رحل عن عالمنا الكاتب الصحفي لويس جريس، منذ أربعين يوما عن عمر يناهز 91 عامًا، بعد سنوات من العطاء في مجال الكتابة الأدبية رحل الملاك الحارس.
كما كانت تطلق عليه زوجته الفنانة الراحلة سناء جميل، رحل الصحفي والناقد الأشهر في جيله.
وشكل لويس جريس نموذجاً مميزاً في العمل الصحفي والفكر الإنساني، باعتباره مدرسة صحفية فريدة ركزت على الجوانب الإنسانية والثقافية.. ووضعت هموم الإنسان المصري البسيط في مقدمة أولوياتها.. ترك لويس جريس أرشيفًا صحفيًا كبيرًا يليق بكاتب صحفي التحق بجيل العمالقة، كما شغل “جريس” العديد من المناصب العامة.
وهناك مطلب بان يعاد تجميع وطبع كتاباته المتفرقة في أعمال كاملة، وجمع غفير نعاه من الكتاب والأدباء والإعلاميين والفنانين المصريين ورجال الدين، وعدد من محبي الفقيد وأفراد أسرته منذ رحيله حتى ذكراه وقد أطلق عليه البعض لقب “قديس الصحافة المصرية”.
شهد لويس جريس على حقبة عاشت فيها مصر زخمًا ثقافيًا وفنيًا كبيرًا، ليقضي جريس سنواته الأخيرة حاملًا 90 عامًا من التاريخ، هدفًا للكتاب والصحفيين والإعلاميين الباحثين عن تأريخ غير رسمي لحقبة ذهبية من تاريخ مصر.
ولد في يوليو عام 1928، في مركز أبو تيج بمحافظة أسيوط، توفي والده في سن صغير جدًا، إذ لم يكن وقتها تجاوز 7 شهور، كان طفل ضعيف ونحيل، وتوقعت أسرته أن يرحل في سن مبكر، تمنت أسرته أن يدخل كلية الطب ليصبح طبيبًا، لكن حالت درجاته في الثانوية من تحقيق حلم الأسرة، فالتحق بكلية العلوم إلا أنه لم يكمل دراسته فيها درس الصحافة والأدب في الجامعة الأمريكية وتخرج فيها عام 1955، بناء على نصيحة دكتور الفيزياء في كلية العلوم، بعد أن اكتشف موهبته في مجال الكتابة، بعد حوار صحفي أجراه لمجلة الكلية.
حصل على دبلوم دراسات عليا من جامعة ميتشجان عام 1958، وعمل بالصحافة هناك، وكان مراسلًا لمجلة صباح الخير ولمجلة روز اليوسف، عمل محررًا في مجلة صباح الخير، وتولى إدارة التحرير في نفس المجلة، وبعدها رأس تحرير نفس المجلة في أواخر الستينيات، حمل أول مقال كتبه في “صباح الخير” عنوان “بنت البلد الاشتراكية”، و طلب منه الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس العودة من أمريكا.
– التقى بالفنانة سناء جميل عام 1957، وظنها مسلمة، لم يكن يعرف أنها مسيحية مثله، حتى كشفت له عن الأمر وتزوجها. العلاقة استمرت لـ41 عامًا سجلت حالة نادرة في الوفاء، بعد الاتفاق على أن يبقيا دون إنجاب لذلك عقدا اتفاقًا دام حتى النهاية على عدم الإنجاب، ورغم رحيلها منذ 16 عامًا، فإن علاقة جريس بشريكة حياته ظلت قائمة.
ترك لويس جريس أرشيفًا صحفيًا كبيرًا يليق بكاتب صحفي التحق بجيل الفترة الذهبية في الصحافة والثقافة المصرية، مثل إحسان عبد القدوس وأحمد بهاء الدين وصلاح جاهين وغيرهم، غير أنه ظل حتى النهاية معتزًا ببعض الأعمال التي أنجزها، من بينها حواراه مع فيدل كاسترو، الثائر الشيوعي الذي حكم كوبا بعد نجاح ثورته بعقود، وتشي جيفارا، رفيق كاسترو الذي قضى نحبه بيد القوات الأمريكية في بوليفيا.
وشغل “لويس جريس” العديد من المناصب العامة منها، عضوية المجلس الاعلى للصحافة، و عضو في لجنة الصحافة بالمجلس الاعلى للصحافة، و عضو لجنة الصحافة بالمجلس الأعلى للثقافة لمدة 8 سنوات في الفترة ما بين 1976-1984، وعضو لجنة القراءة بالمسرح 1980-1985، و عضو لجنة الرقابة العليا على المصنفات الفنية، والمستشار الإعلامي للجامعة الأمريكية.
في حياة جريس العديد والعديد من الحكايات الشخصية والفنية والسياسية، جعلت منه بحق شاهدًا على عصر زخم مليء بالأحداث والتحولات، شاهدًا على الفن والسياسة والأدب، بعد حياة مديدة دامت 90 عامًا.
قالت إيناس عبد الدايم وزير الثقافة، إن عالم الصحافة والنقد والأدب والثقافة المصرية والعربية بشكل عام فقد قيمة وقامة كبيرة باعتبار الراحل أحد أهم الكتاب الذين أثروا الحياة الثقافية وتركوا بصمات مؤثرة في ذاكرة وتاريخ الكتابات الصحفية والأدبية والنقدية، كتب عدد من القصص القصيرة من أهمها حب ومال، هذا يحدث للناس.
كما قام بترجمة مسرحية الثمن لأرثر ميللر، أجرى عدد من الحوارات الصحفية مع شخصيات عالمية هامة منها كاسترو، جيفارا ومكاريوس.
كما قال الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، لقد كان لويس جريس شخصا وديعا، ومثقفا بحق، وتميز بترجماته الرائعة، لأنه خريج الجامعة الأمريكية، وأبدع في كتابة القصص القصيرة والمقالات المؤثرة، وبوفاته خسرت الثقافة المصرية كاتبا بارزا وأديبا متميزا ومترجما لا يبارى.
وقال البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في بيان للكنيسة، إن رحيل الكاتب الكبير الدكتور لويس جريس والذي أثرى الثقافة العربية بالأدب الرفيع، وكان بمثابة نافذة إبداع قوية في كل ما كتب وما قال، فكان صحفيًا متميزًا بقلمه وإدارته في كل المناصب التي تولاها، وأدارها بأمانة وإخلاص للوطن و للأدب والثقافة و التنوير.
كما كان نموذجًا فريدًا مع زوجته الراحلة الفنانة القديرة سناء جميل، والتي رحلت منذ حوالي١٥ سنة، لكنه ظل يرثيها و يتذكرها بأعمق، معاني الوفاء و كأنها لم تغادر الحياة.
واختتم:”نتذكر هذا الكاتب الموهوب وكيف حمل صليب المرض وقتا طويلًا، وقد أعطاه الله عمرًا مباركًا، وها هو يرحل تاركًا لنا إرثًا أدبيًا وثقافيًا غنيًا للأجيال القادمة، و نودعة على رجاء القيامة ونطلب تعزيات السماء للأسرة المباركة وكل أحبائه وتلاميذه، والذين نهلوا من علمه وأدبه.
وقالت الهيئة الوطنية للصحافة في بيان لها، إن الكاتب الراحل شكل نموذجاً مميزاً في العمل الصحفي والفكر الإنساني، باعتباره مدرسة صحفية فريدة تركز على الجوانب الإنسانية والثقافية وتضع هموم الإنسان المصري البسيط في مقدمة أولوياتها، وقدم الكاتب الراحل لويس جريس خلال مسيرته الصحفية والإعلامية رؤية إنسانية شاملة تدعو إلى التنوع والتسامح والحوار بين الحضارات في مواجهة التشدد والتطرف والإرهاب، تعلي قيم الحق والخير والجمال في مواجهة الشر والعنف والكراهية.
قال الناقد الدكتور حسين حمودة أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة، إن لويس كان صاحب تجربة صحفية وأدبية وإنسانية غنية، فبجانب كتاباته الصحفية المميزة، وأدواره الصحفية المهمة المعروفة له كتابات قصصية لم تنل ما تستحق من اهتمام، وكان صاحب روح لطيفة وكان يحب هذا الوطن ويدافع عنه، فكانت كتاباته تقاوم الآفات التي شهدتها العقود الماضية، مثل التعصب والإرهاب والفساد، وبالتالي نتمنى أن يعاد تجميع وطبع كتاباته المتفرقة في أعمال كاملة.
نموذج جيد للأزواج
الفنان أحمد عبد الوارث، كنت صديق للأسرة من خلال علاقتي بالفنانة سناء جميل فكنت معيد معها في معهد الفنون المسرحية، فكانوا نموذج جيد للأزواج بينهما حب وثقافة وفن واحترام متبادل وليس لهم مثيل لأنهم مختلفين، فكان نموذج للإنسان والصحفي الكبير فقدم خدمات متعددة لصحفيين في بداية مشوارهم المهني، فإن الراحل لويس جريس هو أحد النماذج النابغة التي تتطلع الأجيال الجديدة للاحتذاء بها والسير على خطاها.
علامة من علامات الصحافة المصرية
كما أكد الكاتب الصحفي محمود عطية نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام، أن الكاتب الكبير لويس جريس علامة من علامات الصحافة المصرية على مدى سنوات طويلة أثرى المكتبة العربية بالعديد من الترجمات والمؤلفات وكان شديد التواضع ودمث الخلق، افتقده كثيرا، لكن ما يعزيني أنه سوف يلتقي بمحبوته الراحلة العظيمة سناء جميل، اللهم ارحمه بقدر ما أسهم بعطاء كبير للحياة الثقافية المصرية.
وقال دكتور ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل الديمقراطي، إن الراحل الكريم ينتمي إلى جيل الرواد وكان صاحب مدرسة صحفية متميزة سواء في مؤسسة روز اليوسف والذي شغل فيها العضو المنتدب لمدة ثمان سنوات أو عندما تولى رئاسة تحرير صباح الخير في الفترة ما بين 1982-1989م وهي الفترة الذهبية لهما، فكانت له بصماته التي لن يمحوها الزمان في كل المناصب التي شغلها عضوا في كل من المجلس الأعلى للصحافة ولجنة الصحافة بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضو لجنة القراءة بالمسرح ولجنة الرقابة العليا على المصنفات الفنية وكان عطاءه الفكري والثقافي وافرا ومؤثرا في الأجيال الصحفية التي تتلمذت عليه بشكل مباشر أو غير مباشر، ودعا الله أن يتغمده بواسع رحمته.
“الأقارب والأسرة”
من جانبه، قال مدحت رشاد ابن أخت لويس جريس مديرا بشركات أحمد بهجت، كنت أعمل من قبل مديرا بمجلة ستالايت جايد التي كان وقت ذاك الكاتب لويس جريس مستشارتحرير لها فقد تعلمت منه فن الإدارة وفي هذه الفترة كان الفنان يخشى الصحفي دائما، نظرا لبعض الشائعات التي تصدر منه، لكن كان ذلك مختلف مع الكاتب لويس جريس، وذلك يعود لأمانته الشديدة في حياته المهنية والإنسانية ولذلك كانت تربطة صداقات كثيرة في الوسط الفني، وكانت الفنانة سناء جميل تطلق عليه “الملاك الحارس لها” لأنه كان يقوم باصلاح ما أفسدته من علاقات بسبب عصبيتها في بعض الأحيان، فكان إنسانًا متميزا راقيًا نبيل الصفات من الجانب الإنساني والمهني أيضا.
“الدبلوماسي السعيد”
كما أكد المهندس الاستشاري سامي السندي ابن خال الكاتب لويس جريس، سافرنا 2014 لرحلة علاجه، واكتشفوا أنه يعاني كسر صغير في الركبة جعله غير قادر على المشي، وتحسنت حالته بعد العلاج، وأثناء رحلة العلاج في ألمانيا حضر معي احتفال كان بخصوص منحي الجنسية الشرفية الألمانية مع احتفاظي بالجنسية المصرية، وحضر الاحتفال 470 شخصية تمثل 470 دولة، وعند علمهم بالأستاذ لويس جريس بأنه صحفي له ثقله في مصر وأنه أجرى حوارات مع العديد من الروساء المصريين تم استقباله بحفاوة وتم حملة من خلال عمداء هذه الدول، ثم تم عمل حوار صحفي معه أخذ صفحة كاملة في الجريدة الرسمية في ألمانيا اسمها “بي إن بي” وكان الصحفي الألماني سعيد جدا وفخور بالكاتب لويس جريس ومقدرقيمته المهنية.
كما أضاف المهندس سامي :”عندما رأى الكاتب لويس جريس اهتمام الألمان بي نظرا للعمل المشترك بيننا كتب لي مقالة تم نشرها في مجلة صباح الخير، تحت عنوان سفيرا لمصر لم تختاره الحكومة، فأسعدني كثيرا اختياره لهذا العنوان، فكان دقيقا معبرا، ومن خلال قراءتي لمقالاته المتميزة واحتكاكي به كنت بطلق عليه دائما لقب “الدبلوماسي السعيد” فكان سعيدا دائما رقيقا في تناول الموضوعات دون عنف وكان متواضعان خدوما.
كما أشارت ماجدة مفيد جريس بنت أخو الكاتب لويس جريس إلى :”عمي لويس جريس قيمة وقامة إنسانية ومهنيا فهو رمز للوفاء والحب والإخلاص في زمن افتقدنا فيه هذه المعاني فكان يمثل لنا رمزا كبيرا ومنارة ليس على مستوى الأسرة فقط ولكن على مستوى الدولة والصحافة المصرية أيضا، فإن ما قدمه لويس جريس، خلال مسيرته المهنية من إسهامات صحفية وأدبية قيمة طوال ستين عاماً من العطاء، ركزفيهاعلى الجوانب الإنسانية والثقافية، بأسلوبه المتميز وبالتالي سجل بصمة فريدة في عالم الأدب واحتل مكانة كبيرة في عالم الصحافة، وترك لنا إرثا كبيرا سيظل نبراس لنا ولأجيال كثيرة”.
كما أضاف عماد ذكرى السندي أحد اقارب الكاتب لويس جريس:”كان يهتم باخوت الرب ويعطي الفقراء والأيتام ويرسل نقود في جهات مختلفة ومن خلالي أيضا لأني مشارك في خدمة الفقراء والعشوائيات، وأي طلب مساعدة للفقراء لم يتاخر إطلاقا، بل كان كريما ويعطي أكثر مما نطلب، كان معطاءً بسخاء دون أي تظاهر أو افتخار، فكان يعمل بآيه الكتاب المقدس “ابوك الذي في الخفاء يجازيك علانية”.
كما أشاد المهندس عادل السندي ابن خالة الراحل لويس جريس، بمسيرة لويس جريس حافلة بالكثير من الأحداث بالمواقف السياسية والاجتماعية والشخصية، لتبلور شخصية لويس جريس الكاتب المعروف فكان محبا للفنانة سناء جميل وكان يحكي لنا قائلا: “في بداية زواجي بالفنانة سناء جميل لاحظ صلاح جاهين أن مزاجي سىء وصحتي تتدهور، فنصحني بأن أتحلى بالقوة وقال: أنت متزوج سيدة عظيمة فابذل كل مافي وسعك؛ لتحقيق اسم كبير يتحدث عنه الناس فنجحت أن أكون لويس جريس وليس فقط زوج الفنانة سناء جميل وأكون جديرًا بها، فكان يحكي لنا دائما بأنها حب العمر عاشت معه أربعة عقود بحب وإخلاص حتى توفيت في 2002 بعد صراع مع مرض سرطان الرئة واستمر في ذكراها منذ 15 عام فكانت الغائب والحاضر له واحتفل بذكرى ميلادها في 2017 بالمسرح القومي بالقاهرة في وسط الأهل والأصدقاء والفنانين والإعلامين وأحضر تورتة عليها صورة تجمع بينهما وكان يعتزم كتابة قصة حياة سناء جميل لتحويلها مسلسل تليفزيوني فكان وفيا معها ووفيا بعد رحيلها.
كما أكد إيهاب رشاد رمزي إحدى أقارب الكاتب لويس جريس :”اشتهر خالي لويس جريس بعدة حوراته مع المشاهير في عالم السياسة مثل الزعيم الكوبي فيدل كاسترو وحواره مع مكاريوس الثالث رئيس وكبير أساقفة الكنيسة القبرصية الأرثوذكسية وأكبر دعاة الوحدة مع اليونان خلال الاحتلال البريطاني لجزيرة قبرص، فكان شاهدًا على العصر، حيث عاصر جميع الرؤساء بدءًا من ثورة 23 يوليو1952 على النظام الملكي حتى ثورة 30 يونيو وكتب شهادته في كتاب شهد على كل مراحلة حسبما اتفقت مع وجهة نظرة الشخصية كمواطن قبل أن يكون كاتبا فكان إنسانا محبوبا صادقا مخلصا”.