كثير من الناس يتساءلون: أين الله من الشر الموجود في العالم؟ أليس الله رحيم ومحب وحنون، فكيف يسمح بكل هذا الشر الموجود في العالم؟ إن كان الله قوي وقادر على كل شيء فلماذا لم يمنع الشر؟ وأصبح أمام الناس معادلة يصعب حلها. فكيف نعترف بوجود إله محب ورحيم وقادر على كل شيء أمام وجود الشر في العالم بهذه الطريقة البشعة، حتى كاد الناس يشعرون أن العالم أصبح كالغابة، وقد تتطور هذه الأفكار إلى أن تصل بالإنسان إلى إنكار وجود الله أو إنكار محبته ورعايته، وقد يعتقد الإنسان في هذه الحالة أن الله يجلس في برج عاجي لا يهتم بشيء ولا يهتم بأحد.
ولمناقشة مسألة وجود الشر في العالم نذكر النقاط التالية:
اولًا/ الله المحب للإنسان خلقه كائن حر الإرادة ولم يشأ أن يخلقه كائنًا بَهيميًا ليس له إرادة بل مقهور ومُجْبَر على عمل الخير. وقد يتساءل البعض لماذا خلقنا الله أحرار؟؟ للرد على هذا السؤال نقول: أن الله من محبته للإنسان أنه خلقه على صورته ومثاله، فالإنسان نفخة من روح الله فلذلك ليس من المنطقي أن يكون الله حر وتكون النفخة التي من روحه غير حرة، فهذا معناه أن الله يناقض نفسه .. حاشا، ولكن الله أعطى للإنسان حرية لكي يحبه بحريته ويفعل الخير بحريته وهنا تظهر قيمة الإنسان ومعدنه. والله لم يخلق الشر ولكنه خلق الإنسان لأعمال صالحة سبق أن أعدها له (لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا.)(أف٢: ١٠). ولكن الحرية التي أعطاها الله للإنسان هي التي أوجدت الإختيار أمام هذا الإنسان، فقد يختار بإرادته الخير وقد يختار بإرادته الشر أيضًا. كذلك من محبة الله للإنسان أنه يحترم كل شيء في هذا الإنسان، فعلى الرغم أن الله كلي القدرة إلا أنه يحترم حرية إرادة الإنسان. وليس من الطبيعي أن يستعمل الله قوته في قمع الإنسان وسلب إرادته وإلا أصبح إله دكتاتوري .. حاشا. كما أن عمل الخير بالإجبار لا يعتبر خيرًا بالحقيقة لأن قيمة الخير تكمن في أن الإنسان يصنعه بإرادته وبكامل حريته. ولكن هذا ليس معناه أن الله يترك كل أحد يفعل مايشاء فيأكل القوي الضعيف ويتحول العالم إلى غابة وتسود شريعة الحيوان. ولكن هناك توازن بين عدل الله وطول أناته وإحترام حرية إرادة الإنسان. ولكن الإنسان يريد أن يرى العدل الإلهي في الحال وفي نفس اللحظة. فمثلًا سمعنا أن أحد الإنتحاريين قام وفجر نفسه في أحد الكنائس ونتج عن هذا عشرات القتلى والمصابين، لا شك أن هذا شيء صعب ويترك في القلب مرارة وألم وذكريات مُرَّة، ولكن هناك بعض الناس يريدون أن يروا عقاب الله الفوري لهؤلاء الأشرار، لكن الله ليس مثل البشر فهو غير إنفعالي. ويذكر القديس لوقا الإنجيلي أن السامرة عندما أغلقت أبوابها في وجه السيد المسيح، في الحال قال له يعقوب ويوحنا (يَا رَبُّ، أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ،)(لو ٩: ٥٤) ولكن السيد المسيح رفض هذا الكلام قائلًا لهما(لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا) (لو ٩: ٥٥)، لأن السيد المسيح غير إنفعالي. لذلك كل إنسان يجب أن يدرك هذا الأمر وينتظر عدالة الله في الوقت المناسب الذي يحدده الله نفسه.
ثانيًا/ قد يعترف الإنسان أنه عاجز عن تفسير كثير من الظواهر وكثير من النظريات العلمية، لكنه مع الأسف لا يعترف أنه عاجز أمام مقاصد الله على الرغم أن الله هو الخالق لهذه الظواهر، ويقول معلمنا بولس الرسول
(يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ)(رو ١١: ٣٣). ونحن لاينبغي أن نتعجب أو نستنكر موقف الله من الشر، ولكن يجب أن نعترف أن الله له حكمة وحكمته تفوق فهمنا وقدراتنا العقلية.
ثالثًا/ الله جعل لكل شيء وقت فالزرع له وقت والحصاد له وقت، ونحن في هذا العالم نُعْتَبَر في وقت الرحمة وليس وقت العقاب، وقد حدد الله وقت حيث يقف جميع البشر أمامه ولا يفلت أحد من عدالة الله، وإن كان الله بين الحين والآخر يصدر أحكام على الأشرار في هذا العالم وذلك حتى لا تخور قوة الأبرار. ولكن العدل المطلق ليس مكانه هذا العالم.