ترى…ما هو الشبع؟ أهي تلك الإشارات التي ترسلها المعدة إلى مراكز الشبع بالفص الأوسط للمخ(Hypothalamus) فيشعر بالشبع وبدوره يعطي أوامره للجسم أن يتوقف عن استهلاك المزيد من الطعام؟…وإن كان كذلك ..فلماذا يعود-وبعد وقت ليس بالقليل-إلى جوعه مره أخرى وربما بدرجة أشد وأعنف؟!
أعتقد أن كلمة الشبع في هذه الحالة الجسدية…كلمة مبتسرة ..ناقصة إذ إنها تفتقر لأهم شق فى معناها وهو الاكتفاء المطلق ..
إذن فإنه من الخطأ تشكيل الإدراك المعنوي والوجداني وحتى الحسي لكلمة “الشبع” من خلال الطعام…وكأننا نفسر معنى كلمة” جمال” بالإتيان بزهور اصطناعية ميتة بدلا من الالتفات إلى البساتين الغناء….
“الشبع”….بمعناه المطلق الشامل…هو ذلك الاكتفاء التام الأزلي الأبدي السرمدى.
وبرغم أن آثاره ومردوده ينصب على الجسم والعقل والنفس..إلا إن مستقبلات ذلك الشبع المطلق تقبع في الروح بعكس شبع الجسد من الطعام والتي تكون مستقبلاته في المعدة.
الشبع بالطعام -وأعتبره هنا كناية عن كل الماديات الجسدانية من أكل ومال وأراض ومنازل وسيارات ومجوهرات وملابس فخمة و…و….و…-ما هو إلا شبع وهمى.
أذ فى كل الأحوال السابقة يعود الإنسان -وربما بدرجة أقوى-للاحتياج والاستزادة والنهل من تلك المصادر التى لا تسمن ولا تغنى من جوع.فهو كما الإدمان -إذا ترك له الإنسان اليد العليا لقيادته-لن يشبع طيلة حياته..فما إن أدرك شيئا،سعى لما هو أكثر وهكذا يسرق منه العمر لاهثا وراء سراب…نعم سراب.فلو لم يكن سراب.. لأشبعه .
أما شبع الروح..فهو الشبع الحقيقى ببعد آخر ومفهوم آخر …هو الشبع المطلق.فالنفس الشبعانة تدوس العسل..وللنفس الجائعة كل مر حلو.
وحين تشبع الروح تشبع كل أبعاد و جنبات الإنسان..الجسدية وانفسية وبالتأكيد الروحية
الله هو ذلك الشبع المطلق ..بحبه ورحمته ومن فيض هذا الحب الإلهى أراد أن يذيقنا طعم هذا الإحساس جعلنا ندركه بأسمى الدرجات فى سيمفونية مذهلة يتناغم فيها الجسد مع العقل مع القلب مع النفس مع الروح…كل شئ ينصهر فى كتلة واحدة هى…. الحب
ما أعنيه هو الحب…وليس أشباهه أو منتحلى شخصه
الحب الذي أعرفه…هو الحب الحقيقي…أخاله وكأن الله قد خلق قلوبا متباينة بعدد الخليقة، لا يوجد قلب يشبه الآخر ..وشطر كل قلب نصفين ..ووضع كل نصف في جسد وصار هذا شكل القلب الذى نعرفة فى علم التشريح معتقدين أنه قلب كامل ..لكنه نصف مكمل لنصف آخر.
يولد الإنسان ،يكبر يعيش ويتعايش،يعرف ويتعارف…وبدون مقدمات ولا ترتيبات ولا حسبان يتلاقى النصفان…فتتلاقى شتات جنة عدن على الأرض وتبعث فيها الحياة من جديد….فتمسى وتضحى وتصبح الحياة لساكنيها وناظريها..فتلك الجنة لا يسكنها إلا الإثنان..أما جمالها وشذى عطرها فيراه الجميع ويشتمه الكل .. فالحب طاقة قوية جدا…بل هي أقوى طاقة على الإطلاق…الحب أقوى من الموت وصانع المعجزات.
لاتحزن على ما فات من عمر…ولا تتعجل ما هو آت…فقط انتظر بهدوء ريثما تلاقى نصفك الأوحد في الكون…المشطور منك منذ أزلك…فهو يحتاجك بقدر احتياجك له …ليكتمل بك كما تكتمل به. ولاتتعجب من موعد اللقاء ولا تتساءل أين وكيف ولماذا…أنت فقط ستدركه ستعرفه…حين تجد الروح فرحة والنفس اطمأنت والقلب هدأ…حين تكتشف أنك ولأول مرة تجد نفسك الكاملة المتكاملة …حين يأنف بصرك عن النظر لأى شئ أو شخص آخر إذ إنه دون المستوى كبعد السماء عن الأرض..
فقط ستدركه..حين تدرك معنى الاكتفاء الشامل الأبدي وأنه لم ..ولا..ولن يكون سواه ليمنحك الشبع.