عم الحزن الشديد وتوجهت أنظار العالم إلى البرازيل بعد اندلاع حريق قوى، أدى إلى دمار المتحف الوطني، الأحد الماضى، وأسهم في ضياع تاريخ 200 عام.
وأعرب رئيس البرازيل ميشيل تامر، عن حزنه العميق لما حدث، وغرد على تويتر، قائلًا إنه “يوم حزين لكل البرازيليين، بعد خسارة 200 عام من العمل والبحث والمعرفة”، ولكن تأسف مصر بشكل خاص على ضياع المئات من القطع الأثرية المصرية في هذا الحريق والتي تعود إلى ألاف السنين، حيث يحتوى المتحف على أكبر مجموعة من الآثار المصرية الفرعونية القديمة في أميركا اللاتينية، وفق ما ذكرت صحيفة “ذي إنسايدر” في الولايات المتحدة، وقالت الصحيفة إن أكثر من 700 قطعة في المتحف تعود إلى عصر الفراعنة في مصر من المحتمل أن تكون قد دمرت بالكامل بفعل الحريق الهائل الذي أتى على كل أجزاء المتحف.
مومياء المغنية الشهيرة
لم تسلم المومياء المصرية الشهيرة من ألسنة اللهب التي التهمت المتحف الوطني في البرازيل فاحترقت بالكامل، وكانت “شا آمون-إن-سو” كاهنة ومغنية في معبد “الإله أمون”، وقد عاشت في مصر حوالي عام 800 قبل الميلاد، الأمر الذي يجعل خسارتها كبيرة جدا ويرجع التابوت للأسرة 23 فترة التاريخ المصري القديم الوسيط الثالث، والتي استمرت من 830 إلى 715 قبل الميلاد، وآثار هذه الفترة غاية في الندرة، وقد خرج التابوت من مصر كإهداء من الخديوي إسماعيل ووصل لمتحف البرازيل.
كما أن متحف ريو دي جانيرو يضم أيضًا مومياء نادرة تعود لأميرة من العصر الروماني تدعى kherima، ويضم كذلك عددًا من تماثيل الأوشابتي “تماثيل المجيبون”، وهم الذين يساعدوا المتوفى لإجراء الأعمال في الحياة الأخرى حسب الطقس المصري القديم، والأوشابتي يرجع للملك سيتي الأول مما يجعلها من القطع نادرة أيضًا.
كذلك من الآثار المصرية القديمة في المتحف ثلاثة توابيت من العصر الوسيط الثالث والعصر المتأخر، كما يوجد لوحات حجرية طقسية جنائزية، ومومياوات لعدد من القطط التي تمثل الربة باستت، ومومياوات بشرية وجدت في مصر، ومومياوات لطائر أبي منجل، ومومياوات تماسيح.
700 قطعة اثريه مصرية في متحف البرازيل
أكد الدكتور الحسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية في تصريحات صحفية، أن حريق متحف البرازيل الوطني خسارة كبيرة لتاريخ الإنسانية، فهو يضم أثار يرجع تاريخها إلى ٢٠٠ عام، إذ أن عمر البرازيل حوالي ٥٠٠ عام.
إن المتحف كان يضم حوالي ٧٠٠ قطعة آثار مصرية، إلى جانب بعض التماثيل البرونزية والتوابيت والتماثيل وبعض الأقنعة، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الآثار اليونانية الرومانية.
وأشار إلى أن المتحف كان يضم أقدم هيكل عظمى في تاريخ الأميركتين يسمى (لوتسيا) ويرجع تاريخه إلى حوالي ١٢ ألف عام، لافتا إلى أنه قام بزيارة تفقدية للمتحف عام ٢٠١٣.
وأعرب عن حزنه الشديد على حريق هذا المتحف العريق الذي كان يضم مجموعة متميزة من الآثار المصرية، كما أنه يعد جزءا مهما من تاريخ البرازيل وأمريكا اللاتينية، مؤكدا أن مصر ودول العالم تقف مع البرازيل في هذه المأساة الحضارية الكبيرة.
قاعدة بيانات
قال أمين عام اللجنة الوطنية المصرية للمجلس الدولي للمتاحف الدكتور عبد الرازق النجار في تصريحات صحفية، إن مصر والعالم فقدوا آثارا ومعلومات تاريخية مهمة في واقعة حريق المتحف الوطني البرازيلي في ريو دى جانيرو والذي تبلغ مساحته 13 ألف متر مربع ويضم حوالي 20 مليون قطعة أثرية متنوعة، وأعرب النجار عن أمله في أن يكون المتحف به قاعدة بيانات مسجل عليها بيانات وتفاصيل القطع الأثرية للحفاظ على المعلومات التاريخية لتلك القطع المهمة باعتبارها تراث عالمي لا يقدر بثمن.
وطالب بتبني مشروع طموح لإنشاء قاعدة بيانات لجميع الآثار المصرية الموجودة بطريقة قانونية مثلما يوجد بالمتاحف المنتشرة في كل أنحاء العالم لمتابعتها والحفاظ عليها وإتاحتها للباحثين والدارسين، لافتا إلى أن إنجلترا طبقت بالفعل هذا المشروع على آثارها لحمايتها.
وشدد “النجار”، على أنه من حق مصر من خلال سفارتها والمراكز الثقافية المنتشرة في دول العالم متابعة الحالة التأمينية للمتاحف التي بها آثار مصرية.
وزارة الخارجية المصرية تدعم الجانب البرازيلي
كما أعلنت وزارة الخارجية المصرية أنه في إطار متابعتها لحادث اندلاع الحريق بالمتحف القومي لمدنية ريو دي جانيرو بالبرازيل، وما تداولته وسائل الإعلام بشأن الأضرار البالغة التي لحقت بالقطع الأثرية المصرية المحفوظة بالمتحف، وهو ما يعد خسارة كبيرة لتراث عالمي لا يقدر بثمن، أن الوزارة في حالة اتصال و تنسيق دائم بين وزارتي الخارجية والآثار والجهود الحثيثة الرامية للحفاظ على التراث الثقافي والحضاري المصري بوجه خاص والتراث الإنساني بوجه عام، واستجابة لمخاطبة وزارة الآثار المصرية ، قامت وزارة الخارجية بالتنسيق مع سفارة جمهورية مصر العربية في البرازيل لاستجلاء الحالة الراهنة للقطع الأثرية المصرية التي يضمها المتحف، وأعربت وزارة الخارجية عن دعم مصر الكامل للجانب البرازيلي، واستعدادها من خلال وزارة الآثار لتوفير الخبرة الفنية اللازمة في مجال حماية التراث وترميم القطع الأثرية بكافة أنواعها وعصورها التاريخية في حالة طلب الحكومة البرازيلية ذلك.
تاريخ المتحف
تم إنشاء المتحف عام 1818 من قبل الملك البرتغالي دوم جواو السادس الذي عاش في الفترة (1769-1826) تحت اسم المتحف الملكي في مبادرة لتنشيط البحث العلمي في البرازيل، تضمن المتحف أساساً عينات لبعض الحيوانات وخصوصا الطيور وهذا تسبب في تسمية المبنى القديم للمتحف والذي كان يقع في وسط ريو دي جانيرو بأنه “بيت الطيور” حسب السكان المحليين.
ومع زواج ابن الملك الذي أسس المتحف واسمه دوم بيدرو الأول والذي أصبح فيما بعد أول إمبراطور للبرازيل من أميرة النمسا بدأ المتحف يجذب اهتمام أكبر الباحثين الأوروبيين الذين يعشقون الطبيعة في القرن التاسع عشر مثل ماكسيميليان زو ويد نوويد (1782-1867) ويوهان بابتيست فون سبيكس (1781-1826)، وكارل فريدريش فيليب فون مارتوس (1794-1868) وأوغوستين سانت هيلاري (1799-1853) والبارون فون لانجسدورف (1774-1891).
بحلول نهاية القرن 19 طوره الإمبراطور دوم بيدرو الثاني (1825-1891) ليشمل نشاطات الانثروبولوجيا وعلم المتحجرات وعلم الآثار وهذا الإمبراطور نفسه كان هاوياً للعلوم ومؤيداً متحمساً لجميع فروع العلم وقد ساهم في جمع بعض القطع التي تخص فنون مصر القديمة والأحافير، والتي اقتناها خلال من رحلاته إلى الخارج.
وحديثا وبسبب الانخفاض المُستمر في ميزانية المُتحف منذ عام 2014، لم يحصل المُتحف على المبلغ السنوي الذي يتلقاه للصيانة وقدره 520 ألف ريال برازيلي، حيثُ تُوجد علامات واضحة على تدهور حال المُتحف، مثل الأسلاك المكشوفة وتقشُر الجدران.
على الرغم من حالة الإهمال الجزئي للمتحف، إلا أنهُ في يونيو 2018، احتفلَ المُتحف بالذكرى السنوية المئتان لتأسيسه.
في وقت الحريق، قدرت مقتنيات المتحف بأكثر من 20 مليون قطعة والتي امتدت على مدى 11000 سنة من التاريخ الدولي.
الإهمال سبب الحريق
وقال نائب مدير المتحف لويز فيرناندو دياس دوارتي، إن حالة الإهمال الذي تعرض له المتحف كانت خلال الحكومات المتعاقبة، كما قال “لقد ناضلنا لسنوات عديدة مع حكوماتٍ مختلفة للحصول على الموارد الكافية للحفاظ على ما دُمرَ كاملا، وقال “شعوري هو الفزع التام والغضب الشديد”، وأوضح نائب مدير المتحف أنه لم يظهر أي من وزراء الدولة خلال الاحتفالات بالذكرى السنوية للمتحف في يونيو 2018.