لأن حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك(مت6:21).القداس الإلهي دعوة يسعي فيها رب الأسرة لجمع شمل الأبناء,ويعيد خلق جو العائلة,كما أنه يظهر لكل شخص روح البنوة والأخوة,لأن سعادة الأب هي ترابط ووحدة الأبناء معا.فإذا كان دوره تقديم هذه الوليمة,سيكون بلا شك أكثرهم سعادة عندما يشاهدهم فرحين,ويتناولون الخبز الذي قدمه لهم بعد معاناة في العمل.
دعونا نتخيل كيف ستصبح هذه المأدبة إذا وصل أبناؤه وبناته متأخرين واحدا بعد الآخر!أو إذا رفضوا المشاركة في الحديث ويصمتون ولا يجيبون عندما يوجه لهم أسئلته! أو إذا حضروا وأيديهم فارغة دون أن يقدموا أي شئ حتي ولو كان بسيطا,علي سبيل المثال وردة أو شكرا! أو رفضهم الأكل مبررين ذلك بأن ليس لديهم شهية أو لا يشعرون بالجوع ويستمرون جالسين أمام الأطباق وهي فارغة!الشخص الوحيد الذي يتحمل هذا المشهد هو الله,فإذا حدث معنا مثل ذلك,مما لاشك فيه سنقوم بطردهم خارجا ودعوة آخرين.لكن يجب علينا أن نصير كالأب المحب الذي يتحمل كل هذا بصبر,لأنه يفضل أن يراهم في هذه الحالة عن ألا يراهم مطلقا.
هنا نتساءل:ما الفائدة بالنسبة لنا عند تلبية دعوة لمأدبة طعام دون أن نشارك فيها؟هل نحن سعداء عندما نشاهد الآخرين يتناولون الطعام ويشبعون,بينما نحن نمتنع؟بالمثل,من يذهب لحضور القداس الإلهي دون المشاركة فيه بالصلاة وتناول الذبيحة الإلهية,لن يستفيد أبدا,فإذا تخيلنا أن الذبيحة تقدس الأشخاص من ذاتها دون إيمانهم ومشاركتهم فيها,سنكتشف أن عمال الكنيسة هم أعظم القديسين لكثرة القداسات التي سمعوها وحضروها دون أي مشاركة منهم بالصلاة,ولكننا لم نلاحظهم في حالة تجلي أو انخطاف من كثرة الأنشطة والأعمال داخل الكنيسة.بينما إذا أردنا أن يكون حضورنا فعالا ومثمرا,يجب أن نتفاعل ونشارك بالصلوات والمردات والألحان والتقدمات والتناول في جميع القداسات التي نحضرها.
كان مسيحييوا الكنيسة الأولي يقومون بأربع دورات احتفالية في كل قداس:دورة الدخول للكنيسة ودورة الحمل,ودورة التناول المقدس وأخيرا دورة الختام,وكانت كل واحدة منها تستغرق ساعة إلا ربع,ولم يقال أن أحدا منهم كان يمل.كانوا يشاركون في القداسات بالصلوات والمردات والألحان حسب شهادة آباء الكنيسة حتي أن كلمةآمين التي تخرج من أفواههم تشبه الرعد الذي يزلزل أرجاء الكنيسة.ويقدمون أفضل التقدمات كذبيحة لله حتي توزع فيما بعد علي الفقراء والمساكين.
لكن إذا ألقينا نظرة علي حالنا اليوم,ونفحص ضمائرنا معترفين بذلك:لماذا يشعر البعض منا بالملل أثناء الصلاة؟ بالطبع لأنه كسلان وبخيل,وليس لديه الرغبة في الاشتراك أثناء القداس الإلهي,إذا هو حاضر بجسده فقط,ولكنه غائب بقلبه وعقله وكيانه.وعندما نشترك في الذبيحة يجب أن يكون هدفنا تقديم الشكر والعطايا لله.للأسف عندما وصلنا إلي مرحلة التحضر,اخترعنا التضحية الموفرة أو الاقتصادية أي تضحية بدون تقدمات,وندعي بكل كبرياء أننا نقدم لله ذواتنا فقط,وعندما نريد أن نمنح شيئا مما لنا,فنقدم أقل ما يمكن,حتي أننا عندما نريد أن نعطي من مالنا,نطمئن بأن معنا ما يكفينا لذاتنا.
للأسف في كثير من الأحيان عندما يصل الإنسان للاكتفاء الذاتي ويملك كل شئ,يدعي بأنه ليس بحاجة إلي عطايا الله.هل نحن منفتحون علي الله؟هل ننتظر شيئا منه؟إن لم نقدم له شيئا مما نملك واضعين إياه علي مذبحه المقدس,سنفقد نعما كثيرة,وكما يقول السيد المسيح:فحيث يكون كنزك يكون قلبك.من منا يلتزم حقا في الذبيحة الإلهية ويحضر جيدا ويشارك حتي تتحول حياته للأفضل؟الكنديون الذين يتحدثون باللغة الفرنسية فقدوا كثيرا من الأعزاء والأحباب في الحرب العالمية الثانية,ولكنهم لم يوافقوا علي إقامة مدافن لهم,بل فضلوا زراعة القمح فوق الأراضي التي استشهد فيها أبناؤهم وآباؤهم وأزواجهم وإخوتهم,وحصاد هذا المحصول كان يعمل منه القرابين التي ستقدم علي مذبح الرب,وبناء علي ذلك فهم الآباء والأرامل والأيتام الذين حزنوا علي أعز الناس عندهم قيمة مايقدمونه لله وأين هو كنزهم الحقيقي ومن الذي سيحفظه ويعيده إليهم مرة أخري كما وعدهم بذلك,وعند تناولهم جسد ودم الرب,يشعرون بالاتحاد الحقيقي مع المسيح وجميع الذين فقدوهم وعند خروجهم من الكنيسة كانوا يشعرون بأنهم قلوبهم ممتلئة بالله,والأعزاء مدركون الحياة الأبدية التي لن يكون فيها حزن ولا هم ولا انفصال إذا من أراد أن يتغير قلبه وحياته ويكنز كنوزا في السماء عليه أن يشارك مشاركة حقيقية وفعالة في الذبيحة الإلهية.