أثناء بناء إحدي الكاتدرائيات الشاهقة قام أحد الحكماء بتوجيه سؤال لثلاثة أشخاص من قاطعي الحجارة:يا سيد,ماذا تفعل الآن؟ أجاب الأول بمرارة:كما تراني,أقوم بقطع الحجارة,ثم أجاب الثاني:أكسب قوت يومي من أجل أسرتي,لكن الثالث- وكانت الابتسامة تعلو وجهه-:أشارك في بناء كاتدرائية فخمة.هذا المثل يعلمنا درسا واضحا لجميع الأجيال,وهو نظرة كل شخص منا تجاه الحياة التي يعيشها,نجد هنا ثلاثة عمال يقومون بنفس العمل ولكن الأمر يختلف من واحد لآخر,والسبب يرجع في أن كل شخص يحمل نظرة خاصة ومميزة حسب تفكيره وطبيعته البشرية.
نجد العامل الأول يغلب عليه الواقع اليومي المرير بسبب المجهود الشاق الذي يبذله ويشعر بالنقص لأن دوره في الحياة العمل فقط,أما الثاني ينظر للناحية المادية والربح اليومي الذي يعود عليه نتيجة الكد والتعب وبالنسبة له لا مفر آخر لهذه الحياة,لكن الثالث هو إنسان مبدع يذهب إلي ما وراء القشرة الخارجية للعمل الذي يقوم به مكتشفا المعني الأخير والحقيقي.فهو يعلم جيدا بأنه بدون دوره المتواضع في جماعة لن يتم بناء الكاتدرائية,وفي ذات الوقت يشعر بأهمية تعاونه في عمل عظيم يتقاسمه مع مجموعة كبيرة.هذا هو معني الحياة الحقيقي الذي نعيشه يوميا,كل واحد منا له دور ومهمة خاصة مهما كانت إمكانياته وحدوده,لذلك يجب علي كل شخص منا أن يضع أمامه هدفا واضحا في هذه الحياة.
لكل واحد منا رسالة مهمة وهادفة يجب أن يقوم بها,ولا عذر له أن لم يتممها,أعطانا الله هذه الحياة لكي نتثمر فيها وبها من أجل خير الآخرين,لم يطلب منا أن نزهد في الحياة وخيراتها,لكن أن نحسن استعمالها واستثمارها بحيث تعود بالثمار والمنفعة علينا وعلي الجميع.
ولا يوجد مبرر للكسل مادام الله منحنا الصحة والعافية,إن الله يعتني بطيور السماء حتي أنه يهب لها رزقها وطعامها,ولكنه لايلقي لها الرزق في العش دون أن تبحث عنه,فنجد الطيور تفنش عن طعامها في كل مكان دون كلل أو ملل,لذلك يجب علينا نحن الذين نتحلي بالعقل والإرادة أن نسعي ونكد للحصول علي ما نحتاج إليه,كل هذا لايمنعنا أن نفكر في دنيانا دون أن ننسي آخرتنا,لأن الله لم يخلقنا لنضع كل اهتماماتنا في هذه الدنيا فقط,ولكن لنحبه ونعبده ونخدمه في الآخرين,نحن ضيوف ومسافرون نحو الأبدية,لذلك يجب علينا ألا نصير عبيدا للعالم,حتي يصل بنا الحال لنسيان الله وغاية وجودنا علي هذه الأرض وكما يقول السيد المسيح:ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟وماذا يعطي الإنسان بدلا لنفسه؟(متي16:26).يقول الكاتب Edgar Lee Masters:أردت أن أقدم حبي ولكنني خفت من خداع الآخرين,كما أن الألم طرق علي بابي فتملكني الرعب,والشوق إلي العلا ناداني ولكنني خشيت من المفاجآت.وبالرغم من كل هذا كنت أبحث عن معني للحياة.لكنني أيقنت بأنه يجب علي أن أمسك بالشراع وأواجه الرياح,حتي أكمل المسيرة في الاتجاه التي تدفعني إليه المركب.لأن الحياة بدون معني تقود إلي الجنود وستكون النتيجة حتما الغم والعذاب.
نسقي من كلامه هذا أنه كان إنسان لايرغب في أن يعيش ملء الحياة,لذلك كان ينسحب عندما يصطدم بالحب أو الألم أو النجاح حتي أن الخوف والأنانية والشك هم الذين قادوه إلي هذا المصير,هذه كلها أوقعته في الفشل لأنه لم يختبر الحياة,ولكن عندما واجهها بصعوباتها وآلامها وخداعها,استطاع أن يفهم معناها الحقيقي,من يستطيع أن يعيش في هذه الحياة دون معني لها؟إذا يجب أن تصبح حياتنا ذات مغزي وتحمل ثمارها للجميع,يجب أن نترك أثرا طيبا وأن نضئ للآخرين بشمعة الإيمان والحب والعمل,وأن نترك بصمة لها معني في الحياة.فالحياة الحقة التي تليق بكل واحد منا,هي التي نزرع فيها الأعمال الجيدة التي تعود بالخير علي الجميع,إذا يجب علينا أن نبذل قصاري جهدنا بالعمل المتقن المطلوب منا مهما كان نوعه وكل هذا سيضمن لنا الرضا في الحياة والسعادة ساعة الموت لأننا أتممنا واجبنا علي أكمل وجه,ونختتم بكلمات أفلاطون:أن العمل فيه خلاص لروح الإنسان…سعيد حقا الذي يجعل من الحياة فنا جميلا.