لم أتعلم في دراستي للصحافة قدر ما تعلمته علي يد الأستاذ صفوت عبد الحليم,وكنت أفضل حظا عندما اقتربت شخصيا منه, فتعلمت علي يديه, ولم ألمس منه ألا الحب والعطاء,طالما حييت لن أنسي هذا الرجل الكريم, أتذكر دائما حنوه وقت كنت أجلس بجواره عند تصحيح أ ي مادة,بالكلمة كان يقرأ المادة سرا ,وعندما يريد تغيير كلمة يقول لي السبب, ولا أنسي أنه كان يطلب مني إعادة كتابة المادة كلها أكثر من مرة, أتعلم.
كنت أنتظره في المكتب,وعندما يراني كانت نظرة الابتسامة تعلو وجهه, وكنت أحب الجلوس معه, وأشتاق لأي كلمة تخرج من فمه, كان أستاذي يعرف كل شيء,وكانت لكل مشكلة عنده حل في كلمتين, وفي كل المناسبات يكون أول المجاملين,وصدق الشاعر عبد الرحمن الأبنودي عندما قال: أحلي ما في الفرحة بتنسي الكبير سنه, وأحلي ما في الحزن كل الحكمة تيجي منه.
أستاذي كان متواضعا,ويداعب الكل وينزل في حديثه لأصغر الناس,ويحارب ليكسب حب الجميع وينتصر,ولا يبخل علي أحد بكلمات الأطراء.
في ذاكرتي مواقف شخصية محفورة علي الصخر,ففي وقت المحنة كان يدافع ويقول: الواد دا غلبان ويجي منهوعندما اغضبه كان يقول:ابني وليتني ما أنجبتك,وعندما أقدم له موضوعا يعجبه كان علي الفور يخرج من محفظتهجنيه ويعطيه لي, وكنت أصر علي أن يكتب عليه أهداء.رغم فارق القامة والمقام كنت أشعر أنه صديق وأب.
عندما تسمعه يتحدث عن الصحافة والكتابة الصحفية تجده صحفيا من الطراز الأول,يعرف شيئا عن كل شيء, ويشارك أبناءه وكأنه يعطي درسا عمليا في التدقيق.
وأتذكر أنه أرسلني مرة لمنطقة الغورية,وطلب مني إحضار خريطة العالم ودساتير مصر القديمة وغيره, وكنت أوفر حظا من غيري في طلباته, لأني كنت ملاصقا له, رغم أني وقتها لم أكن من مجموعة الديسك التي كانت في غرفته.
الأستاذ صفوت تعلمت منه الغيرة علي الدين, وعندما كان يحدث انفجار أو عمل إرهابي ويتهم فيه المسلمون, كان يظهر غيرة شديدة علي دينه,ويشجب ويندد هؤلاء الغوغاء وعندما كان يلتقي بالقمص روفائيل سامي كان علي الفور يقوم ويقبل يده ويقول له:إزيك يا سيدنا.
كنت اسمعه يعامل زوجته-وهو عمره أكثر من سبعين سنة- وكأنهما عشيقان في أيام الخطوبة وقبل أن يغادر العمل كان يتصل تليفونيا بزوجته ليفتقد طلباتها,ويبدأ حديثه بالضحكات قائلا:إزيك يا مراتي يا مفلساني.
أنا فخور أنني يوما عرفت الأستاذ صفوت عبد الحليم وفخور أني أحد أبنائه في بلاط صاحبة الجلالة.وفخور بما علمه لي. وفخور أني يوما عرته,الله يرحمك يا أستاذي ويعوض تعب محبتك وأفضالك علي.
ابنك
عادل منير