رأيتهم يحملون ميتًا على أكتافهم. كانوا يبكون عليه بِحُرْقَة، فنظرت في وجوههم لكى أرى وجه المسيح فلم أجده .. فبكيت أنا أيضًا .. بكيت وأنا لا أعرف هذا الميت ولا هؤلاء الناس الذين يحملونه .. بكيت؛ فأنا أحاول أن أكون إنسان بعد أن سلبتني الأيام إنسانيتي ومشاعري وقلبي. فقد أخذتني السنين بعيدًا عن نفسي، فأصبح هناك زمن بين وبين نفسي. هناك حاجز بين ملامحي و ملامح المسيح .. بكيت لأني لم أرى وجه المسيح في وجوه الناس فقد ضعنا وضاعت ملامحنا نحن المخلوقين على صورة الله ومثاله. كل واحد منا يجرى بكل قوته في دنيا سوف تعطيه في النهاية قبرًا يرقد فيه مؤقتًا إلى أن يتحول إلى حفنة من التراب تختلط مع تراب الأرض.
وليس من العيب أن يفكر الإنسان في أن يعيش حياة كريمة، ولكن العار أن يصبح كل تفكيره منحصر في هذا الموضوع. العار أن يقدم الإنسان كل تفكيره وقلبه ومشاعره قربانًا لهذه الدنيا. وها هي النتيجة نراها أمام أعيننا، فنحن الأن في زمن قَلَّت فيه المحبة وإنتحر فيه الأمان. وأصعب ما في الحياة أن يفقد الإنسان المحبة والأمان حيث يصبح فريسة للخوف والقلق والإضطراب ..
بكيت عندما رأيت الناس يبكون على الميت وتركوا المسيح القادر أن يقيم هذا الميت .. شعور صعب جدًا أنني لم أرى وجه المسيح في وجوه الناس .. فأنا محتاج أن أرى عيون المسيح الحانية التي كلما نظرت إليها شعرت بأن الأمان يملأ الكون .. محتاج أن أرى ملامح المسيح؛ هذه الملامح التى تعظ وتعلم بدون كلام، فقد أصبح الكلام يملأ الدنيا بدون فائدة .. محتاج أن أرى قلب المسيح في قلوب الناس، هذا القلب الذي يبتسم ويشجع .. محتاج أن أرى ذراع المسيح لكي ينتشلني من موتي ويخلصني من ضعفي. ولكن مع الأسف لم أرى هذا كله بين الناس وأدركت أن الحل الوحيد أن أنظر الى المسيح دون سواه، أدركت معنى الكلمة التى قالها معلمنا بولس الرسول(نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ،)(عب١٢: ٢). ونظرت إلى الميت الذي يحمله الناس وتذكرت هذه الحياة المجهولة التى بعد الموت، ولكنني قُلْتُ في نفسي وإن كان الموت لا يزال لغز بالنسبة للبشر لكنني مطمئن فأنا أعلم شيئًا واحدًا، وهو أن المسيح سوف يكون موجود هناك في هذا العالم الآخر .. وهذا يكفي.