حياة الرضا
ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان (2كو2:14)
رابعا: الرضا بالظروف
آخر صفة نذكرها هنا عن حياة الرضا هي: الرضا بالظروف أو البيئة, ففي كل يوم تتغير أشياء وحالات كثيرة, وتاريخنا في الشهور القليلة الماضية تغير فيه الكثير, ونحن نصلي كل يوم في قطع صلاة الساعة الثالثة ونقول: مبارك الرب إلهنا, مبارك الرب يوما فيوما يهيئ طريقنا لأنه إله خلاصنا.
فالله له ترتيب جميل في كل يوم, ويجب أن تكون لنا الثقة الكاملة في أن الله يدبر كل شئ لخيرنا, حتي إن صادفنا في أحد الأيام شيئا غير متفق مع رغباتنا, فيجب أن نتأكد أن هذا أيضا لخيرنا, وذلك إن كنا أمناء في حياتنا مع الله.
وهذا ما يجعل كنيستنا تعلمنا أن نقول في بداية كل صلاة: نشكرك علي كل حال, ومن أجل كل حال, وفي كل حال, ونحن نصلي صلاة الشكر دائما في جميع مناسباتنا.
ونذكر في تاريخ مصر الدكتور طه حسين, الذي فقد بصره, وهو في سن صغيرة, ولكن هذا لم يمنعه من أن يحصل علي أعلي الدرجات العلمية, من أكبر جامعات فرنسا, وهي جامعة السربون, ولم تمنعه هذه الإعاقة أيضا من أن يكون وزيرا للمعارف في مصر, أي وزير للتربية والتعليم في ذلك الوقت, ويكون أيضا أحد المشاهير, والمتميزين في تاريخ مصر.
احذر التذمر أو التمرد, فكل أفعال الله دائما لخيرك, حتي وإن بدت في بعض الأحيان غير مقبولة للعقل, لكن الله سوف يستخدمها لخيرك.
===
فضائل حياة الرضا
جيد أن نضع حياة أمنا العذراء مريم كمثال, وكنموذج في حياة الرضا التي نحتاجها جميعا. إن الإنسان الذي يعيش حياة الرضا هو إنسان له فضائل كثيرة, فحياة الرضا ليست فضيلة واحدة, بل هي مجموعة من الفضائل, وعلي سبيل المثال نذكر هذه القصة التي ذكرها أبونا تادرس يعقوب في بعض كتبه, حيث كتب يقول:
إنه قد ذهب لزيارة إنسان مريض, وكان متقدما في العمر, ويشكو من الكثير من الأمراض إلي الدرجة التي جعلت أغلب أعضاء جسده تقف عن العمل: يديه.. عينيه.. رجليه.. كل شئ, وقد ذهب أبونا إليه لتعزيته وتشجيعه ببعض الكلمات, وعندما تقابل معه أبونا وجده فرحا, وقد أحتار أبونا لذلك, وأيضا كان لا يعلم ماذا يقول له مع حالته المأساوية والصعبة.
فسأله أبونا هل قرأت الكتاب المقدس, فأجاب نعم منذ فترة طويلة, وسأله أبونا أيضا, وهل تقرأه في الوقت الحالي؟! فأجاب هذا الشخص نعم, وتعجب أبونا كيف؟! وهو لا يستطيع أن يري, فسأله أبونا كيف تستطيع أ تقرأه في ظروفك هذه؟!
أجاب هذا الإنسان المريض في ابتسامة: إني أستطيع أن أقرأه بلساني, لأن لسانه كان هو العضو الوحيد الذي يعمل, فكان يأتي بالإنجيل المكتوب بالحروف البارزة ويضع عليه طرف لسانه, وإن جاز التعبير يستطعم الكلمة وهو راض, فحياة الرضا بها ثلاث فضائل أساسية, وهي: الشكر الدائم, والاعتماد علي السيد المسيح, وأن يكون الهدف هو السيد المسيح, وسنتحدث بالتفصيل عن كل فضيلة.
أولا: الشكر الدائم
إن الفضيلة الأولي من فضائل حياة الرضا, هو أن يقدم الإنسان الشكر الدائم للسيد المسيح, فالإنسان الراضي دائما يشعر ويحس بعطايا السيد المسيح له, وأيضا يشكره يوميا علي كل شئ في حياته: علي صحته.. علي تسديد جميع احتياجاته.. علي غفران خطاياه.. علي نصيبه في الحياة الأبدية المتاحة أمامه.. علي وجود كنيسة يستطيع أن يقدم فيها عباداته.. علي وجود الخدمة.. علي وجود مجتمع يعيش فيه.. إلخ.
إن الإنسان الراضي جميع نبضات قلبه تشكر الله في كل وقت, علي عطاياه التي لا يمكن حصرها, فكل فرد منا يشعر أن تواجده داخل مصر كدولة وكبلد وكأرض أفضل من كل بلاد العالم. وهناك شخص آخر يشكر المسيح أنه عضو في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي تتمتع بالتاريخ الطويل وبالقديسين, فنحن أبناء هؤلاء القديسين. وهناك آخر يشكر مسيحه دائما, أن بلادنا مصر هادئة من ناحية الكوارث الطبيعية, فهناك بلاد أخري نسمع ما يحدث فيها من زلازل وبراكين وفيضانات وثورات الطبيعة, فنشكر الله أن بلادنا مصر هادئة من ناحية كل هذا.
وهناك آخر يشكر الله دائما علي حلاوة المناخ, فطبيعة جو مصر يتغير بين الفصول الأربعة, من حر إلي برد إلي معتدل, لكنه في معدلاته الطبيعية محتمل, ولكن في بعض بلاد أخري من العالم, الجو غير محتمل من حرارة شديدة أو برودة قارسة.
إن مصر من أكثر عشر دول في العالم تظهر بها الشمس, فالشمس نعمة إلهية. ويوجد أيضا في مصر منطقة الساحل الشمالي, وهي من أغني مناطق العالم في ظهور الشمس. وأيضا يوجد في مصر نهر النيل, وهو نعمة كبيرة لمصر, فتوجد بلاد أخري بجانب مصر لا يوجد بها نهر.
إن حياة الرضا بها حياة الشكر, فالإنسان الراضي هو إنسان في طبيعته الداخلية ونبضات قلبه وفكره, يشكر المسيح علي كل النعم التي قدمها ويقدمها له. ومن أقوال القديس باسيليوس الكبير في هذا الشأن هذه العبارة المشهورة, والتي يحفظها أغلبنا: ليست عطية بلا زيادة إلا التي بلا شكر, فكلما شكر الإنسان أكثر, كانت عطايا الله له أكثر.
أما الإنسان المتذمر فإن الله ينظر إليه بتعجب! ويسأل لماذا هذا الإنسان يتذمر؟! وأنا قد أعطيته أشياء كثيرة جدا, فقد أعطيته كذا وكذا.. إلخ.
وهناك مثل روسي مشهور يقول: كنت أتذمر علي الله لأنه ليس عندي حذاء, ولكنني ذات يوم وجدت إنسانا بلا قدمين حينئذ شكرت الله.
بمعني إن الإنسان من الممكن أن يتذمر علي الله لأنه لا يمتلك حذاء, ولكنه عندما يجد إنسانا آخر محروما من القدمين, حينئذ يشكر الله, ويعلم أن الله قد أعطاه عطية ثمينة جدا, ولكن الإنسان لا يشعر بالعطية إلا عندما يري إنسانا آخر محروما منها.
فأول فضيلة في حياة الرضا أن يقدم الإنسان شكرا متصلا للسيد المسيح علي كل شئ, وفي كل وقت, ومثال لذلك الأحداث التي تمت في بلادنا الحبيبة مصر في الثلاث سنوات الماضية, ونستطيع أن نقول إن ما حدث هو معجزة, تستحق الشكر كل الحياة, بل ونتأكد أن السيد المسيح يرعانا, ويرعي شعبا بأكمله, فشكرا لله علي رعايته ومحبته الكبيرة.