التقت وطني بالدكتورة كريستين زاهر، وهي عائلة مسيحية، لديها شقيقة وحيدة أصغر منها اسمها “آن”، وهي متزوجة ولديها طفلة اسمها “لي لي”، وتبلغ من العمر 37 ، وهي مسيحية متدينة تؤدي الصلوات والصيام بالتزام، واعتادت الذهاب للكنيسة، وعندما نشأت في صغرها كانت أول ما تعلمته من والديها “الدين لله والوطن للجميع حقًا وفعلًا”، وتؤكد أنها نشأت في بيتها المسيحي على تقبل الآخر واحترامه، وأن ذلك ما تحاول أن تغرسه في طفلتها ” لي لي” ذات السنوات الست.
“كريستين زاهر حنا”، أستاذ مساعد مناهج وطرق تدريس اللغة العربية، والدراسات الإسلامية بكلية التربية بجامعة بورسعيد، هي أول طالبة قبطية مسيحية تتخصص في اللغة العربية والدراسات الإسلامية على مستوى جامعات الجمهورية، ثم تصبح معيدة ثم أستاذا مساعدا، لتحقق أشبه ما يكون بشيء “خارق للطبيعة”، وتكون محط تقدير واحترام من الجميع.
وأكدت الدكتورة كريستين أنها بعد تعيينها معيدة في الكلية بدأت رحلة علمها الطويلة، ففي عام ٢٠٠٣ نالت الدبلومة العامة، ثم دبلومة خاصة في العام التالي بتقدير جيد جدًا، وبعد ذلك التحقت بالماجستير، وحصلت على درجة الماجستير من جامعة عين شمس عام 2006، وكان موضوع رسالتها: “تقويم تدريس الأدب العربي بالصف الأول الثانوي العام.. بعد ذلك في ٢٠١٠ حصلت على درجة دكتوراه الفلسفة في تخصص المناهج وطرق التدريس، وكانت رسالتي بعنوان: “فعالية استخدام إستراتيجية المسارات المتعددة ومراقبة الفهم في تنمية مستويات الفهم القرائي لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية.”
وفي هذا اللقاء تروي لنا الدكتورة كريستين زاهر حنا، قصة كفاحها خلال مشوارها الجامعي، لتكون نقطة مضيئة من “المحبة” بين الديانتين.
قالت “الدكتورة كريستين”: أعشق اللغة العربية وأنا في الثانوية العامة وتفوقت فيها، وعندما دخلت كلية التربية بجامعة قناة السويس، حين ذلك قبل أن تكون جامعة بورسعيد الآن، كان النظام بها التخصص من السنة الثالثة، وكان أمامي خياران بعد انتهائي من السنة الثانية في الكلية، إما أن ألتحق بقسم الدراسات الاجتماعية أو قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية.”
وتابعت: “قررت الالتحاق بقسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية، بالرغم من غرابة الاختيار، والذي اعتبره البعض فوق العقل وأقرب ما يكون للجنون والانبهار عن التصديق.”
وأضافت أستاذة الدراسات الإسلامية: “عندما قمت بملء استمارة التقديم للقسم، انتابت الجميع في الكلية وخارج الكلية حالة من الذهول التام فكيف سأتمكن من الدراسة في الدراسات الإسلامية بالرغم من كوني مسيحية، وبعدما تأكد الجميع من حبي لدراسة اللغة العربية وذلك المجال شجعني زملائي ودعموني جدا.”
وعن شروط الالتحاق بقسم اللغة العربية, والدراسات الإسلامية، قالت: “كان من شروط الالتحاق بالقسم أن يحفظ الطالب ثلاث سور من القرآن الكريم”.
وتكشف: “عرض عليَّ أساتذتي إعفائي من هذا الشرط، لكني لم أوافق، وأصررت على أن تتم معاملتي مثل أي طالب سيلتحق بالقسم، وبالفعل قمت بحفظ سور الإسراء والنبأ والنور.”
وتلفت أستاذة الدراسات الإسلامية: “بعد ملء الاستمارة استدعتني بعض الجهات الأمنية لمعرفة السبب وراء اختياري التخصص في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وبعدما تم التأكد من أن سببي وراء ذلك يخلو من أي أغراض أو أي محاولة للظهور، وأن اختياري يرجع لحبي للعلم، رحبوا ولم أجد أية مشكلات”.
وتشير الدكتورة كريستين زاهر: “تفوقت في السنة الثالثة والرابعة في الكلية بعدما تخصصت في اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وبالفعل كنت الأولى على الدفعة، وفي إحدى السنتين أيضا كان تقديري امتياز في الدراسات الإسلامية”.
وتستكمل: “كان الأساتذة يقولون لي سنعفيكِ من حفظ القرآن، ولكني كنتُ مصرة على الحفظ، كما أن أصدقاء والدي المسلمين تسابقوا لإمدادي بكتب التفسير وشرح الأحاديث لكي أستطيع أن أفهم ما يصعب فهمه وقتها”.
وتشير إلى أنها درست الفقه, والشريعة, والتلاوة, والتجويد, والأحاديث الشريفة, وغيرها من فروع الدراسات الإسلامية، وذلك أثناء دراستها في السنة الثالثة والسنة الرابعة في الكلية، حتى تخرجت في الكلية.
وبخصوص موقف الكنيسة والأقباط عندما تم اختيار دكتور كريستين الالتحاق بقسم اللغة العربية والدراسات قالت: “في البداية كان الجميع يسألني هل ستستطيعين؟!، فكان الكل يخشى على من صعوبة التجربة التي سأخوضها.”
وتوضح: “قوبلت بتشجيع من الكنيسة وترحاب منقطع النظير، ووجدت دعمًا وتشجيعًا من اقاربي المسيحيين بشكل كبير وعلى رأسهم أبي وزوجي، فالكل كان يري بأني سأقدم على أمر خطير، وتجربة قوية طلبا للعلم والمحبة، وذلك بالرغم من انبهار الجميع بقرارى وتجربتي التي أعلن الجميع احترامها وتقديرها”.
وتؤكد الأستاذة القبطية: “أحيانا كنت أواجه مشكلة في فهم الأحاديث، وكان أصدقاء أبي المسلمون يمدونني بالكتب والتفاسير ويشرحون لي.”
وتابعت: “أحيانا كثيرة كان أساتذة الكلية أثناء دراستي يطلبون مني أن أقوم بإجراء دراسات في مقارنة الأديان مثل إعداد دراسة لمقارنة الصوم في الإسلام وفي المسيحية ومقارنة بين الزواج في الإسلام وفي المسيحية، كما أنني كنت أدرس قضايا معاصرة للمرأة المسلمة.”
وتوضح قائلة: “قدمت عددًا من الأبحاث في مقارنة الأديان، بجانب أبحاث عن الطب النبوى، ومكانة العلم في القرآن والسنة النبوية.”
وتضيف الدكتورة كريستين زاهر أنها أثناء دراستها تعرفت وفهمت أمورًا في الدين الإسلامي كانت مبهمة بالنسبة لها، وضوابط الإسلام التي كانت غامضة بالنسبة لها من قبل، فأصبحت توضح لأقاربها وزملائها الأقباط مثلا قواعد تعدد الزوجات في الإسلام، وأن الموضوع ليس متاحًا بدون ضوابط وشروط وأسباب.
وتكمل: “أيضا زملائي المسلمين يسألونني كثيرا عن أشياء في الديانة المسيحية فأوضحها لهم وأشرحها، فأصبحت بين الجانبين محورًا للاستفسارات.”
وتضيف الأستاذة المسيحية: “بعد دراستي في الدراسات الإسلامية، تأكدت أن جميع الأديان السماوية تصب في بوتقة واحدة وهي التسامح والمحبة، فلو تمسكنا بتعاليم الأديان السماوية الحقيقية سنعيش في تسامح، وكل منا سيتقبل الآخر لأن الدين المعاملة”.
وتؤكد: “هناك نقاط مشترك كثيرا بين الإسلام والمسيحية، وهى أساس الديانتين، ويجب أن تكون محور كلامنا وتركيزنا كالمحبة والتسامح، كما أن أساسيات الأديان واحدة مثل ضرورة الصلاة والصوم، فبالرغم من اختلاف مسميات وطبيعة الصوم والصلاة في الديانتين مثلا إلا أنه في الديانتين نصوم ونصلي لله، كما أن هناك قصصًا كثيرة وردت في الإنجيل والقرآن واحدة.”
وتشير قائلة: “للأسف نحن نبحث دومًا عن الاختلافات بين الديانة الإسلامية والديانة المسيحية ليكون ذلك محور حديثنا، مع أنه يجدر الاهتمام بالنقاط المشتركة وليس المختلفة.”
وعن أهم الصعوبات التي واجهتها لتعيينها معيدة في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية قالت: “بالفعل لأني كنت الأولى، وتم ترشيحي لأكون معيدة بالجامعة، ولكن واجهتني بعض العقبات.. ولكني لم أسمح لعقلي بأن يقتنع بأن تلك العراقيل ترجع لكوني مسيحية، ولكنها محض صعوبات طبيعية تواجهها أي مواطنة سيتم تعيينها في منصب معيدة بجامعة.. وبعد فترة من استمرار المعوقات استدعاني رئيس الجامعة في تلك الفترة الدكتور السعيد الشامي، رحمه الله، وقال لي أنتِ من الحسنات في تاريخ مصر وشجعني.”
وتابعت: “لجأت إلى شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي لتعييني كمعيدة، وشرحت له قصتي كاملة وما درسته والأبحاث والدراسات التي قدمتها خلال مشوار دراساتي ودرجاتي العلمية، وبالفعل تدخل فضيلة شيخ الأزهر لقبولي معيدة في قسم الدراسات الإسلامية بعدما لم يجد ما يمنع من ذلك.”
وأوضحت الدكتورة كريستين زاهر أن شيخ الأزهر خاطب وزير التعليم العالي الدكتور مفيد شهاب في ذلك الوقت، وقام بالكتابة بخط يده على طلبي، والذي تم إرساله لوزير التعليم العالي: «للتكرم بالاطلاع واتخاذ ما يراه سيادته حقًا وعدلًا”، وبالفعل وخلال أيام تم تعييني معيدة في الكلية.
وتضيف: “حرصت على أن أجعل طفلتي عندما تسمع الأذان في التليفزيون لا تقوم بإغلاق التلفاز أو خفض صوته، حتى أغرس فيها احترام زملائها المسلمين ومحبتهم وتقبل الآخر وأكدت لها منذ الصغر أن تقبل الآخر وتقدير ديانته أمر ضروري حتى نعيش كلنا في محبة.”
وترى الدكتورة كريستين أن تجديد الخطاب الديني ضرورة ملحة في هذه الفترة، على ألا يتم ذلك من قبل جامعة الأزهر ولا الجامعات ولا المساجد ولا الكناس فحسب، ولكن يجب أن يبدأ ذلك من مراحل الطفل الأولى في الدراسة.
وتابعت: “لابد من دعم المناهج التربوية بأجزاء خاصة بتعاليم الأديان من التسامح والمحبة والخير والخصال الحميدة التي أوصانا بها الإسلام والمسيحية على حد سواء، مع وضع آيات من القرآن والإنجيل تؤكد على تلك الخصال الحميدة لغرسها في نفوس الطلاب الصغار والتأكيد بأن الديانتين يدعوان للمحبة”.