تشهد الاديرة المصرية نهضة عمرانية وتنموية وروعوية كبيرة ، ومسؤليتها الوطنية جعلتها تسعى لخدمة المجتمع , علاوة على اكتفائها ذاتيا ومساعدتها للاخرين … قامت “وطنى” على مدار الأعوام السابقة بجولات فى العديد من الأديرة المصرية … فى هذا العدد تقدم “وطنى” دير, مارمينا بإبيار الشهير “بالحبيس” بالغربية , وذلك لالقاء الضوء على حكاية هذه الاديرة العامرة بالايمان والاعمال المتجلية فى العديد من الانشطة الاجتماعية والاقتصادية وخدمة المجتمع ….
تاريخ إبيار
يشرف على الدير نيافه الحبر الجليل الانبا بولا اسقف طنطا وتوابعها… تقع مدينة إبيار بمركز كفر الزيات شمال غرب طنطا فى محافظة الغربية … وتبعد عنها مسافة 14.5 كم ويرجع الاسم إلى دخول العرب مصر , حيث ترجموا اسمها القبطى الذى يعنى القناة إلى أبيار ” أى عدة آبار ( لتشابه النطق بين كلمة ” `Piar ” القبطية وكلمة أبيار العربية ) , جاء ذلك نتيجة لخطأ فى ترجمة الاسم من القبطية إلى العربية , حيث تعنى إبيار القناة … وواقع هذه البلدة أنها كانت جزيرة يحيط بها النهر فإن اسم أبيار الذى ترجم إلى عدة أبيار ( أو جمع كلمة بئر ) يعنى أن البلد تعيش على المياه الجوفية وهذا عكس الحقيقة , وهى من القرى القديمة بمحافظة الغربية وكانت تسمى قديماً المنطقة التى تقع فيها أبيار بجزيرة بنى نصر وكان يحد هذه الجزيرة عدة قرى هى منوف العليا والبندارية وفيشا سليم وقليب أبيار وتنتهى الجزيرة بقرية ببيج …. ولقد وردت إبيار فى معجم البلدان على أنها قرية بجزيرة بنى نصر بين مصر والإسكندرية وفى تحفة الإرشاد إبيار من أعمال جزيرة بنى نصر وكانت مشهورة إبيار بالأسواق وبالقماش الإبيارى …. كانت إبيار من الإيبارشيات القديمة وتوجد إشارات كثيرة لوجود كرسى أسقفى فى إبيار استمر فترة طويلة والآباء الأساقفة الذين ذكروا فى تاريخ الكنيسة لهذه الإيبارشية مذكورين بقسم الآباء الأساقفة المتنيحين .
ويوجد أسقفية إبيار فى العصور الوسطى حتى منتصف القرن الرابع عشر … وذكر أبو المكارم 1209 م فى كتابه الكنائس والأديرة فى القرن الثانى عشر أن منطقة إبيار أسقفية كان يوجد بها ستة كنائس كالآتى : – كنيسة السيدة العذراء مريم والدة الإله – كنيسة فيلوثاؤس الشهيد – كنيسة بيلاطس البنطى الذى آمن واستشهد على اسم السيد المسيح على يد طيباريوس قيصر – كنيسة مارجرجس عدى عليها البحر – كنيسة لأبو مينا بحرى المدينة وبها قلاية للحبساء وسور داير – كنيسة للملاك ميخائيل , ولقد ذكرت هذه الكنائس أيضاً فى كتاب الملحقات فى أسماء الآباء البطاركة فى الكنيسة لأبى المكارم وحالياً لا يوجد سوى كنيسة السيدة العذراء ودير مارمينا الأثرى ويبعد حوالى 2 كم عن قرية إبيار , وأيضاً مذبح خاص باسم مارجرجس داخل الكنيسة الأثرية لمارمينا إحياءً للكنيسة التى غرقت قديماً ….يقع الدير شمال قرية ابيار فى منطقة كفر الزيات , فالدير قريب جدا لمكان قديم الذى يسمى ” نيكيوس ” والد مارمينا الذى اعتاد ان يعيش فى هذه البلدة التى تسمى ” أبشادى ” وفى ما بعد ابيار , وطبقا للأنبا ساويروس أسقف أشمون وأبو المكارم 1209 .
اسم الدير
اسم الدير ذكر فى كتاب الرسومات ” التكريس ” الذى يرجع تاريخه الى القرن الحادى عشر كالآتى : مارمينا بابيار – أبومينا بابيار – مارمينا بالبيار وذكر فى بعض الكتب التاريخيه الأخرى مثل : دير الحبيس – دير الناسك .
نشأة وتطور الدير
دير مارمينا الأثرى الشهير بالحبيس كان موجوداً فى أوائل القرن الثانى عشر بحسب ما ذكر فى مخطوطة ” تاريخ الكنائس والأديرة ” لأبى المكارم ( 1209 م ) , إبيار من جزيرة بنى نصروتعرف قديما بنيقاوس المدينة , بها بيعة لأبو مينا فى بحرى الناحية وبها قلاية الحبساء , حتى فى نهاية حبرية الأنبا توماس مطران الغربية والبحيرة والفؤادية وخلفه الأنبا إيساك كان الدير بصورته البسيطة.
ويوجد كنيسة كبرى بأسم شفيع الدير الشهيد مارمينا العجائبى وفى غرب الكنيسة مبنى صغير للضيافة ولإقامة المطران وكان يحيط بالسور القبلى للدير مجموعة من الحجرات يرجح أنها كانت قلالى للحبساء , واستخدمت فيما بعد لإقامة زوار الدير أثناء الإحتفال السنوى الذى كان يقام لشفيع الدير فى 15 بؤونه الموافق 22 يونيو ( عيد إكتشاف جسده ) و15 هاتور الموافق 24 نوفمبر ( عيد إستشهاده ) من كل عام .
وكان الزوار يستغلون منطقة الحقول المحيطة بالدير للإقامة , وكان يقام إحتفالاً كبيراً يستمر لمدة أسبوع وينتهى بعيد شفيع الدير .
ولقد ذكر فى مذكرات المرحوم المهندس حنا يوسف عطا الله شقيق المتنيح البابا كيرلس السادس أن قداسة البابا تم عماده أثناء هذه الإحتفالات بالدير وهو صغير ونشأت العلاقة القوية بين قداسته وشفيعه مارمينا من خلال هذه الإحتفالات حيث إعتادت الأسرة الحضور من دمنهور فى كل عام للإقامة بالدير والإحتفال بعيد الشهيد العظيم مارمينا العجائبى , وفى حبرية الأنبا يؤانس أسقف الغربية المتنيح أبطل عمل هذه الإحتفالات لخروجها عن اللائق وطبيعة الإحتفالات الدينية والمسيحية .
ولقد قام الأنبا يؤانس المتنيح ببناء بيت خلوة للشباب مكون من أربعة طوابق وأنشأ به كنيسة باسم الملاك ميخائيل ليستفيد بها الخدام أثناء خلواتهم الروحية وأنشأ أيضاً مذبح باسم الأنبا أنطونيوس والأنبا بولا ومذبح آخر باسم ماربولس الرسول بالدور الثانى بالكنيسة الأثرية .
الوثائق التاريخية للدير
ذكرت الوثائق التاريخية عن الدير فى 1117 فى السيرة الذاتيه لقداسة البابا مكارالثانى البابا 69, وذكر الدير أيضا فى السيرة الذاتيه لقداسة البابا غبريال , كما ذكر أيضا المؤرخ أبو المكارم ابن البركات ابو العلا الدير فى 1221 ميلادية, والمؤرج القبطى أبو المكارم مع ذلك شرح كثيرا عن الدير وعن مكانه فى تاريخ الكنائس والأديرة 1209 ميلادية وبالإضافه لذلك ذكر الدير فى كتاب التكريس تم تحديث الدير بشكل كبير في حبرية نيافة الحبر الجليل الأنبا بولا أسقف طنطا وتوابعها ورئيس الدير، وتم بناء مقر لأسقف الغربية , بالأضافة إلى بناء فندق وتقليد لبعض الأثار الرومانية وتماثيل للسيد المسيح والعائلة المقدسة , كذلك تم توسيع الحدائق بالدير ويجد في كنيسة الدير والتي على أسم الشهيد مارمينا أيقونة للقديس مارمينا انشقت نصفين وخرج منها نار عندما حاول البربر الاعتداء على الدير , كذلك ممر كبير تحت الأرض يوصل من الدير إلى كنيسة السيدة العذراء مريم بابيار وكان في القديم يقوموا بالهروب من الدير عن الهجوم ويتجهو للكنيسة.
الدير حالياً
وفى حبرية نيافة الأنبا بولا أسقف طنطا وتوابعها أهتم نيافته بتجديد الدير وتجميله وتعميره فاستغل المساحات الموجودة بالدير كحديقة كبيرة كما أقام مجسم مثمن الشكل محاطاً بحديقة مستديرة وسط فناء الدير تشرح حياة القديس مارمينا وإستشهاده بالزجاج المعشق , كما أقام مشروعات إنتاجية للشباب بالدير مثل ورشة الزجاج المعشق والموزاييك على أعلى مستوى تخدم الكرازة المرقسية بالداخل والخارج.
وقام نيافة الحبر الجليل الانبا بولا, بإنشاء مبنى ضخم كمجمع خدمات به صالات إجتماعات على أحدث مستوى تكنولوجى وحجرات للإقامة على أعلى مستوى وأيضاً مكان لائق بإستقبال المسئولين من قبل الدولة , تقدم نيافته للجهات المسئولة لإستصدار ترخيص لإقامة مبنى للخدمات الإنتاجية يستخدم كمركز تدريب للشباب لتعلم حرفة ( كالنجارة – الكمبيوتر – الزجاج المعشق – دورات لغات ) وغيرها من المشروعات التى تفيد الشباب وتزيد دخله , هذا بالإضافة إلى اللمسات الجمالية كمكان للراحة والتعبد للزوار , وبفضل هذا الإهتمام يتقاطر الزوار من كل جهة لزيارة هذا المكان وأخذ بركة وشفاعة الشهيد العظيم مارمينا العجائبى .
مارمينا للضيافة
“مارمينا للضيافة”…لخلوة العائلات وإقامة المؤتمرات والندوات وإستـقبال الوافدين من الخارج, ويهدف لتأمين أعلى مستوى من الخدمة والضيافة لكل الذين يبحثون عن الراحة النفسية والروحية
مركز يوسف النجار
يهدف المركز لخلق أجيال من العمالة المدربة المتميزة للعمل بالجودة والكفاءة المطلوبة مما يعطيهم القدرة على المنافسة فى سوق العمل وبذلك تتوفر فرص عمل للخريجين الذين لايجدون هذه الفرصة ويضع المركز الشباب والفتيات على الطريق الصحيح لصنع مستقبلهم فهم الغد المنتظر وأمل المستقبل , كما يهدف المركز لفتح آفاق العمل أمام الشباب بإيجاد فرصة عمل لدى الغير أو منح قروض لعمل أحد المشاريع الصغيرة, ويعمل التدريب على إكتساب المهارات للمهنة التى يختارها بأحدث التقنيات . التدريب على المهارات فى التعامل مع الناس وبناء قدرات على التواصل مع الآخرين والعمل بروح كما يعمل على الإستفادة من مصادر الخدمة الموجودة فى المجتمع , ذلك يكون الخريج شخصية سوية قادرة على التعامل مع المجتمع بفاعلية , الدورات التدريبية التى يوفرها المركز : تدريب أفراد أمن- رعاية المرضى والمسنين بالمنزل – كوافير – صيانة وتجميع الكمبيوتر- أيضاً التدريب على أعمال النجارة وأعمال الصرف الصحى والسباكة وإصلاح وصيانة الموبايل والدش وإصلاح الأجهزة الإلكترونية وإصلاح أجهزة التبريد والتكييف والغسالات الأتوماتيكية وأعمال الفندقة وزراعة الحدائق وتربية الأرانب .
خدمات المركز
يقدم المركز عدد من الخدمات كرعاية المرضى والمسنين – الوظائف – القروض – كما يحتوى المركز على ورشة للنجارة , تنتج أنواعاً مختلفة من الأثاث والمنتجات الخشبية وبالرغم من حداثة هذه الورشة إلا أنها تتقدم بسرعة وهى الآن تحت إشراف أحد المهندسين من ذوى الخبرات وبدون شك يقوم بتوظيف العديد من الشباب ومنحهم الخبرات اللازمة لمساعدتهم فى حياتهم المستقبلية فى التوظيف وعمل المشاريع الصغيرة , ورشة للزجاج الملون المعشق , بالرغم من السنوات القليلة التى مرت على إنشاء هذه الورشة إلا أنها أصبحت مشهورة ومعروفة بما لها من طابع فريد فى نوعه وقد أنتجت هذه الورشة زجاج الشبابيك الملون لكثير من الكنائس والأديرة منها كاتدرائية القديس الأنبا رويس بالقاهرة والمقر البابوى لقداسة البابا شنودة الثالث والكاتدرائية الكاثوليكية بطنطا وكثير من الكنائس القبطية والأديرة ببلاد المهجر بالإضافة إلى توفير العمل لمئات من الشباب غير العاملين .
مطرانية طنطا
منطقة الغربية كانت تحتفظ بعدد وافر من المراكز الأسقفية يرجع تاريخ بعضها إلى القرون المسيحية الأولى مثل : طنطا ، إبيار ، النحارية ، محلة مرحوم ، دفرة ، زفتى ، سمنود . وظلت هذه المراكز مزدهرة حتى نهاية القرن السابع الميلادي … سبب تغير أنظمة الحكم في مصر مراراً عديدة وما رافق ذلك من فتن دموية وحروب أهلية فهبط عدد المسيحيين تدريجياً خاصة في عهود الفاطميين والأكراد والمماليك وأخيراً العثمانيين يذكر المؤتمن أبو المكارم أنه كان بها في القرن الثاني عشر الميلادي كنائس باسم مارجرجس والسيدة العذراء والملاك ميخائيل , وفي القرن الرابع عشر الميلادي – وفي عهد الناصر بن قلاوون عام 1320 م .
خربت كنائس كثيرة في أماكن كثيرة ( حسب رواية المقريزي ) أربعة كنائس بالغربية “وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها” صـ205 ، “قصة الكنيسة القبطية” جـ3 صـ509 ، 510 ) .
ونظراً لهذه الأحداث الفادحة أخذت الأسقفيات الواقعة في إقليم الغربية تضعف وتتوارى حتى لم يبقى منها في مستهل القرن الرابع عشر سوى عدد من الإيبارشيات الضعيفة في طنطا ودفرة وقطور وسمنود والمحلة وزفتى وإبيار .
وبسبب الظروف القاسية التي مرت بالبلاد خاصة في عهد حكم الأتراك العثمانيين إندثرت الإيبارشيات بالوجه البحري ولم يبق منها في كل بلاد الدلتا أكثر من أسقفيتين الواحدة في المنوفية ومقرها شبين الكوم والأخرى في البحيرة ومقرها دمنهور .
ويذكر المرحوم جرجس فيلوثاؤس المؤرخ المشهور في مجلته ( المجلة القبطية ) العدد السابع عام 1907 م صـ386 أن هناك كنائس تحت الأرض موجودة بطنطا بالقرب من تل الحدادين وبالقرب من جامع الشيخ مرزوق وقرب الجامع الأحمدي بطنطا وجد البعض آثارها وهم يحفرون في أواخر القرن التاسع عشر ولم يحفلوا بها لعدم معرفتهم بقيمتها .
وقد حرم الأقباط من آداء الشعائر الدينية في مدينتهم لعدم وجود كنائس بالمدينة منذ القرن الرابع عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر حتى بُنيت كنيسة السيدة العذراء بحارة الصاغة بطنطا وكان الأقباط في هذه الفترة يؤدون الشعائر الدينية في كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بسبرباي التي تبعد عن طنطا خمسة كيلو مترات في طريق وعر في ذلك الوقت كما كان الأقباط يدفنون موتاهم أيضاً في سبرباي .
جدير بالذكر ان عرِفت طنطا بأسماء مختلفة عبر التاريخ ففي عهد الفراعنة دعيت باسم تناسو ، وفي عهد الإغريق عرِفت باسم تانيتاء ، وفي القاموس الجغرافي ( لمحمد رمزي ) , يقول أن اسمها القبطي ” تنتاثو “, وهذا هو الاسم المصري القديم لهذه المدينة ، كما وردت في تاريخ بطاركة الإسكندرية باسم طانيطاد ، وذكرها أبو المكارم ( المؤتمن أبو المكارم سند الله بن جرجس بن مسعود ) أن اسمها طنتدا وأنها كان بها في القرن الثاني عشر الميلادي بيعة مارجرجس وبيعة للسيدة العذراء مريم وبيعة للملاك ميخائيل , كنيسة السيدة العذراء مريم بالصاغة .