ليس الصليب مجرد قطعة من الخشب أو المعدن, وليس مجرد شئ نعلقه علي صدورنا, أو نرفعه علي كنائسنا, أو نرشمه علي أنفسنا, إنما له الكثير من المعاني الروحية والمعاني العقائدية والرموز, إن تأملنا بعمق.
وسنحاول هنا أن نشرح لماذا نهتم بالصليب, وكيف أن كل هذا يرجع إلي تعليم كتابي.
1- تركيز السيد المسيح علي الصليب:
وذلك منذ بدء خدمته, وفي أثناء تعليمه, قبل أن يصلب فقد قال: من لا يأخذ صليبه ويتبعني, فلا يستحقني (متي10:38). وقال: إن أراد أحد أن يأتي ورائي, فلينكر نفسه, ويحمل صليبه ويتبعني (متي16:24), (مر8:34). وفي حديثه مع الشاب الغني قال له: اذهب بع كل ما لك وأعطه للفقراء.. وتعال اتبعني حاملا الصليب. وقال أيضا: من لا يحمل صليبه ويأتي ورائي, لا يقدر أن يكون لي تلميذا (لو14:27).
2- وقد كان الصليب موضع كرازة الملاك والرسل:
من الأشياء الجميلة أن الملاك المبشر بالقيامة قال للمريمتين: إنكما تطلبنا يسوع المصلوب. ليس هو ههنا, لكنه قد قام كما قال (متي28:5). وهكذا سماه يسوع المصلوب مع أنه كان قد قام. وظل لقب المصلوب لاصقا به وقد استخدمه آباؤنا الرسل, وركزوا علي صلبه في كرازتهم.
ففي كرازة القديس بطرس, قال لليهود: يسوع المسيح الذي صلبتموه أنتم (أع2:36). والقديس بولس الرسول يركز علي هذه النقطة فيقول: لكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبا (1كو1:23), علي الرغم من أن صلبه هذا كان يعتبر لليهود عثرة, ولليونانيين جهالة.
ويعتبر الرسول أن الصليب جوهر المسيحية, فيركز عليه قائلا: لأنني لم أعزم أن أعرف شيئا بينكم, إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبا (1كو2:2). أي أن هذا الصليب هو الأمر الوحيد الذي أريد أن أعرفه.
3- وهكذا كان الصليب موضع فخر الرسل:
فيقول القديس بولس الرسول: وأما من جهتي, فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح (غل6:14). وإن سألناه عن السر في هذا, يكمل قائلا: هذا الذي به قد صلب العالم لي, وأنا للعالم (غل6:14).
4- ونحن حينما نرشم الصليب, نتذكر كثيرا من المعاني اللاهوتية والروحية المتعلقة به:
نتذكر محبة الله لنا, الذي من أجل خلاصنا, قبل الموت عنا كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلي طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنا (إش53:6). حينما نرشم الصليب نتذكر حمل الله الذي حمل خطايا العالم كله (يو1:29), (1يو2:2).
5- وفي رشمنا للصليب نعلن تبعيتنا لهذا المصلوب:
إن الذين يأخذون الصليب بمجرد معناه الروحي داخل القلب, دون أية علامة ظاهرة لا يظهرون هذه التبعية علنا, التي نعلنها برشم الصليب, وبحمل الصليب علي صدورنا, وبتقبيل الصليب أمام الكل, وبرشمه علي أيدينا, وبرفعه علي أماكن عبادتنا.
إننا بهذا كله, إنما نعلن إيماننا جهارا, ولا نستحي بصليب المسيح أمام الناس, بل نفتخر به, ونتسمي به, ونعيد له أعيادا.. ونتمسك به.. حتي دون أن نتكلم.. مجرد مظهرنا يعلن إيماننا..
6- إن الإنسان ليس مجرد روح, أو مجرد عقل, بل له أيضا حواس جسدية يجب أن تحس الصليب بالطرق السابقة:
كما أنه ليس جميع الناس في مستوي روحي واحد, لا يحتاجون فيه إلي الحواس. إن الحواس تتغذي بكل ما سبق, ولا تقتصر علي ذاتها, بل تنقل تأثراتها إلي العقل وإلي الروح. وربما العقل لا يتذكر الصليب من تلقاء ذاته, أو لا يتذكره كثيرا.. ولكنه عن طريق الحواس, حينما يري الصليب مرسوما أمامه, يتذكر ما يختص بالصليب وبالمصلوب من مشاعر ومن معان روحية ولاهوتية..
وهكذا نعبد الله روحا وعقلا وجسدا. وكل هذا يقوي بعضه بعضا..
7- ونحن لا نرشم الصليب علي أنفسنا في صمت, إنما نقول معه باسم الآب والابن والروح القدس:
وبهذا نعلن في كل مرة عقيدتنا بالثالوث القدوس الذي هو إله واحد إلي الأبد آمين. وهكذا يكون الثالوث في ذهننا باستمرار الأمر الذي لا يتاح للذين لا يرشمون الصليب مثلنا.
8- وفي الصليب أيضا نعلن عقيدتي التجسد والفداء:
فنحن إذ نرشم الصليب من فوق إلي تحت, ومن الشمال إلي اليمين, إنما نتذكر أن الله نزل من السماء إلي تحت إلي أرضنا, فنقل الناس من الشمال إلي اليمين, من الظلمة إلي النور, ومن الموت إلي الحياة, وما أكثر التأملات التي تدور بقلوبنا وأفكارنا من رشم علامة الصليب.
9- وفي رشمنا للصليب تعليم ديني لأولادنا ولغيرهم:
كل من يرشم الصليب, حينما يصلي, وحينما يدخل إلي الكنيسة, وحينما يأكل, وحينما ينام, وفي كل وقت, إنما يتذكر الصليب, وهذا التذكر مفيد روحيا ومطلوب كتابيا, وفيه أيضا تعليم الناس أن المسيح قد صلب, وتعليم بالذات لأولادنا الصغار الذين يشبون من صغرهم متعودين علي الصليب.
10- وبرشمنا الصليب إنما نبشر بموت الرب عنا حسب وصيته:
وهذه وصية الرب لنا أن نبشر بموته الذي لأجل فدائنا إلي أن يجيء (1كو10:26).. ونحن برشم الصليب نتذكر موته كل حين, ونظل نتذكره إلي أن يجيء.
ونحن نتذكره كذلك في سر الإفخارستيا, ولكن هذا السر لا يقام في كل وقت, بينما الصليب يمكن أن نرشمه في كل وقت متذكرين موت المسيح عنا..