إذا كانت ابنتك بدينة, ابنك قصير القامة, أو كان أطفالك أكثر أدبا ممن حولهم, إذا كانوا لا يجارون أصدقائهم في السخرية أو المرح, أو كانوا أقل ذكاء أو كان طفلك خجولا أو انطوائيا فعلي الآباء الحذر لئلا يكونوا بذلك فريسة للأطفال المتنمرين وقد يشكل هذا تهديدا علي طفلك, وفي السطور التالية سوف نوضح ما هو التنمر وأسبابه وكيفية مواجهته.
أنا ضد التنمر حملة أطلقتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسف مصر بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والمجلس القومي للطفولة والأمومة, لمحاربة ظاهرة التنمر بين الأطفال بالمدارس, والتنمر هو أحد أشكال العنف الذي يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضد آخرين من خلال الشائعات أو التهديد أو مهاجمته بدنيا أو لفظيا.. وللتنمر معايير ثلاثة التعمد والتكرار واختلال القوة.
’التنمر يكون بدنيا أو لفظيا أو اجتماعيا أو نفسيا أو إلكترونيا علي السوشيال ميديا يؤدي لفقدان الثقة بالنفس والتركيز والخجل الاجتماعي ومشاكل نفسية قد تصل للانتحار ويمارس التنمر ضد المختلفين والمتفوقين والمنطوين والخجولين والوافدين الجدد والمسالمين.
قالت الدكتورة عزة العشماوي, الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة: حصلنا علي ردود أفعال إيجابية بعد مرور ما يقرب من ثلاثة أسابيع علي إطلاق حملة مناهضة التنمر بين الأطفال, تحت شعار أنا ضد التنمر, حيث تلقي المجلس من طلبة المدارس العديد من الرسائل لإبداء إعجابهم بالحملة, وتسجيل عدة أشكال من التنمر تقابلهم علي مدار العام الدراسي, كما تواصل مع المجلس العديد من إدارات المدارس, لعقد ندوات توعية للطلاب بخطورة هذه الظاهرة, فالتنمر يعد أحد أشكال السلوك العدواني الذي يمارسه شخص في حق آخر, فيتسبب في إزعاجه وإيذائه, مشيرة إلي أن هذه الظاهرة ليست جديدة علي المجتمع ولكن الوعي بها وبأضرارها ازداد مؤخرا.
المنازل بها أعلي مستويات التنمر
أشارت العشماوي إلي أن المجلس القومي للطفولة والأمومة أجري دراسة بالتعاون مع الـيونيسف شملت ثلاث محافظات, عام 2015, كشفت عن أن أعلي مستويات العنف التي تواجه الأطفال تحدث في المنزل, ويليه المدرسة, كما كشفت الدراسة أنه ما بين 29 إلي 47% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثة عشر إلي سبعة عشر عاما, يرون أن العنف الجسدي بين الأقران أمرا شائعا.
خط ساخن للنجدة
نوهت العشماوي أن نتائج الدراسة دفعت المجلس إلي إطلاق استراتيجية لمناهضة العنف ضد الأطفال والتي كان من أهم محاورها التوعية, والتي بدأت بإطلاق الحملات الإعلامية التي من شأنها توعية الأهالي والقائمين علي الرعاية, بخطورة تزايد العنف ضد الأطفال, والآليات الخاصة بحماية الطفل, وعلي رأسها خط نجدة الطفل 16000 ولجان حماية الطفولة بالمحافظات والذي استقبل 12923 استشارة منذ بدء الحملة, منذ ما يقرب من أسبوعين, كما أن التحليل الأولي للاتصالات يشير إلي أن محافظة القاهرة هي أعلي المحافظات في معدلات الاتصالات, بما يمثل ثلث الاتصالات, وتلاها محافظتي الإسكندرية والجيزة.
وأضافت الأمين العام لمجلس الأمومة والطفولة, أن الاستشارات الخاصة بالذكور, احتلت النسبة الأعلي حيث وصلت إلي 70% من إجمالي الاتصالات إلي نسبة 30% للإناث, وذلك نتيجة لطبيعة الذكور الأكثر ميلا للعنف والسخرية عن الإناث, والفئة العمرية من سن 10 إلي 12 سنة كانت الأعلي طبقا للاستشارات الواردة منذ بدء الحملة, بما يزيد عن نصف إجمالي المكالمات.
مكافحة تنمر المعلمين
قال الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم: أصدرت تعليمات رسمية لجميع المديريات والإدارات التعليمية والمدارس, توصي بضرورة مكافحة جميع أشكال التنمر بين طلاب المدارس وبعضهم بما فيها السخرية والاستهزاء, والتمييز والعنف وغيرها.
كما شددت علي محاربة التنمر الصادر من المعلمين تجاه الطلاب, وتفعيل دور إدارة المدرسة والإخصائيين النفسي والاجتماعي في التصدي لهذه الممارسات.
وأكد الوزير ضرورة متابعة سلوكيات الطلاب داخل المدارس من جميع الجوانب التربوية, والتعليمية, والصحية, والنفسية, من أجل تحقيق الانضباط الذاتي للطلاب داخل وخارج المدارس.
الأسرة مسئولة
من الناحية النفسية قال الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي: التنمر ظاهرة تنطوي تحت مسمي العنف بين الأطفال, وتتشكل مع مرور الزمن, وتحدث نتيجة عدة مشكلات نفسية في أغلب الحالات ترجع إلي تخاذل دور الأسرة في الاهتمام بنفسية الطفل وتعليمه كيفية التعامل مع الآخرين واحترام الاختلاف بينهم, كذلك رؤية الأطفال للمشادات التي تشب بين الأم والأب وتحدث بالإساءة اللفظية والمادية واستخدام العنف.
أيضا ممارسة التنمر من الآباء علي الأبناء والذي يأتي في عدة أشكال تنمر لفظي كالاستهانة بأي شيء جيد يفعله أو مقارنته بالأشقاء الأكثر تميزا والتنمر الجسدي من خلال عقابه بالإيذاء البدني كالضرب, فنتيجة ذلك يصبح لدينا طفل متنمر علي أصدقائه ويجعل من اختلافهم معه وسيلة ضغط أو إهانة نتيجة شعوره بعقدة الدونية والإحساس بالنقص الشديد بطريقة تؤثر علي سلوكه, تجعله يتحكم ويتلذذ في السيطرة علي الآخرين خاصة الضعفاء منهم.
أكد استشاري الطب النفسي, لابد من علاج الأطفال المتنمرين من خلال زيادة الوعي داخل الأسر والمدارس علي كيفية تربية الطفل بطرق سليمة, والعمل علي تحسين العلاقات الأسرية وكيفية التعامل مع الأطفال.
وعن علامات تعرض الطفل للتنمر أوضح الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي, بعض العلامات التي تؤكد تعرض الطفل للتنمر في المدارس, الاكتئاب والتوتر واضطرابات في النوم, شرود الذهن, ضعف تحصيل المواد الدراسية, وكره شديد للمدرسة وقد يصل في بعض الحالات إلي الانتحار.
سخرية الدراما
من الناحية الاجتماعية قال الدكتور جمال شحاته أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان: هناك مجموعة من العوامل أدت إلي زيادة التنمر في المجتمع أهمها المنزل الذي أصبح فيه الأب والأم مشغولين بالعمل عن الأطفال فغابت القدوة وغاب التوجيه داخل المنزل, كذلك الإعلام مسئول مسئولية كبيرة عن زيادة التنمر منها سخرية الدراما من فئات معينة كالمعاقين أو الأقزام أو المفرطي السمنة.. إلخ.
أضاف أستاذ علم الاجتماع, غاب الضبط الاجتماعي فأصبحت البلطجة والعنف سيدا الموقف في المجتمع وأصبح المجد للقوة وضعف تطبيق القانون أدي إلي سيطرة الخارجين عنه حتي المدرسة غابت منها القدوة فلا نجد المدرس الذي ينصح ويرشد فكل ما يهمه هو كسب ود التلاميذ من أجل الدروس الخصوصية, وكذلك غياب الأنشطة المدرسية الجماعية التي تربي وتعلم وتمتص الطاقات داخل الأطفال فغابت حصة الموسيقي والتربية الرياضية وسادت ثقافة (أخد حقي بأيدي) والقوي يغلب الضعيف وكلها عوامل تزيد من العنف داخل الطفل الذي يبدأ متنمرا بالمدرسة ليكبر ويصبح مجرما في المستقبل.
أوضح جمال شحاته, لعلاج هذه الظاهرة لابد أن تتكاتف كل فئات المجتمع فنحن بحاجه إلي إعادة تربية الآباء كيف يصبحون قدوة ويوجهون سلوك أبنائهم ويقومون بتوعيتهم, ويجب أيضا السيطرة علي العنف الأسري داخل الأسرة بين الآباء والأمهات أمام الأبناء, كذلك تفعيل دور الأنشطة المدرسية بشكل إيجابي والاهتمام بدور الأخصائي الاجتماعي بالمدرسة والحرص علي تطبيق القانون بشدة.
وإذا لاحظت الأسرة أن لديها ابن متنمر عليها أن تقوم باحتوائه ومنح الحب والأمان داخل الأسرة وتوعيته بخطورة تصرفه وأنه سيصبح مرفوضا من المجتمع, كذلك توجيه طاقته في الرياضة للتخلص من السلوك العدواني والتأكيد علي الطفل أن القيادة بالحب بين أصدقائه وليس بالقوة.
أما إذا كانت الأسرة لديها طفل يتعرض للتنمر لابد أن تقوم بتوعيته بكيفية التصرف بشجاعة في الموقف ولا يخاف لأن المتنمر شخص جبان يخاف من الشجاعة, كذلك تعليم الابن كيف يدافع عن حقه وأن يذهب يشكو للمسئول لأخذ حقه من المعتدي وكذلك تعليمه كيف يهرب من الموقف إذا كان هناك أذي جسدي سيتعرض له.
طرق الدفاع عن التنمر
قال فؤاد رسمال خبير التنمية البشرية: يكتسب الطفل سلوكه من أماكن مختلفة لابد من تعليم الطفل كيف يتعامل في المواقف الصعبة, كيف يدافع عن حقه دون عدوانية أو عنف والاهتمام بتعليم الإتيكيت بالمدارس وتعليم التلاميذ احترام خصوصية الغير والاهتمام بروح الجماعة داخل المدرسة وأننا فريق واحد.
وأضاف فؤاد, نحن بحاجة إلي تغيير سلوكنا في التعامل مع الضعفاء والاهتمام بإعطاء كل ذي حق حقه فشعور الطفل أنه لا يحصل علي حقه بطريقة شرعية سليمة يجعله يسعي للحصول علي حقوقه بطريقة خاطئة.
ولابد من الاهتمام داخل المدارس والإعلام والمؤسسات الدينية بعمل كورسات توعية للآباء والأولاد بضرورة مواجهة تلك الظاهرة, كذلك علي الدولة أن تعيد النظر في التعامل مع البلطجية بأكثر حسم وتطبيق القانون بقوة حتي تمنح المواطنين الثقة في المؤسسات الشرعية ويثق كل ذي حق أنه سيحصل علي حقوقه دون اللجوء إلي القوة.