلب منا شجاعة وإرادة وجهد وصراع حتي لانفقد الحياة التي تمر من بين أيدينا.إذا كانت فكرة الموت تنغص حياتنا,فالإيمان بالله يملأ قلوبنا تعزية وسعادة,لأنه الأب الحنون الذي يساعدنا علي التخلص من الرعب الذي تسببه لنا فكرة الموت,لأننا نستبدل الأرض بالسماء,والحياة الفانية بالحياة الأبدية.فالموت لابد آت!
ولن نسأل لماذا متنا,ولكن كيف عشنا هذه الحياة وفي سبيل أي هدف؟مما لاشك فيه أنه بعد مائة عام علي أبعد تقدير,سيكون مصيرنا تحت التراب,بحيث لن يبقي من أحياء اليوم أي شخص,وسوف يكتب علي قبرنا:هنا يرقد فلان! إذا وضعنا هذه الفكرة أمام نصب أعيننا,سنعيش بمخافة الله ونسير حسب وصاياه واضعين أمامنا غايتنا الأخيرة ومصيرنا بعد هذه الحياة.ويقول الشاعر الإنجليزي John Donne:نعاس قصير وسنجد أنفسنا أبديين لن يكون هناك موت,وأنت يا موت ستموت,من العجيب أننا نتحدث عن موت الآخرين,ولكن نتجنب التفكير في ساعة موتنا,وهذه اللحظة التي نتجاهلها أو نعتبرها بعيدة عنا, من الممكن أن تكون أقرب مما نتخيل,لكن الحكيم هو من يفكر دائما في ساعة النهاية لأنها تمنحه درسا مهما لهذه الحياة,ونقرأ في سفر يشوع بن سيراخ:في جميع أعمالك اذكر أواخرك فلن تخطأ أبدا(7:36).
إذا واجهنا فكرة الموت بشجاعة ونية صادقة لن تنغص حياتنا,بل توقظ ضمائرنا لنحيا كما يجب مستثمرين عطايا الله ونعمة لنا,كما أنها تظهر لنا بوضوح بطلان الحياة الدنيا,حتي لانتعلق بها,وتوقظنا من غلقتنا.ونختم بالقول المأثور:إن لم تكن لهذه الدنيا فائدة فهي فرصة للتأمل.