حالة من الفزع يشهدها سوق العمل جراء التوسع في التكنولجيات، ففي الوقت الذي يتوسع فيه تطبيق التكنولوجيات الرقمية والذكاء الاصطناعي فإن الاستغناء سيلحق أيضاً بالوظائف غير الروتينية.
وفي تحليل نشرة منتدى الاقتصاد العالمي، يرى أن الموظفين أصحاب المهارات المنخفضة داخل الاقتصاديات مرتفعة الدخل يتعرضون لضغوط نتيجة الواردات من الدول النامية.
كما أن هناك تحول في تركيب سوق العمل العالمي للعمالة الماهرة، حيث أن الأصغر سناً والأفضل تعليماً يدخل بيئة العمل في حين يغادره الأكبر والأقل تعليماً.
وترى دراسة في هذا الصدد أن العمال الأفضل تعليماً سوف يأتون بشكل خاص تقريباً من الدول النامية مستبدلين الموظفين كبار السن في الدول صاحبة الدخل المرتفع.
وهنا يظهر التساؤل الأهم، كيف لهذه الموجة التعليمية أن تغير ديناميكية عدم المساواة عالمياً سواء بين الدول أو داخل الدول نفسها؟، وهل يمكن أن تتحسن عدم المساواة بين الدول، وهل سيؤدي هذا الاتجاه نحو مزيد من التقارب في الدخل على المستوى العالمي؟.
نظرة على الماضي
ترى دراسة علمية أنه بعد قرنين من التباين الذي كان بين (1750-1950) والذي كانت دول الغرب الغنية تنمو فيه أسرع من النامية، فإننا ربما نعيش حالياً في منتصف قرن من التقارب (1950-2050) وتكون محركات النمو فيه “التعليم والتكامل في الاقتصاد العالمي”.
وترى تلك النظرية أن ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ساعدت على تقارب الدخل العالمي من خلال تزامن بواسطة رأس المال عالي التقنية وأفضل الممارسات الإدارية والعمال أصحاب الأجور المنخفضة.
وسعت دراسة أخرى إلى تناول حالة زمنية أقصر لإثبات أن دخول الاقتصاد العالمي من قبل عمال الصين والهند ودول الاتحاد السوفيتي السابق في نهاية التسعينات كان أكبر تحدي للولايات المتحدة والدول الغنية منذ الكساد الكبير.
وأطلقت الدراسة على تلك العملية “المضاعفة الكبيرة” لأنها ضاعفت حجم سوق العمل العالمي من مستوى 1.46 مليار فرد إلى 2.93 مليار فرد، وترى أنه إذا لم تتكيف الدول صاحبة الدخل المرتفع مع التغيرات فإن هذا التوسع سيهدد بتفاقم الانقسامات الاقتصادية ويعرض الكثير من تلك الدول لمناهضة العولمة.
وقامت دراسة في عام 2015 بمقارنة التوزيعات العالمية للدخل أو الاستهلاك في عامي 1988 و2008، والتي أظهرت نمو الدخل عبر إجمالي السكان في العالم خلال تلك الفترة، لكن مع الإشارة إلى أن نمو الدخل منذ عام 1988 أفاد على نطاق واسع أغنى 1% من سكان العالم (الأثرياء في الدول الغنية)، كما رفع مستويات الدخل للفئات المتوسطة خاصة الدول النامية الكبرى مثل الصين.
ومع ذلك ظل الدخل راكدا بالنسبة للمواطنين العاديين في البلدان ذات الدخل المرتفع أي حوالي 80% من التوزيع العالمي، وينطبق الشيء نفسه على أفقر الناس في العالم.
والنمو المتفاوت يعني أن عدم المساواة في العالم – مثلما يشير معامل “جيني” الذي يحسب درجة التفاوت – شهدت تراجعاً من مستوى 69.7 إلى 65.81 خلال فترة الدراسة.
هذا الانخفاض يُفسر على نحو واسع بالتراجع في معدلات عدم المساواة في الدخل بين الدول أو عبر تقارب الدول النامية من الدول المتقدمة فيما يخص نصيب الفرد من الدخل.
وفي المقابل تباينت اتجاهات عدم المساواة داخل الدولة الواحدة، وفي أمريكا اللاتينية فإن عدم المساواة داخل الدول انخفض بفضل الاستثمار في التعليم والإمدادات الكبيرة في العمال المهرة وبرامج التحويلات المستهدفة، وفي مناطق أخرى تحديداً الدول ذات الدخل المرتفع ازدادت حالات عدم المساواة داخل البلدان
وفي الفترة بين 1988 و2013 ارتفع متوسط معامل جيني في الدول المتقدمة من مستوى 29.8 نقطة إلى 31.8 نقطة.
وبشكل عام ارتفعت عدم المساواة داخل الدولة الواحدة إلى إجمالي عدم المساواة العالمية من مستوى 20% في 1988 إلى مستوى 34% في 2013، ومن المرجح أن تكون تلك الانقسامات الاقتصادية ساهمت في رد الفعل الأخير ضد العولمة، والخطاب المناهض من جانب للعديد من السياسيين الشعبويين في هذه البلاد.
تحسين التعليم
بالاستثمار في التعليم منحت الدول الأجيال الشابة سنوات إضافية من التعليم، وفي 1960 تلقى العامل الشاب الذي ولد في الدول النامية سنة إضافية في التعليم مقارنة بالعامل الأكبر في السن.
أما بحلول 1990 فإن فجوة التعليم بين الصغار والكبار أصبحت 3 سنوات في جنوب آسيا وقريبة من 4 سنوات في أمريكا اللاتينية والكاربيان وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فأصبحت 6 سنوات تقريباً “أكثر من مجردة دورة كاملة من التعليم الثانوي”، ومع بعض الاستثناءات القليلة فإن الفجوة زادت حتى 2010.
ويختلف إلى حد ما هذا النمط من التحول التعليمي في الدول صاحبة الدخل المرتفع، فهم بدأوا في عام 1960 مع وجود فجوة عالية بين الأجيال وذلك لأن التعليم العالمي بدأ مبكراً، وانتهى بحلول 2010 عندما كان لدى العمال الصغار والكبار أرقام متطابقة وعالية تقريباً لسنوات من التعليم.
وبذلك فإن توسط مستويات التعليم يرتفع في الدول النامية، لكنه مستقر في الدول مرتفعة الدخل.
ومن المتوقع أن يرتفع العدد الإجمالي للموظفين أصحاب المهارات – من يمتلكون 9 سنوات أو أكثر في التعليم – من 1.66 مليار شخص في 2011 إلى 2.22 مليار بحلول 2050 بزيادة 33% أو ما يعادل 560 مليون شخص.
وذلك ليس “تضاعفًا كبيرًا” آخر ولكنه لا يزال يمثل تغييراً جذرياً.
وهذه المجموعة من العمال المهرة سوف تتلقى دعماً من المواطنين الشباب في البلدان النامية، ففي عام 2011 كان كل موظف ماهر في دول الدخل المرتفع يتقاسم الاقتصاد العالمي مع عاملين من الدول النامية، لكن بحول 2030 فإن المعدل سيتكون 1:3 وسوف يستمر ذلك حتى تتراجع الفجوة بين الأجيال في مجال التعليم بالدول النامية إلى مستوى بلاد الدخل المرتفع.
هل عالم أكثر تعليماً يقتضي مساواة أكبر؟
على الرغم من أن التعليم سيبقى عامل يدعم المساواة في المستقبل، إلا أن هناك تحذير مهم وهو أن انخفاض التفاوت العالمي في الدخل يفترض استمرار التكامل العالمي.
ومكاسب التجارة الدولية ترتبط بقدرتها على توليد فرص العمل مع ظهور فرص جديدة، في حين أن الحواجز الجديدة والسياسات القومية الأخرى قد تساهم في خفض التوترات التي تنتج عن عدم المساواة على المدى القصير، لكنها في الوقت نفسه قد تقلص احتمالات انخفاض عدم المساواة على المدى الطويل.
والتكنولوجيات التي تزيد بشكل غير متناسب من الطلب على العمال المهرة وتحل محل العمال غير المهرة تُعقد النقاش حول كيفية تقاسم المجتمع أعباء ومكاسب العولمة.
وقد يؤدي الانتشار العالمي لهذه التقنيات إلى زيادة عدم المساواة في الدول مرتفعة الدخل.
تحسين نتائج التعليم وتشجيع سياسات إعادة توزيع الدخل الفعالة تعتبر طرق فعالة للتعامل مع العولمة والتغير التكنولوجي على حد سواء، مع ضمان استمرار الاقتصاد العالمي على مسار مزدهر.