يعجز القلم أحيانا عن إيجاد كلمات تناسب المشاعر، فيظل يبحث ويبحث عن مرادفات للتعبير عن عمق ما يريد، ولكنه لايجد الجديد، فيضطر أسفاً للجوء لما كتبه سابقاً ، فليس في الامكان أبدع مما كان، وليس في جعبة سرد الحكايات ما يمكن أن أرويه على لسان “فوقية” سوى ما روته هي سالفاً، , ”فوقية” نشرنا قصتها منذ ثلاثة أشهر تقريبا، تحت عنوانا “الوجع الساكت” وضمن سلسلة ”اللذة التي أسقطت جبابرة”.. ”فوقية” التي لا تحتاج حالياً سوى غسالة أوتوماتيك وثلاجة ومطبخ خشب، فجاءت إلينا مرة أخرى ولأن كثيرين لم يتابعوا قصتها في المرة الأولى ها نحن نعيد النشر مرة أخرى ربما نتمكن من تلبية مطالبها.
لم ننس ملامحها التي كساها تراب السنين، وجسدها الهزيل، الذي تركت قسوة الأيام بصماتها على خطاه، وملابسها التي تعود موضتها إلى عشرات السنين، فلا هي امرأة من ذوات الجلباب الأسود، ولا هي سيدة تمكنها الظروف من ارتداء ما يستر عوزها عن الناظرين، حينما رأيتها اختفطت قلبي طلتها الحزينة ووجدتني في ضيق ما بعده ضيق، إنها في الثالثة والأربعين من عمرها وكنت أحسبها في الخامسة والخمسين على الأقل، ليس لها حظ من الجمال، ولا حظ من الصحة، لديها ولدان - الأكبر عمره 22 سنة ويعمل سائق توك توك والأصغر 20 سنة يقضي حاليا الخدمة العسكرية.
حينما سألتها عن تفاصيل قصتها قالت: اتجوزت عندي 18 سنة، كنا عايشين في البلد، مع عيلة جوزي، وكان كويس، بعد ما خلفت الولدين، لقيناه بيخرج وبيسهر في الليالي، مش عايز يصرف علينا، مش عايز يقعد معايا، مافيش بيننا أي علاقة نهائي لا زوجية ولا غير زوجية، ومرت أيام وأنا مستنية حاله يتعدل، مش راضية أقول لأهالينا، لكن هم شايفين بعينهم، بعد فترة طويلة خرج ولا رجعش.
واستنيت أبو العيال كتير ولا رجعش، وبعد شوية عرفنا أنه أتلم على واحدة حلوة بيقولوا حبها وما يقدرش يستغنى عنها وراح أشهر إسلامه علشانها، وعاش وياها وخلف منها كمان 3 عيال، اخدوني أهلي من بيت أهله، وربوا معايا الولدين، وأنا ساكتة لا حول لي ولا قوة، لساني ساكت، وقلبي ساكت، وحالي ساكت، حتى وجعي وحزني ساكت, لحد ما بقي عندهم 18 سنة و16 سنة.
كنت كل يوم أبص في المراية وأقول له: يارب لو خلقتني حلوة مش يمكن ما كانش هرب مني، مش يمكن ما كانش ساب الولدين وتنزل دموعي زي النار تحرق خدودي وتحرق قلبي، من الغيرة والحسرة والوجع، وبعد ما أبكي ساعات أفوق وأشكر ربنا، على نعمة الرضا رغم الحزن، واستمرت حياتنا في البلد وكنا بنقضيها بأقل القليل لغاية ما العيال كبروا.
وفجأة لقينا جوزي بيحاول يرجع لنا تاني من غير مقدمات سبحان الله في خلقه، جوزي إللي عاش مع زوجة تانية من دين تاني اتخانق معاها وعايز يرجع بعد ما غير دينه، يا تري ليه، معقول ندم؟ معقول راجع لي بعد العمر ده كله، معقول سابني صبية وراجع لي بعد ما كبرت، لا مش معقول، وفضلت أكذب في نفسي لغاية ما شفته بعيني، وقال أنه خلاص ندمان ولازم يصلح إللي عمله.
الفرحة ملت قلبي، والعيال رفعوا رأسهم بس يا فرحة ما تمت.. إحنا في الصعيد عارفين يعني أيه الصعيد.. يعني لو رجع عن دينه يبقي ارتداد ويقتلوه يعني تار ونار وعراك وجحيم وعلشان كدة، أخدنا ديلنا في سنانا ونفدنا بأرواحنا من جحيم الانتقام، ومشينا من البلد وجينا القاهرة، لأنها كبيرة وناسها كتيرة، ولا حد داري بروحه ولا بغيره، ونقلنا العيال من المدارس ونقلنا العفش، وأجرنا شقة إيجار جديد، ونظمنا حياتنا على كده، وبدأنا حياة جديدة.
بعد شهر بالظبط قمت من النوم مالقتهوش، ودورنا عليه من جديد لكن خرج ولا رجعش، مارجعش لينا لكن رجع لها هي تاني، وزي ما أخدته مننا في الأول عرفت ترجعه ليها تاني، بس المرة دي الضربة قوية وقاسية، رجع لها بعد ما دمر حياتنا، بعد ما خلانا سبنا ناسنا وبلدنا، وبعنا حالنا وعفشنا، غيرنا سكننا، كان صعب علينا نرجع تاني البلد مشينا هربانين، ولو رجعنا هاينتقموا مننا حتى لو هو رجع لها، خفت على عيالي وخفت منه ومنها واستمريت هنا في القاهرة. صمتت ”فوقية” ثم قالت: أنا خايفة..القسوة دي جينات ووراثة، خايفة العيال يورثوا القساوة منه، ويسيبوني، لغاية ما أموت لوحدي وحيدة، محتاجة، ذليلة منبوذة.
ثم عادت لتكمل: علشان نعيش ابني الكبير اشتغل على توك توك وأنا اشتغلت في حضانة الإيجار وحده 600 جنيه ومرتبي 400 جنيه, ثم وضعت يدها اليمني علي كتفها الأيسر وتأوهت بلا صمت قائلة:صدقيني تعبت من غسيل السجاد والسلالم في بيوت الناس ثم بكت فوقية وأبكت جميع الحاضرين وعلت وجهها حمرة الانكسار والقهر والمذلة,حمرة القهر الممتزج بالحوج, كتمان الآه الممزوجة بألم وجهها الملون بلون الحسرة لاينساه سوي جاحد أو متيبس المشاعر لا أعرف كيف استطاع زوجها نسيانه، لكن يبدو أنها كانت علي حق حينما قالت: إن للقسوة جينات.
نداء
لدينا ثلاث عرائس تحتاج كل منهن إلي المشاركة بالأجهزة الكهربائيةالغسالة والثلاثة والبوتاجاز بالإضافة إلي ملابسهن ومفروشات حجرة النوم وأدوات المطبخ, العرائس الثلاث ينتمين إلي أسر فقيرة جدا, ليس لديهن أي عائد وجميعهن سوف يتزوجن في أول سبتمبر, لن تتسع السطور لسرد حكايتهن والانتظار لجمع المشاركات,لذلك كان علينا إطلاق النداء لمن يريد المساعدة في سترهن,فلا يمكن أن ننتظر النشر والأكليل بعد أقل من شهر,إتمام التجهيزات لا ينتظر التعاطف,لكنه يحتاج الإقدام,والمبادرة وإرجاء التفاصيل فيما بعد, علي من يريد المشاركة في تجهيزهن سواء مساعدة عينية أو نقية والاتصال هاتفيا علي الرقم الموضح أعلاه.
تواصلوا معنا عبر المحمول – 01224003151
تليفون أرضي بجريدة وطني 0223927201
البريد الالكتروني: [email protected]
البريد: مؤسسة وطني للطباعة والنشر – باب افتح قلبك ، 27 ش عبد الخالق ثروت، القاهرة