امتلاؤهم من الروح القدس
كان عمل الروح القدس فيهم هو الشرط الأول لخدمتهم, ولهذا قال لهم الرب: لا تبرحوا أورشليم حتي تلبسوا قوة من الأعالي (لو24:49). وقال لهم أيضا:
ولكنكم ستنالون قوة متي حل الروح القدس عليكم. وحينئذ تكونون لي شهودا (أع1:8).
وهكذا انتظروا وعد الرب, ولم يبدأوا الخدمة إلا بعد أن حل الروح القدس عليهم في يوم الخمسين, وهكذا استطاع بطرس الرسول- بقوة الروح الذي فيه- أن يجذب ثلاثة آلاف إلي الإيمان بعظة واحدة.
إنه درس للذين يخدمون قبل أن يصلوا إلي حياة روحية تساعدهم علي الخدمة.
وكان الروح القدس هو الذي يرشدهم.. وهو الذي يتكلم علي ألسنتم, وهو الذي يحدد لهم المكان الذي يذهبون إليه, وهو الذي يقود مجمعهم المقدس, ولهذا بدأوا أول قرار مجمعي لهم بقولهم.
رأي الروح القدس ونحن (أع15:28).
وهكذا كانت الكنيسة الأولي هي كنيسة الروح القدس, يتولي فيها الروح عمل كل شئ, وما الرسل سوي أوان خزفية في يد الروح.. وكان الروح هو الذي يدعو الرسل للخدمة.. ولعل هذا كان واضحا جدا في دعوة برنابا وشاول إذ يقول الكتاب في هذا عن الآباء الرسل:
وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس أفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إيه.. فهذان إذ أرسلا من الروح القدس, انحدرا إلي سلوكيه.. (أع13:2, 4).
وحينما كانوا يقومون بخدمة الكلمة ما كانوا يتكلمون من ذواتهم, إنما ما كان الروح يضعه في أفواههم, هذا كانوا يقولونه للناس, ولعل هذا هو تنفيذ لوعد الرب لهم حينما قال:
تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به لأن لستم أنتم المتكلمين, بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم (مت10:19, 20).
هذ هو سر نجاح الكنيسة بلا شك وهذا هو سر قوة الكلمة وتأثيرها في النفوس, ولهذا قيل عن الكلمة التي يضعها الرب في أفواههم كلمة الله حية وفعالة وأمضي من كل سيف ذي حدين.. (عب4:13).
وهكذا في خدمة آبائنا الرسل يتحدثون عن عمل النعمة فيهم:
عمل النعمة فيهم
كان كل ما عندهم من مقدارات ومن إمكانيات, سببه هو عمل النعمة, وهكذا يقول القديس بولس: ولكن بنعمة الله أنا ما أنا, ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة (1كو15:10), وما أجمل قوله:
ولكن لا أنا, بل نعمة الله التي معي (1كو15:10).
وما أكثر حديث هذا الرسول العظيم عن النعمة, وحديث سفر أعمال الرسل واضح من جهة عمل النعمة من جميع الرسل إذ يقول:
وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع. ونعمة عظيمة كانت علي جميعهم (أع4:33).
مسبحين الله ولهم نعمة لدي جميع الشعب (أع2:47).
وكان اهتمام الرسل بكلمة النعمة كثيرا جدا لدرجة أنهم كانوا يبدأون بها رسائلهم قائلين:
نعمة لكم وسلام (رو1:7).
راجع أيضا غالبية الرسائل مثل (1كو1:3), (2كو1:2), (غل1:3), (أف1:2), (في1:2).
وكانت هذه هي كلمة البركة التي تختم بها الاجتماعات أو الرسائل, قائلين:
نعمة ربنا يسوع المسيح, ومحبة الآب, وشركة الروح القدس مع جميعكم (2كو13:14).
ومما نمجد فيه آباءنا الرسل, القوة والشجاعة والجرأة التي اتصفوا بها.
الجرأة والقوة والشجاعة
هذه الشجاعة التي كانت لهم في القيام برسالتهم, علي الرغم من كل التهديدات والصعوبات والمقاومات التي تعرضوا لها.. وفي مقدمة الأمثلة موقف الرسل, حينما منعهم رئيس كهنة اليهود, فأجابه بطرس بكل شجاعة.
ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس (أع5:29).
هذه الشجاعة التي وقف بها بولس الرسول أمام مجامع اليهود, وأمام ولاة الرومان, حتي أنه حينما تكلم وهو أسير ارتعب فيلكس الوالي (أع24:25).
وحينما وقف أمام أغريباس الملك الروماني, قال له بكل جرأة: أتؤمن أيها الملك أغريباس بالأنبياء؟ أنا أعلم أنك تؤمن (أع26:27).
وبنفس الشجاعة التي كانوا يتكلمون بها هكذا أيضا بكل شجاعة استقبلوا الموت..
وما كانوا يخافون من عذابات ولا من سجون, إنما كانوا أقوياء, وما أجمل تلك العبارة الخالدة المؤثرة التي قالوها:
إن عشنا, فللرب نعيش, وإن متنا فللرب نموت, فإن عشنا, وإن متنا, فللرب نحن (رو14:8).
هؤلاء هم آباؤنا الرسل الذين نعيد لهم, والذين صمنا صوما علي اسمهم لكي نشترك معهم في الصوم, لأنهم كانوا مشهورين بالصوم والصلاة.
الصوم والصلاة في حياتهم
لقد بدأوا خدمتهم بالصوم, وعن هذا قال عنهم الرب: ولكن متي رفع عنهم العريس, فحينئذ يصومون (متي9:15).
ـ وقد نصحهم الرب من جهة إخراج الشياطين قائلا: إن هذا الجنس لا يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم (متي17:21).
ولهذا قال القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زملائه في الخدمة:
في أتعاب في أسهار في أصوام (2كو6:5), وقال: في أصوام مرارا كثيرة (2كو11:27).
وفيما كان الرسل يصومون, كلمهم الرسل عن اختيار برنابا وشاول (أع13)..
أما عن الصلاة فقد شرح الكتاب كثيرا من صلواتهم, ودخولهم الهيكل في صلاة الساعة التاسعة (أع3:1).
وقال بطرس الرسول في سيامة الشمامسة السبعة:
أما نحن فنواظب علي الصلاة وخدمة الكلمة (أع6:4).
وبعد, أترانا نستطيع أن نسرد كل فضائل آبائنا الرسل؟ لست أظن هذا وإن حاولنا نحن, فإن هذه الصفحة لا تستطيع.