أفرز الله شمشون من بطن أمه و جاء بوعد شأنه شأن رجال الله الأمناء الأتقياء و قيل عنه فى سفر القضاة “كبر الصبى و باركه الرب و ابتدأ روح الرب يحركه” ( قض ٢٤:١٣) ، و عاش شمشون سنوات فى معية الروح القدس يسانده و ينقذه من اشر المخاطر، و برغم كثرة ما اختبر شمشون من معجزات الروح القدس فى حياته عوض أن يمجد الله و يشكره على فيض النعمه التى ولد فيها دون ان يبذل من أجلها ، فهو لم يقدرها و باتت رخيصة جدا فى نظره، رضا دليلة كان اغلى منها!! و كأنها حق مكتسب لا يحق لمانحها ان ينتزعها ممن لم يصنها و يعرف غنى مجدها.
والحق أن شمشون لم يكن الاول ولا الأخير بين هذا النوع من البشر الذين اعتادوا على رعاية القدير فاستهانوا بغنى لطف الله و امهاله و طول اناته مثل بنىاسرائيل السائرين تحت سحابة تظللهم من لهيب شمس الصحراء نهارا و عمود النار يرشدهم ليلا لم تبل ثيابهم و لا نعالهم و بينما يد القدير تطعمهم المن يوما فيوما، صنعوا العجل الذهبى و سجدوا له و قالوا “هذه الهتك يا اسرائيل التى اصعدتك من أرض مصر ” (خر ٤:٣٢ ) لقد ولدنا فى المسيحية دون ان نبذللأجلها شيئا بينما بذل اباؤنا أموالهم و كرامتهم و حتى دمائهم ليورثونا الايمان المستقيم فبحق يمكن ان يقال عن كل واحد منا ما قيل عن شمشون “كبر الصبى و باركه الرب” . و هنا تستوقفنا ملاحظة جديرة بالاهتمام يذكرها سفر القضاة أن شمشون بعدما حلقت دليلة شعره قام و انتفض “كعادته” ظانا انه فى ملء القوة و لم يعلم ان الرب قد فارقه فسقط كأسد فى مصيدة ، و ان كان هذا الأمر مؤسفاان يستيقظ شمشون البطل بعد فوات الاوان و لكن ما هو أكثر ايلاما انه كان غارقا فى الاثم الى الحد الذى كان الأمر عنده سيان و الاحساس متبلد ، لم يستيقظ من غفلته إلا بعد أن عرف قدر نفسه الحقيقى و رأى ذاته لا شئ بدون روح الله ، صار ألعوبة فى يد الشيطان الذى ابتدأ باذلاله، وهذا هو حال كثير من البشر لا يقدرون النعمة إلا بعد زوالها.
وإن يكن روح الرب فارق شمشون عندما حلقوا له شعره و لكن الحقيقة أن شمشون هو الذى فارق الرب قبل هذا بسنوات ،”الرب معكم ما كنتم معه و ان طلبتموه يوجد لكم و ان تركتموه يترككم” (٢اخ ٢:١٥ ).