يقول الشاعر أحمد رامي:الحب كشجرة ورد…كلما ذبلت زهرة انبثق برعم.كم هي معبرة حكاية الطفلة الصغيرة التي كانت تعبر جسرا مع والدها,وعندما خاف الأب علي ابنته من السقوط,قال لها:امسكي بيدي جيدا حتي لاتقع في النهر.فقالت له:لا,لن أفعل ذلك,ولكن امسك أنت بيدي,هذه العبارة جعلته يسأل في ذهول:هل هناك فرق بين أن تمسك بيدي أو أمسك أنا بيدك؟ أجابت الطفلة بكل ثقة:نعم,هناك فرق كبير,فإذا امسكت أنا بيدك,من المحتمل أن أفقد توازني نتيجة الخوف وتنفلت يدي فأسقط في النهر,أما إذا امسكت أنت بيدي فلن تدعها تفلت من يدك أبدا!.
نتعلم من هذه الأمثولة أن الذي يحب حبا صادقا يثق فيمن يحب,تاركا له حياته بكل طمأنينة,وهذا ما نفعله مع الله عندما نضع حياتنا بين يديه واثقين به,فالمحبة فضيلة عظيمة,بل أعظم الفضائل,كما أنها خير لا يوازيه أي شئ,لأنها تخفف دون سواها كل ما كان عبئا ثقيلا بالنسبة لنا,وتبدل مرارة الحياة إلي عذوبة وحلاوة.ويحثنا السيد المسيح قائلا:وصيتي هي:أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم.ليس لأحد حب أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبائه(يوحنا15:12-13) فالمحبة تاج كل الفضائل وأقوي من الخوف,لأن من يخاف أو يشك في الآخر,لم يحب قط فالمحبة الحقيقية تطرح الخوف خارجا,والمحبة المطلوبة منا هي المحبة الصادقة فقط,ومما لاشك فيه أن الله يحبنا جميعا بالرغم من ضعفاتنا وعدم استحقاقنا.والمحبة لحن عذب,ننصت إليه حتي ننسي همومنا وتهدأ نفوسنا ونحيا في سلام.فالمحبة لا تموت أبدا,من المؤكد أننا خذلنا في حبنا وصداقاتنا,ولكن كل ما قمنا به بإخلاص في محبتنا يظل أبدا تكفينا أمانة الحب التي تعبر عن شخصنا وجوهرنا ومعدننا,فإذا اشتري أحدنا مجوهرات وكانت مزيفة,أهذا يعني أن كل المجوهرات هكذا؟بالطبع لا,ولكن ما نفعله هو اتخاذ الحذر والحيطة عندما نشتري مرة أخري,فالمحبة هي من الله,إذا لن تموت أبدا,ومهما حدث لها ستنهض مرة أخري مع التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مزيف فالمحبة ليست لها مصالح أخري,ولا تعطي إلا ذاتها,كما أنها تنتصر دائما حتي علي كل ما هو مستحيل,ويقول الشاعر الإيطالي دانتي:المحبة التي تحرك الشمس والنجوم,لأنه بدون الحب يصبح كل ما نفعله مملا حتي الأعمال البسيطة التي لاتكلفنا وقتا أو جهدا أو مالا,نراها متعبة وشاقة,فكل شئ بدون حب يتحول إلي عبء ثقيل لايحتمل,وواجب مفروض علينا يطاردنا في كل لحظة.
بينما بالحب يتحول كل شئ إلي سعادة وسرور,حتي أننا لانشعر بالوقت أو التعب في كل ما نقوم به.
فالمحبة الحقيقة لا تضع مقاييس الربح والخسارة مع من تحب,لأنها هي الجوهرة الوحيدة التي تزداد قيمتها بالقسمة والتوزيع.وبناء علي ذلك تحتاج الحبة الصادقة إلي وقت لتصل إلي مرحلة النضج يوما بعد يوم,فالزمن يعطي الفرصة لآفاق أشمل وثراء عظيم كم من الصداقات والزيجات أصبح مصيرها الفشل والصراع, لأنها بنيت علي أساس هش؟!لكن الوقت يمنح الشخص فرصة التغيير للأفضل,وفي هذا الصدد يقول الفيلسوفE.Eriksson :من الممكن اعتبار أن الحب أولا وهم ثم خداع ثم تكريس,وكل فترة من هذه لها أهميتها القصوي,لأنها تمر بعدة خطوات واحدة تلي الآخري…
إذا يجب علينا أن نمر بجميع المراحل,وننتقل من المرحلة الأولي للثانية بفعل السنين وثقل الأشياء ومحدودية الأشخاص وأخطائهم,وبعد ذلك ننتقل من الثانية إلي الثالثة بعد مسيرة من الحكمة والنضج الداخلي المبني علي الصبر الذي يساعدنا علي تخطي مرحلة الخوف من الآخر.
نجد هنا ردا علي الحال الذي وصلنا إليه في عالم السرعة حتي في الحب الذي لانعطيه وقتا كافيا للتعرف علي الطرف الآخر حتي نقبله بما هو عليه,لكن الحب ينضج من اكتمال هذه المسيرة…في المرحلة الأولي نجد سعادتنا في حب التملك,وفي الثانية نشعر بألم التخلي بينما في الثالثة نصل إلي غبطة العطاء.ونلخصها هكذا:أخد ثم تخلي ثم عطاء.وكلها تعبر عن نمو الحب الذي ينتقل من شهوة التملك إلي حب العطاء.ونختم بالقول المأثور:إذا كانت الحياة زهرة فالحب رحيقها.