نظم مركز الأمم المتحدة للإعلام بالقاهرة مؤتمراً صحفياً أول أمس لإعلان التقرير السنوي لمنظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الاونكتاد”، المعني بالمساعدة المقدمة للشعب الفلسطينى لعام 2018.
استعرض التقرير الدكتور معتصم الأقرع، مسئول أول الشؤون الاقتصادية، قسم العولمة واستراتيجيات التنمية، وحدة مساعدة الشعب الفلسطيني بمنظمة الاونكتاد.
أشار التقرير إلى ارتفاع معدل البطالة في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى أكثر من 27% ، وهو أعلى معدل للبطالة– بحسب ما ذكر التقرير _ في العالم، في حين انخفض الدخل الفردي، وتقلّص الإنتاج الزراعي بنسبة 11%، نظرًا إلى أن الأوضاع الاجتماعية- الاقتصادية في العام الماضي قد ازدادت سوءًا، لافتًا إلى أن الأوضاع السلبية التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي قد أثّرت على النساء والشباب بشكل غير متناسب.
وحذّر التقرير من أن تناقص الدعم المقدم من المانحين، وتجميد نشاط التعمير في غزة، والاستهلاك العام والخاص غير المستدامين المموَّلين من قروض تشير جميعها إلى صورة قاتمة لآفاق النمو في المستقبل. وتزداد ضبابية الآفاق المتوقعة للاقتصاد الفلسطيني بسبب المصادرة المستمرة للأراضي والموارد الطبيعية من جانب السلطة القائمة بالاحتلال.
وقال محمود الخفيف، منسِّق وحدة تقديم المساعدة إلى الشعب الفلسطيني التابعة للأونكتاد: “بموجب القانون الدولي، تقع على عاتق إسرائيل والمجتمع الدولي مسؤوليات توجِب عليهما ليس فقط تجنّب اتخاذ إجراءات تعرقل التنمية ولكن أيضاً اتخاذ خطوات إيجابية لتعزيز التنمية في الأرض الفلسطينية المحتلة”. بيد أن إسرائيل لم تقم بتخفيف القيود، بينما انخفض الدعم المقدَّم من المانحين انخفاضاً حاداً إلى ثلث المستوى الذي كان عليه في عام 2008.
وأوضح الأقرع أن “الاونكتاد”، تعمل كل ما في وسعها من أجل رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني ككل، لافتًا إلى أن منظمة الونكتاد ليست مؤسسة مانحة أو لتقديم دعم مالي وإنما تقدم الدعم الفني وتوضح حقيقة ما يحدث في غزة واحتياجات الشعب الفلسطيني من خلال تقارير محايدة بما يساعد الدول المانحة على تقديم الدعم للشعب الفلسطيني.
وبحسب التقرير، فقطاع غزة، الذي يمر الآن بالعام الحادي عشر للحصار المضروب عليه، قد انتهى به الوضع إلى أن يصبح حالة من المعاناة الإنسانية العميقة ومن الاعتماد على الإعانات المقدَّمة.
فقد دُمرت القدرة الإنتاجية لغزة بفعل ثلاث عمليات عسكرية كبرى –والحديث مازال للتقرير- بفعل الحصار الجوي والبحري والبري الخانق المفروض عليها. فالعملية العسكرية الإسرائيلية التي شُنت في 2008-2009 قد محت أكثر من 60% من مجموع حجم رأس المال المنتِج، وأمّا ضربة عام 2014 فقد دمّرت نسبة 85 % مما تبقّى منه. وتشمل الأصول المنتجِة المدمَّرة كلاً من: الطرق، ومحطات إنتاج الكهرباء، والمنشآت الصناعية والتجارية، والأرض الزراعية، فضلاً عن بني تحتية أخرى وأصول ذات صلة.
واتسمت الجهود الرامية إلى تحقيق الإنعاش بالضعف وتركّزت على الإغاثة الإنسانية، كما يقول التقرير. وهذا لا يترك سوى موارد ضئيلة للتنمية وإنعاش الاقتصاد الإنتاجي. فالدخل الفردي الحقيقي في غزة حالياً هو أقل بنسبة 30% عما كان عليه في مطلع هذا القرن. كما أن الفقر وانعدام الأمن الغذائي منتشران على نطاق واسع، حتى وإن كان 80% من الناس يتلقّون مساعدة اجتماعية.
ونوه مسئول أول الشؤون الاقتصادية، قسم العولمة واستراتيجيات التنمية، وحدة مساعدة الشعب الفلسطيني بمنظمة الأونكتاد، بأن الشعب الفلسطيني يعاني من تسرب مالي قدره ٣٥٠ مليون دولار سنويًا نتيجة ضرائب تحصل عليها إسرائيل دون وجه حق ونتيجة إعلان الأونكتاد لهذا الأمر في تقاريرها، اضطرت إسرائيل للتفاوض مع الجانب الفلسطيني وتم التوصل إلى وقف هذا التسرب المالي.
ولفت إلى أن الاونكتاد قامت بإنشاء الجمارك الفلسطينية وتدريب العاملين الفلسطينيين بها في غزة ورفح والضفة الغربية. ودربت الأونكتاد الفلسطينيين على إدارة الدين العام بفضل نظام إلكتروني، وقامت الاونكتاد أيضًا بتأسيس مجلس الشاحنين الفلسطينيين ووضع برنامج لإدارة الواردات في جامعة بيرزيت.
وفي عام 2012، حذرت الأمم المتحدة من أنه ما لم تُعكَس الإتجاهات الراهنة، سيصبح قطاع غزة بحلول عام 2020 غير صالح للسكن- وغير مناسب لعيْش البشر فيه. ويذكر التقرير أنه منذ ذلك الحين، تدهورت جميع المؤشرات الاجتماعية- الاقتصادية وإزدادت الأوضاع الآن سوءً في غزة.
وفضلاً عن ذلك، ازداد عمق أزمة الكهرباء القائمة في غزة منذ أمد طويل. ففي أوائل عام 2018، كانت الأُسر المعيشية تحصل في المتوسط على ساعتين من الإمداد بالكهرباء يومياً، ويستمر انقطاع الكهرباء على نحو يؤثّر بشكل خطير على الحياة اليومية عن طريق إصابة الأنشطة الإنتاجية بالشلل وإعاقة تقديم الخدمات الأساسية. وأوضح الدكتور معتصم الأقرع أن الأزمة الكبرى هنا تبلورت في أن حضانات الأطفال، وأجهزة الرنين المغناطيسي توقفت عن العمل بسبب ندرة الكهربا ويُلحِق الحرمان المستمر من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحقوق الإنسان الأساسية أضراراً شديدة بالنسيج النفسي والاجتماعي لغزة، ويتجلى ذلك في الانتشار الواسع النطاق للاضطرابات النفسية اللاحقة للصدمة، ومعدلات الانتحار المرتفعة.
، ففي عام 2017 على سبيل المثال، احتاج 225 ألف طفل، أي أكثر من 10 في المائة من مجموع السكان، إلى الدعم النفساني.
ويذكر تقرير الاونكتاد أنه لضمان حدوث انتعاش مستدام، يكون من الضروري رفع الحصار الإسرائيلي بالكامل، وإعادة توحيد غزة والضفة الغربية اقتصادياً، والتغلّب على أزمة الطاقة باعتبار ذلك مسألة ذات أولوية وهذا عن طريق جملة من الأشياء من بينها تمكين السلطة الوطنية الفلسطينية من تنمية حقول الغاز الطبيعي الواقعة في البحر الأبيض المتوسط التي اكتُشفت في تسعينات القرن العشرين.
وُسلّط تقرير الأونكتاد الضوء على الآثار الضارة المترتبة على الاتحاد الجمركي الذي أُنشئ في عام 1967 وأخذ شكله الرسمي بعد ذلك في عام 1994 بموجب بروتوكول باريس الذي يقضي بنظام تجارة حرة بين إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة، وبأن يستخدم الاقتصاد أن نفس التعريفات الجمركية الخارجية المفروضة على التجارة مع باقي بلدان العالم.
وهذا الاتحاد الجمركي معيب بطبيعته بسبب الاختلافات الهيكلية بين الاقتصاديْن والاختلاف الشاسع من حيث مستوى التنمية في كل منهما. ونتائج هذا الاتحاد تزداد سوءً بسبب غياب التعاون وقيام إسرائيل بصورة انتقائية ومن طرف واحد بتحديد شروطه وتطبيقها. فالأرض الفلسطينية المحتلة هي من الناحية الفعلية معزولة عن الأسواق العالمية الأكثر تنافسية، وهو ما يؤدّي بدوره إلى تعزيز تحويل التجارة نحو إسرائيل بشكل مفرط، كما يقول التقرير.
ويبيّن التقرير أن إسرائيل، في الفترة من عام 1972 إلى عام 2017، قد استوعبت نسبة 79 في المائة من مجموع الصادرات الفلسطينية وكانت مصْدَر نسبة 81 في المائة من الواردات الفلسطينية. ولكسْر دائرة نزع الملكية وتراجع التنمية هذه، يوصي تقرير الاونكتاد بالاستعاضة عن الاتحاد الجمركي الذي عفا عليه الزمن بإطار جديد يضمن للسلطة الوطنية الفلسطينية السيطرة الكاملة على إقليمها الجمركي وحدودها وسياساتها التجارية والصناعية.