ماذا عن “حماية المنافسة” في التعامل مع حالات الاتفاق غير الرسمي بين هذه شركات؟
نفت شركتا «أوبر» و«كريم» ما تداولته وسائل الإعلام من وجود تعاقدات بين الشركتين لشراء أسهم يتم بموجبها استحواذ “أوبر” على “كريم”، وإن لم ينفيا وجود جولات تفاوض في هذا الشأن، بحسب بيان لجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية ، وحذر الجهاز، الشركتين، من إبرام أي اتفاقيات أو تعاقدات قد تبدو في ظاهرها استحواذ على أسهم أو نقل ملكية، ولكنها في حقيقتها اتفاق بين أشخاص متنافسة تشكل مخالفة للقانون.
أوضح المركز المصري للدراسات الاقتصادية، أنه على الرغم من عدم وجود ما يؤكد إجراء مفاوضات بين شركتي “أوبر” و “كريم” من أجل الاستحواذ، إلا أن السعي لاستحواذ نسبة من الأسهم في منافس يكون أقرب لفهم السوق المحلية هو اتجاه عالمي لشركة أوبر ، فبالإضافة إلى حالة سنغافورة ، فقد سبق لأوبر الاستحواذ على نسبة 17.7% من أسهم شركة Didi Chuxing وهي منافس أوبر المحلي في الصين وذلك عام 2016، كما استحوذت أوبر على نسبة 37% من المنافس المحلي في روسيا Yandex أوائل العام الجاري، وفي الحالتين قامت أوبر بتعطيل تطبيقها الإلكتروني ونقل تبعية السائقين والموظفين للشركات المحلية مكتفية بالتمثيل في مجالس إدارة هذه الشركات.
ويرى “المصرى للدراسات الاقتصادية” أن مخاوف وجود ممارسات احتكارية نتيجة الاستحواذ، كما عبرت عنه سنغافورة وجهاز حماية المنافسة في مصر هو أمر في محله ، فبتقييم وضع وأداء سوق النقل التشاركي بعد حدوث الاستحواذ في الصين وبالتالي احتكار شركة Didi، يتضح من بيانات الشركة نفسها زيادة صعوبة حصول العميل على رحلة خلال ساعات الذروة في أربع مدن صينية هي بكين، شنغهاي، غانزو، شينزن بمعدلات 12.4%، 17.7%، 13.2% و22.5% على التوالي ، ويعود ذلك بالأساس إلى عزوف السائقين عن المشاركة بالعمل في ظل تراجع المنافع التي تقدمها الشركة ، وفي استطلاع رأي عملاء الشركة قامت به Web Portal Sina عام 2017، عبر 81.7% ممن شملهم الاستطلاع أن الوصول إلى رحلة عبر هذا التطبيق أصبحت أكثر صعوبة مقارنة بعام مضى، كما عبر 86.6% بارتفاع التكلفة ، وعلى جانب آخر، يوجد رأي يقيم ارتفاع أسعار هذه الخدمة بأنها ضرورة وكانت لأبد أن تحدث سواء بنجاح الإندماج أو بفشله، وذلك لأن أسعار الرحلات التي تقدمها هذه الشركات تعتبر مدعمة أو أقل مما يجب أن تكون عليه وتم العمل بها لكسب أرضية من العملاء، مما يعني أنه في نقطة زمنية معينة قد يحدث اتفاق غير رسمي بين شركات النقل التشاركي في أي من الأسواق للاتفاق على سعر معين للخدمات المقدمة دون حدوث الاستحواذ.
واستطرد المركز المصري للدراسات الاقتصادية قائلاً : إن التساؤل الذي يطرح نفسه الآن هو مدى قدرة أجهزة حماية المنافسة بما فيها جهاز حماية المنافسة المصري، على التعامل مع حالات الاتفاق غير الرسمي بين شركات النقل التشاركي؟ فهذه الحالات تعتمد في إثباتها وفق القانون المصري إثبات أن سعر البيع أقل من تكلفتها الحدية أو متوسط التكلفة المتغيرة .. وينتاب تحديد السعر العادل للخدمة المقدمة من منصات النقل التشاركي عدد من الصعوبات ، أهمها أن جزءاً كبيراً من التكلفة غير المباشرة للرحلة يتكبده السائق ويتمثل في التأمين على السيارة، والصيانة، وتكاليف الإهلاك.. وبالتالي عدم احتساب هذه التكاليف من قبل السائق للتدقيق ما إذا كان يحقق ربحاً أو خسارة يعني أن الشركة ربما تعمل بسعر غير عادل بتحميل السائق تكلفة غير منظورة ، وأضاف : إن أهم ما يجب أن تقوم به الدولة لضمان المنافسة هو الاهتمام بتسهيل دخول شركات أخرى في المجال، مما يتطلب تسهيل إجراءات الإنشاء.
كذلك لابد من العمل على توفير بيانات دقيقة ومعبرة عن طبيعة نموذج الأعمال الخاص بهذه المنصات، ومنه يتم تحديد السعر العادل وبالتالي منع ما قد يثبت وقوعه ضمن الممارسات الإحتكارية، وفي حالة حدوث الغستحواذ، يجب التأكيد على أن نقل بيانات العملاء لن يضر بخصوصيتهم ، ولا يمكن إغفال أن منصات النقل التشاركي قد وفرت خدمة عالية الجودة لشريحة عريضة من المستهلكين في مصر بالإضافة إلى فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، ولكن يبقى أن أي نشاط لابد أن يتم ضبطه لضمان حصول العميل على الخدمة بشكل مناسب وأيضاً حصول كافة الأطراف على حقوقها ، وأخيرا لابد من التأكيد على ضرورة التمكين القانوني والبشري لجهاز حماية المنافسة المصري بحيث يستطيع إنفاذ ما يحيله القانون إليه من سلطات، مع القدرة على مراعاة اختلاف طبيعة كل نشاط اقتصادي، وهو ما يتطلب عنصرا ا مواكبا للتطور وعلى قدر مرتفع من المهارة.
مخاوف من ممارسات احتكارية
وقد طالب جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية من «أوبر وكريم» إخطار الجهاز قبل إبرام مثل تلك التعاقدات للحصول على موافقته المسبقة ، لأنه من ظاهر الأدلة المتوفرة بين يدي الجهاز فإن من شأن تلك الممارسات وقوع ضرر جسيم على المنافسة والمستهلك يتعذر تداركها وتشكل مخالفة للقانون .. ولفت البيان إلى أن جهاز حماية المنافسة شارك نتائج فحصه المبدئي مع مفوضية المنافسة بمنظمة الكوميسا لاحتمالية تشكيل تلك الاتفاقات ضرراً على حرية التجارة بين الدول الأعضاء بالمنظمة ، وتابع أن جهاز المنافسة في سنغافورة قام بمنع اندماج كان مزمعا حدوثه بين شركتي «Uber» و«Grab»، وهما شركتان لتقديم خدمة نقل المواطنين عبر التطبيقات المحمولة، وذلك بعد تخوف لجنة المنافسة والمستهلك في سنغافورة من تأثير ذلك الاندماج على المنافسة الحرة بالسوق، ما يعني صعوبة دخول منافسين جدد، والذي قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الخدمة وقلة جودتها المقدمة.
جدير بالذكر أن اتجاه الاستحواذ الذي تتبعه شركة أوبر هو نوع من أنواع انتقاء معارك المنافسة في إطار إعادة هيكلة مالية للحد من الخسائر وتجهيز الشركة للطرح العام خلال عامين على الأكثر، حيث ركزت سياسة “أوبر” فيما سبق على التوسع غير المدروس في عدة أسواق مما حمل الشركة خسائر لعدة أعوام متتالية .. ووفق أحدث بيانات متاحة، فقد وصلت خسائر أوبر العالمية – بعد التخارج من الأسواق الأكثر خسارة – إلى 645 مليون دولار في الربع الأول من عام 2018 .