دخل يونان جوف السفينة و تغطى ونام و كأنه بنومه قد زالت عنه المشكلة ، امرمضحك يتكرر كل يوم و من آلاف السنين لكنه فى الواقع امر مؤسف خطير يصير فيه حالنا كالنعامة التى تدفن رأسها فى الرمل هربا من الصياد، ربما تختلف استراتيجية الهروب من عصر لآخر لكن الفكرة واحدة لدرجة ان الانغماس فى الأكل أحيانا قد يفى بالغرض و النوم اصبح ملاذا يلتجئ إليه الإنسان الضعيف كلما اهتز سلامه.ما أسهل على الإنسان الهروب من واقعه و ما فيه من مشاكل أوضعف إمكانيات مثلما تصرف ابونا آدم بعدما عصى الله ، اختبأ فى الجنة مع انه يعلم ان الله يراه و يعرف كل تفاصيل ما حدث.
و الأسوأ من هذا عندما يكون الهروب من القلق و الضيق بالانغماس فى الشرور كالتطفل على احوال الآخرين و النميمة و الادانة و القيل و القال ، مع ان هذه السلوكيات هى سبب فتور و تعاسة الإنسان روحيا، قال مار اسحق: من يزيل من ضميره النظر الى هفوات قريبه يزرع السلام فى قلبه.
سلامنا الداخلى لن يتحقق بهروبنا من واقع مشاكلنا بل من مصارحة النفس و مواجهتها بالعمل الايجابى فالهروب يزيد الطينة بلة و يفاقم المشاكل اما الصبر و المثابرة فيعطيان الحياة قيمة و طعم حتى النوم يكون بعمق “نوم المشتغل حلو”(جا ١٢:٥ ).
يأتى السلام القلبى حين يتمم الإنسان جهاده على أكمل وجه فكما أن النجاح لا يأتى على طبق من ذهب كذلك الإخفاق لا يأتى صدفة “يد المجتهدين تسود أما الرخوة فتكون تحت الجزية” ( ام ٢٤:١٢) “الرخاوة لا تمسك صيدا اما ثروة الإنسان الكريمة فهى الإجتهاد” (ام ٢٧:١٢ ).
كانت هيلين كيلر شبه إنسانة ، لا تسمع، لا تتكلم و لا ترى لكنها كانت متقدة الذكاء تعرف ان هناك شيئا فيها مختلف عن الآخرين من حولها الأمر الذى كان يصيبها بالغضب و الاندفاع فى الصراخ و الرفس حتى تنهك قواها، كيف صارت هذه واحدة من أنبه الأدباء فى عصرها!! إنه لأمر أقرب إلى المعجزة. لقد واجهت نفسها و تحلت بالصبر فيما تعانيه من عجز مثلث حتى أنها ألفت ثمانية عشر كتابا و ترجمت كتبها الى خمسين لغة وهى ترشدنا الى طريقة التغلب على صعوبات الحياة قائلة: «عندما يُغلق باب السعادة، يُفتح آخر، ولكن في كثير من الأحيان ننظر طويلا إلى الأبواب المغلقة بحيث لا نرى الأبواب التي فُتحت لنا.»لذلك ينبغى علينا ان نواجه المشكلة بصراحة مع النفس حتى نجد الحل او كما تسميه هيلين كيلر الباب المفتوح.
و الله لاينسى النفس الامينة المثابرة مثلما افتقد يوحنا الحبيب برؤياه الرائعةليعوضه صبره و جهاده فى اخر ايام حياته و هو يريه بابا مفتوحا فى السماء قائلا له “اثعد الى هنا فأريك ما لابد أن يصير بعد هذا” ( رؤ ١:٤ ).