أثير خلال الأيام الأخيرة جدلاً بشأن مسألة اقتصادية مصرفية تتعلق بسرية الكشف عن حسابات العملاء لدى البنوك، وذلك فى أعقاب تداول تصريحات صحفية على لسان رئيس مصلحة الضرائب يشير إلى أن المصلحة تقدمت بمقترح لتعديل قانون سرية الحسابات بالبنوك، بما يسمح لوزير المالية بالكشف على الحسابات المصرفية للشركات والأفراد في خطوة تهدف للحد من التهرب الضريبي، وأضاف أنه بموجب التعديل “تلتزم جميع الجهات بالسماح لمأمور الضرائب بالأطلاع على الحسابات البنكية بعد موافقة وزير المالية .. ومن ثم صرح طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري بعدم قبول هذا المقترح، كما أوضح رئيس مصلحة الضرائب لاحقا أن ما نشر من تصريحات له في هذا الأمر تمت صياغته على خلاف المقصود من التصريح .
وأكد طارق عامر محافظ البنك المركزي أن حماية سرية الحسابات حق أصيل للبنك المركزي، ولن يتم السماح بالتدخل في شؤونه أو اختراق بيانات العملاء مشيراً إلى أن السماح بالكشف عن حسابات العملاء من جانب جهات أخرى يتعارض مع قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد وسرية الحسابات، منوهاً أنه لايمكن السماح بتعديل قانون البنوك للكشف عن سرية الحسابات بأى وضع، مشيراً إلى أن طلب وزارة المالية ومصلحة الضرائب يُعد خرقاً للقانون، ولا يُمكن للبنك المركزي أن يقبله خاصة فى فى ظل الحرص والمسؤولية عن سرية حسابات العملاء بالبنوك، وقال: “نحن أمناء حافظون لمدخرات المواطن” .
تمكن سلطات الضرائب
أكد عماد سامي رئيس مصلحة الضرائب المصرية احترام المصلحة لقانون سرية الحسابات المصرفية حيث أنها ضمانة للمستثمرين وكافة المتعاملين مع البنوك، وهذا حق أصيل للبنك المركزي وأن هناك إجراءات وآليات قانونية تمكن سلطات الضرائب من مواجهة عمليات التهرب الضريبي وما يتعلق بها من الكشف عن الحسابات المصرفية.
وأوضح رئيس مصلحة الضرائب ان ما نشر على لسانه في هذا الشأن قد تم صياغته على خلاف المقصود من التصريح وأن هذا اللغط من شأنه الإضرار بالحصيلة الضريبية والمساس باستقرار القطاع المصرفي الذي يعد محركا رئيسيا للاقتصاد القومي .
وأكد بيان مصلحة الضرائب المصرية أن القانون رقم 91 لسنة 2005 ينظم عملية الكشف عن الحسابات المصرفية وهذا القانون هو المعمول به والمطبق في هذا الشأن وأن الأصل أن بيانات الممولين لدى مصلحة الضرائب سرية
ولا يجوز الإطلاع عليها إلا بناء على موافقة الممول أو بنص خاص في القانون وكذلك حسابات العملاء في البنوك سرية ولا يجوز الإطلاع عليها وهذه السرية مصونة ولا يجوز الإطلاع عليها إلا بناء على ما ورد باحكام قانون الضريبة على الدخل رقم 91 لسنة 2005 وكذلك قانون البنوك رقم 88 لسنة 2003، مشيراً إلى أن مصلحة الضرائب تهتم بمكافحة التهرب الضريبي من خلال التركيز على بناء قاعدة معلومات إلكترونية عن النشاط الاقتصادي والتعاملات المالية في الأسواق المختلفة إلى جانب التوسع في أساليب الفحص المميكن من خلال خطة طموحة لميكنة المنظومة الضريبية ورفع كفاءتها وإزالة كافة المعوقات التي تواجه المتعاملين مع المصلحة مع الحرص على تحسين مستوى الخدمات المقدمة لهم وقد بدأت الآثار الإيجابية لهذه الإصلاحات تظهر بالفعل على أرض الواقع.
الحفاظ على سرية الحسابات
من جانبه يرى المركز المصري للدراسات الاقتصادية أن هذا النوع من التضارب في الأخبار يعطي مؤشراً خطيراً على غياب الحوكمة بين مؤسسات الدولة المختلفة حيث يغيب التنسيق بين الأدوار وفي القرارات والتصريحات قبل الإدلاء بها، مما يتطلب بشدة إجراء إصلاح مؤسسي شامل وهو ما نادى به كثيراً المركز من قبل، وأضاف: بالرغم مما لنفي مثل هذه القرارات أو الرجوع فيها من تخفيف أو إصلاح للضرر، إلا أنه إجراء غير كاف لما تحدثه مثل هذه التصريحات من بلبلة وإثارة الشك بشأن إمكانية العودة إلى تنفيذ القرار الملغي فيما بعد، بالإضافة إلى ما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات سلبية خطيرة، فهي تضر بمناخ الأعمال في مصر وطاردة للاستثمار، حيث قد يحجم الأفراد والشركات عن إيداع أموالهم بالبنوك مما يعرقل من الجهود المبذولة حاليا نحو الشمول المالي، وقد ينذر بفرار رؤوس الأموال إلى الخارج حفاظا على سرية البيانات المصرفية مما من شأنه الإضرار بالحصيلة الضريبية والجهاز المصرفي ككل وهو ما يمثل الخطر الأكبر.
ويرى المركز أن تتفاقم خطورة هذا المقترح في اعتماده على مأمور الضرائب في التنفيذ حيث يعطي له سلطة الإطلاع على الحسابات البنكية بالرغم من الصورة غير المقبولة لبعض مأموري الضرائب لدى المواطنين عموما، وتعدد الشكاوى من التقديرات الجزافية لبعضهم، وأن هناك حالات محددة يجوز فيها الإطلاع على حسابات العملاء، حيث إن التشريعات في مصر لا تسمح بالإطلاع على بيانات الحسابات المصرفية إلا لصاحب الحساب فقط بهدف الحفاظ على سرية هذه الحسابات، وإن كانت تتيح هذا الإجراء بقرارات من النائب العام وبالأحكام القضائية في أوقات الشك في نزاهة العميل في تقديم أوراق مركزه المالي أو في حالة الشك في مصادر أمواله، وهذا وفقا لنص قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد رقم 88 لسنة 2003.
وذكر “المصرى للدراسات الاقتصادية” أنه من الأجدر إجراء دراسات مستفيضة عن مدى وجود تجارب دولية لمثل هذا الإجراء المقترح، وفي حالة وجودها، يتم توضيح حزمة الإجراءات الموازية التي اتخذتها الدول لتجنب هروب رؤوس الأموال خارج الجهاز المصرفي الوطني للدولة ، وحتى الآن لم يتحقق الإصلاح الضريبي بالشكل الكامل المرجو، وهو ما يستلزم القيام بالعديد من الإجراءات، ومن أهمها إعادة هيكلة مصلحة الضرائب والإدارات التابعة لها لتحسين قدرتها على التحصيل من خلال تزويدها بقواعد بيانات إليكترونية وتدريب العاملين على استخدامها، والحد من خضوع الممولين للتقديرات الجزافية من بعض مأموري الضرائب من خلال العودة إلى النظام الضريبي المطبق سابقا والذي كان يقوم على جعل الممول يقدم إقراره الضريبي على مسئوليته الشخصية، ومن ثم يتم التفتيش العشوائي على عينة لمركزه المالي للتأكد من صحة ما أدلى به ومعاقبته حال ثبوت غير ذلك، مع وضع الآليات التي تكفل ضمان نزاهة مأموري الضرائب وكفاءتهم الفنية في فحص الحسابات وتقدير الضرائب وتحصيلها، وضع نظام ضريبي مبسط للشركات الصغيرة والمتوسطة يقوم على فرض الضريبة المقطوعة، فضلاً عن فصل مصلحة الضرائب عن وزارة المالية، لتحقيق الفصل التام بين وضع السياسات وتحصيل الضرائب.
الجدير بالذكر قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد رقم 88 لسنة 2003 ينص في مادته السابعة والتسعين على أن “تكون جميع حسابات العملاء وودائعهم وأماناتهم وخزائنهم في البنوك وكذلك المعاملات المتعلقة بها سرية، ولا يجوز الإطلاع عليها أو إعطاء بيانات عنها بطريق مباشر أو غير مباشر، إلا بإذن كتابي من صاحب الحساب أو الوديعة أو الأمانة أو الخزينة، أو من أحد ورثته أو أحد الموصي لهم بكل أو بعض هذه الأموال، أو من النائب القانوني أو الوكيل المفوض في ذلك أو بناء على حكم قضائي أو حكم محكمين.
ويسري الحظر المنصوص عليه في الفقرة السابقة على جميع الأشخاص والجهات بما في ذلك الجهات التي يخولها القانون سلطة الاطلاع أو الحصول على الأوراق أو البيانات المحظور إفشاء سريتها طبقاً لأحكام هذا القانون، ويظل هذا الحظر قائما، حتى لو انتهت العلاقة بين العميل والبنك لأي سبب من الأسباب”.