في أسبوع دخل حجرة العمليات مرتين .. وفي انتظار الثالثة
إلي أن يصل العلماء لحل الشفرة الوراثية .. ستبقي حصوات الكلي لغزا محيرا
* بعد أن استخرجت بالمنظار أكبر حصوة بالكلية اليسري من أضيق مجري بول.. بقيت مشكلة الكلية اليمني!!
* تشعب الحصوات بالكلية اليمني لم يترك للطب طريقا للتخلص منها إلا بالتدخل الجراحي
* التدخل الجراحي نجح في استئصال الحصوة الكبري.. وبقيت الحصوات الصغيرة متشبثة بالأنسجة
* كل المحاولات تمت بنجاح.. ولم يعد باقيا إلا التفتيت بالموجات التصادمية
أصعب ما في رحلاتنا علي مر الأيام والسنين أن نحضر عملية عندما يسمح لنا بدخول حجرة العمليات.. ليس في كل المرات التي نصطحب فيها مريضا لإجراء جراحة نرافقه في حجرة العمليات, فكثير من الجراحات تحتاج إلي تجهيزات فائقة أو تعقيمات عالية أو تستغرق وقتا طويلا مما يطلق عليه مهنيا عمليات كبري أو عمليات ذات مهارة خاصة فلا يسمح لنا بمرافقة مريضنا.. وفي عمليات أخري -وما أكثرها- مما لا تستغرق وقتا طويلا, أو لا تشكل خطورة علي حياة المريض, مما يطلق عليها مهنيا عمليات صغري أو عمليات اليوم الواحد يسمح لنا بمصاحبة مريضنا والدخول معه حجرة العمليات مما يعطيه إحساسا بالأمان ويعطينا إحساسا بالراحة.. لكن حتي هذه تشكل في رحلاتنا أصعب اللحظات.. في البداية قد تبهرنا غرفة العمليات بأضوائها الساطعة ونظافتها الفائقة ورائحة الفورملين المعقمة وملابس الفريق الطبي بلون السماء الذي يغمرنا بالتفاؤل والأمل..
لكن سرعان ما يؤلمنا مشاهدة مريضنا الذي كنا نتحدث معه منذ لحظات وقد راح غي غيبوبة كاملة تحت تأثير البنج أو مشاهدة تطهير مساحة من جسده تمهيدا لفتحها, أو سماع تعليمات مشددة بحزم من الطبيب الجراح للمساعدين.. لحظات صعبة, قلقة, تحتبس فيها الأنفاس.. وظلت هذه اللحظات تمثل في رحلاتنا أصعب اللحظات.. إلي أن واجهنا وعشنا ما هو أصعب.. الأصعب كان اتخاذ قرار إجراء عملية.. في كل مرة كان الطبيب بعد التشخيص ومراجعة نتائج التحاليل وتقارير الأشعات يتخذ القرار.. وكنا والمريض نستجيب.. لكن هذه المرة ظل الطبيب يتناقش ما يقرب من ثلث ساعة مع المريض للاتفاق عما إذا كانت العملية ستجري علي وجه السرعة أو إرجائها.. وكان حوارا مؤلما, والوصول إلي قرار فيه كان صعبا..
وأدركت لأول مرة أن خطوة اتخاذ قرار إجراء عملية أصعب مرات من حضور العملية.. حقيقي إني أعرف أن الموقف هنا كان له ملابساته وظروفه والتي ليست بالضرورة متفقة مع كل قرار بإجراء عملية.. ولكن هذا ما حدث في رحلاتنا مع مريضنا جوزيف الذي استقبلناه في يوليو الماضي قادما من أسيوط لنسكن آلام كليتيه.. في لقائنا السابق علي هذه الصفحة حدثتكم عن واحدة من أصعب العمليات التي عشناها معه لتفتيت الحصوات التي استقرت بكليته اليسري واضطر نابغة الطب الدكتور هاني يسي استشاري المسالك البولية إلي استبدال المنظار (12 فرنش) المعتاد بأصغر منظار (8 فرنش) والذي يمثل نصف قطر المنظار بالأرقام العالمية للخروج بالحصوات من أضيق حالب لشاب في سنه -27 سنة- وكانت اللحظات الأصعب في اليوم التالي لتحديد موعد الدخول مرة ثانية لحجرة العمليات لاستخراج أكبر حصوة بالكلية اليمني.. والتي أكدت لي ما سبق وكتبته من قبل.. قصة جوزيف هي قصة أيوب العصر.. وعن هذا سأحدثكم اليوم.. لست أريد أن أثقل عليكم, لكن أريد أن تعيشوا معنا آلام الآخرين كأهل رومية عندما خاطبهم بولس الرسول: فرحين في الرجاء, صابرين في الضيق.
* في صباح اليوم التالي لإجراء العملية ذهبت مبكرا للاطمئنان علي مريضنا جوزيف.. الطريق إلي حجرته بالدور الخامس كان سهلا فكل من بالمستشفي يعرفه من شدة الصرخات التي كان يطلقها فيهتز لها مبني المستشفي وتهتز له قلوب كل من بالمستشفي حتي زوار المرضي المجاورين.. في هذا الصباح كان الموقف مختلفا.. لم يكن هناك صراخ, لكن عندما جلست إلي جوار جوزيف سمعت صوت أنين ما بين الحين والآخر من تبعات الألم المصاحب للعملية, ومن الدعامة المثبتة بالحالب مؤقتا ليعبر منها البول وقطرات الدم النازفة من جروح فصل الحصوة من جسم الكلي وتفتيتها إلي القسطرة المتدلية إلي جواره.
كان فمه يسبح الرب شاكرا, لكن صوت آهاته كشفت عن قليل من الألم والذي لا يقارن بالألم القاسي قبل العملية, وكشفت بالأكثر عن قلقه من المستقبل وموقف الحصوات الأكبر المستقرة بكليته اليمني, لذا لم أحاول أن أصحبه للحديث عن المستقبل حتي لا أزيد قلقه, واكتفيت أن أحدثه عن عمل الرب معه عندما دبر حضوره في هذا الوقت ليتولي الدكتور هاني يسي الطبيب الإنسان النابغة علاجه وتسكين آلامه وإنقاذ حياته.
* كان يرافقه والده ووالدته, والجديد الذي كان يرافقه في هذا الصباح برطمان صغير بداخله الحصوة المستخرجة من الكلي اليسري, ويستقر في قاعه مجموعة من فتافيت الحصوة التي سحبها المنظار من أضيق حالب في واحدة من أدق العمليات, وكان واضحا حجم الحصوة الكبير والنتوءات التي تحيطها من كل الجوانب في شرشرة تشبه الأشواك.
* لحظات ودخل علينا الدكتور هاني يسي وعلي وجهه ابتسامة الطبيب الناجح في الخروج بالمنظار بأكبر حصوة من أضيق حالب.. وبعد أن اطمأن علي مريضنا وطمأنه تطرق الحديث إلي الكلية اليمني, وكان من المستقر عليه من قبل أنه ليس أمامنا من حل للخروج بالحصوات المتجمعة والمتشعبة إلا بالجراحة, لكن يبدو أن جوزيف بعد أن سكنت آلامه وشعر بالراحة بدأت أسئلته المتلاحقة: متي سأتخلص من القسطرة؟!.. متي ستنزع الدعامة؟!.. وهنا قال الدكتور هاني قوله:
** من الخطورة بمكان أن تترك الحصوة المتشعبة في الكلية اليمني اكتفاء بأننا تخلصنا من الألم الأشد المتسبب من حصوة الكلية اليسري التي انزلقت إلي الحالب وأقامت سدا أمام مجري البول تسبب في الآلام المبرحة والقاسية التي ظل يعاني منها أياما طوال.. المشكلة في الكلية اليمني ليست بأقل فالأشعة القديمة -2014- تكشف أن الحصوة منذ أربع سنوات كانت 1.5 سم وصلت الآن إلي 3.5 سم ولا أحد يعرف إلا الله إلي أي مدي سيصل حجمها إذا ما بقيت داخل جدار الكلية, فضلا عن الحصوات الثانوية المتشعبة بجسم الكلية, وهذه لا يمكن طبيا التخلص منها إلا بالجراحة كما قلنا من البداية, وعلينا الآن أن نحدد متي نتدخل جراحيا لنتعامل مع الكلية اليمني؟!
* واصل الدكتور هاني يسي توضيحه لرؤيته في هذا.. قال:
** من الممكن الخروج الآن من المستشفي مع الاحتفاظ بالدعامة لنعطي فرصة لتوسيع مجري البول تحسبا لتكوين أية حصوات مستقبلا فيسهل انزلاقها في البول بالعلاجات.. لكن من الأفضل طالما مازالت الدعامة موجودة لأيام قادمة أن نتعامل جراحيا مع حصوات الكلية اليمني بدلا من أن نرجئها إلي ما بعد نزع الدعامة, ونواجه مرة أخري متاعب تركيب دعامة أخري.. أيضا نحن نخضع الآن لمجموعة مسكنات لتخفيف آثار الآلام المصاحبة لعملية المنظار, وتأجيل جراحة الكلي اليمني سيضطرنا مرة أخري إلي الخضوع لمجموعة مسكنات في حينه, ولسنا في حاجة إلي هذا مادام في الإمكان الخضوع لمجموعة واحدة لتسكين الآلام المصاحبة للعمليتين معا.
* مع كل هذه المبررات المقنعة ومبررات أخري قالها الدكتور هاني يسي لكن القلق بقي مسيطرا علي صديقنا جوزيف الذي تملكه الخوف من الدخول مرة أخري حجرة العمليات.. وطال النقاش ما يقرب من ثلث الساعة.. ولأن الدكتور هاني بإنسانيته كان حريصا علي أن يترك مساحة من الراحة ليأخذ المريض قراره تركه يفكر.. وفي المساء عندما عاود زيارة جوزيف كان قد اتخذ قراره, ووافق علي إجراء الجراحة.. وفي صباح اليوم التالي دخل حجرة العمليات للمرة الثانية تصحبه دعواتنا وصلوات أمه التي سمعتها تستغيث بكل القديسين من أمام باب حجرة العمليات التي أصدرت ألا تبعد عنه ساعتين كاملتين حتي خرج وحيدها عائدا إلي حجرته بنفس الدعامة ونفس القسطرة, لكن الجديد كان برطمانا ثانيا فيه مجموعة الحصوات التي استخرجت جراحيا من كليته اليمني.
* * *
* لم يكن التعامل مع الحصوات المستقرة بين حنايا نسيج الكلية اليمني بالأمر السهل, ولم يكن استخراجها بالمشرط الجراحي بالأمر الهين, رغم مهارة الطبيب الجراح المتمرس بخبرات طويلة.. وهو ما كشف عنه الدكتور هاني يسي بعد الجراحة.. قال:
** كانت الحصوة في الكلية اليمني كبيرة وبصورة نادرة لم نعتد رؤيتها كثيرا, كانت بالنسبة للحصوات المعتادة أشبه بـالدبش فضلا عن أن بقاءها لسنوات تسبب في التهابات بنسيج الكلي وتجمع كميات كبيرة من الصديد, اضطررنا معه إلي فتح حوض الكلية لغسيله وإزالة كل تجمعات الصديد, ونجحنا في استخراج الحصوة الكبري ومجموعة من الحصوات الصغيرة, وهي المشكلة الأكثر أهمية, فالبحث عن الحصوات الصغيرة واستخراجها أصعب من الحصوات الكبيرة التي يسهل رؤيتها ولمسها والإحساس بها, أما الحصوات الصغيرة فغالبا ما تكون مستكنة داخل نسيج الكلي يصعب الوصول إليها, لهذا ومع كل ما استخرجناه جراحيا من حصوات صغيرة بقيت بعض الحصوات التي تعذر الاقتراب منها بالمشرط حتي لا نؤذي نسيج الكلية, وهذه سيحتاج التخلص منها إلي تفتيتها بالموجات التصادمية.
* * *
* كشف لنا الدكتور هاني يسي عن مفاجأة جديدة, فرحلتنا مع الصديق جوزيف ممتدة إلي حلقة ثالثة.. وهذا ما دفعني للسؤال عن سر كل هذا الكم من الحصوات التي تجمعت في كليتي الشاب الصغير.. قال الدكتور هاني يسي:
** الحقيقة أن موضوع تكوين الحصوات بالكلي قتل بحثا, لكن العلماء لم يصلوا إلي الآن لسبب محدد.. ومازلنا أمام مجموعة من العوامل.
** أولي هذه العوامل العامل الوراثي نتيجة خلل في الجينات التي تساعد علي تكوين الحصوات أو تفقد المواد التي تمنع تكوين الحصوات.. وهذا العامل لا دور لنا فيه, فليس هناك حتي الآن عقار لتغيير الجينات أو تنشيط الجينات التي تمنع تكوين الحصوات..وسيبقي الحال هكذا إلي أن يصل العلماء لحل الشفرة الوراثية, وقتها سيسكن معرفة الجين المسئول.. ومن المرجح أن يكون هذا العامل هو المسئول عن كثرة الحصوات في كليتي جوزيف يؤيدنا في ذلك التاريخ المرضي لوالده الذي عاني كثيرا من كثرة الحصوات وأجريت له عدة جراحات فضلا عن عشرات الحصوات التي أمكن السيطرة عليها والتخلص منها بالعلاجات.
** العامل الثاني هو قلة شرب الماء, وأدق تشبيه للكلي أنها حنفية تدخل لها السؤال فيخرج منها البول فإذا لم تدخلها السؤال بكثرة يتركز البول وترتفع نسبة الأملاح وتتركز الإكسالات أو بمعني آخر فقدان الماء نتيجة كثرة العرق وهذا غالبا ما يحدث مع من يعملون في ظروف مناخية قاسية شديدة الحرارة بعيدة عن التكييفات..
ومن المرجح أن يكون هذا العامل أيضا سببا في كثرة الحصوات بكليتي جوزيف حيث يعمل مندوبا لشركة أدوية يقضي الساعات وسط أجواء حارة في بلاد الصعيد يطوف علي الصيدليات والأطباء فيفقد جسمه كميات كبيرة من الماء دون أن يسارع بتعويضها.. ويشكل كثرة شرب السوائل وتقليل العرق نحو 70% إلي 80% من علاج الحصوات لأنهما يساعدان علي تخليص الكلي من الحصوات وهي في مرحلة النواة, فالحصوات دائما تتكون في صورة نواة صغيرة لا يتجاوز حجمها 2 ملي ولو أمكن التخلص من هذه النواة بشرب السوائل التي تساعد علي نزولها في الحالب ومرورها من المثانة مع البول في أسرع وقت لانتهت القصة تماما.
** العامل الثالث العادات السيئة في الأكل, فبعض الأطعمة بها تركيز عال في الأملاح, والمقصود بالأملاح هنا ليس ملح الطعام والطرشي والمخللات, ولكن المقصود هنا هو الصوديوم الموجود في الطعام والذي يجب ألا يزيد عن 5جم في اليوم الواحد للعلاقة الوثيقة بين الزيادة في معدل الصوديوم في الجسم وتشكيل حصوات الكالسيوم ومن المعروف أن أكسالات الكالسيوم موجودة في البيض والللبن والجبن والطماطم والفراولة والمانجو والسبانخ, وبالتالي فإن أي كوكتيل من هذه المأكولات بتركيز عال وباستمرار يعمل علي تكوين حصوات الكالسيوم.
* * *
* بعد كل ما أوضحه الدكتور هاني يسي بقي اللغز قائما.. حقيقي أن الأشعة المقطعية كشفت من خلال تحديد كثافة الحصوات أنها كالسيوم ومع هذا رأي الدكتور هاني أخذ عينة من الحصوات المستخرجة وإرسالها إلي المعمل لتحديد نوع الحصوات التي تتجمع في جسم جوزيف لمطابقتها بما كشفت عنه الأشعة المقطعية.. وبعدها يمكن تحديد برنامج محدد ودقيق لما يأكله ويشربه تجنبا قدر المستطاع من تكوين حصوات جديدة.. وإلي أن يحدث هذا ستبقي لنا رحلة ثالثة لتفتيت الحصوات القابعة داخل نسيج الكلي اليمني.. وكلنا ثقة أن عين الرب التي رافقتنا في الرحلة الأولي والثانية سترافقنا في رحلتنا الثالثة.. ولتبقي دعواتكم وصلواتكم خير معين لنا.
صندوق الخير
5000 جنيه من يدك وأعطيناك
500 جنيه علي روح المرحومة روز
3000 جنيه من يدك وأعطيناك
200 جنيه منك وإليك يارب
200 جنيه من يدك وأعطيناك
5000 جنيه من يدك وأعطيناك
3000 جنيه طالب شفاعة العذراء والأنبا إبرآم بفيصل
1250 جنيها من يدك وأعطيناك بشبين الكوم
300 جنيه هاني
18000 جنيه أولاد العذراء بواشنطن
500 جنيه من يدك وأعطيناك
315 جنيها من يدك وأعطيناك
1000 جنيه طالب صلوات القديسة آناسيمون بأسيوط
400 جنيه بركة شفاعة رئيس الملائكة بأسيوط
400 جنيه بركة صلوات الأنبا كاراس بأسيوط
600 جنيه أحباء الملاك ميخائيل
200 جنيه صديق من العريش
200 جنيه طالبة نوال شفاعة الست العذراء بأسيوط
========
65..4 أربعون ألفا وخمسة وستون جنيها لا غير