الله غير محدود هكذا صفاته لا حدود لها، و كذا محبته لا نهاية لها “لأن مراحمه لا تزول هى جديدة فى كل صباح” (مرا ٢٢:٣ ) . يقول القديس اغسطينوس: أنت بنفسك تهتم بخطواتي وطرقي ليلًا ونهارًا تسهر لرعايتي، تلاحظ كل سبلي لا تكف عن الاهتمام بي حتى ليمكنني أن أقول: أنك تنسي السماء والأرض وما فيهما، مركزًا اهتمامك على فتبدو كمن لا يهتم بخليقة سواي!!
برغم كل ما صنعه شعب اسرائيل من رجاسات يقول الرب على لسان ارميا النبى: “هل افرايم ابن عزيز لدى او ولد مسر لأنى كلما تكلمت به ( للتأديب) اذكره بعد ذكرا، من أجل ذلك حنت احشائى اليه ،رحمة ارحمه يقول الرب” (ار ١٨:٣١ ).
الله محب حتى فى توبيخه للخطاة “إنى كل من احبه اوبخه و اودبه” ( رؤ ١٩:٣).
محب حتى فى تأديبه “هو يجرح و يعصب يسحق و يداه تشفيان” (أى ١٨:٥ ).
حب الله للبشرية يفوق كل عقل و تصور، لدرجة أن كثيرين لم يقبلوا الصليب و الفداء لأن عقلهم المحدود لم يصدق أن هناك حبا بهذا المقدار لأن الرب يسوع قبل و احتمل ما لا يرضى قادر أن يقبله طوعا.
إن محبة الله العجيبة تدفعنا الى تكريس القلب و إلا فمن أين جاء فيض دموع هذه الخاطئة فى بيت الفريسى؟! ألم يكن هذا صدى لعميق حبه و دفء حنانه الذى جعلها تشعر بالمديونية أمام حبه الذى يطوق العنق بجميل يستحيل سداده “نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولا” ( ١يو ١٩:٤). لم يكن زكا يتصور ان له هذه المكانة السامية فى قلب الله، كل ما هنالك انه اشتاق ان يرى يسوع ليعلم من هو هذا الذى أسر القلوب باتضاعه و محبته للخطاة لكن ما سمعه شئ و ما اكتشفه بخبرته الشخصية كان شيئا آخر. اكتشف انه هو شخصيا موضع حب وسط كل الجموع، بل و أكثر من هذا رأى الرب يسوع يتحمل تطاول المغرضين بسبب دخوله بيته و قالوا “دخل ليبيت عند رجل خاطئ” (لو ١٧ :٩ ) . أمام هذا الحب الغامر ذابت ثلوج الخطية المتراكمة عبر السنين و بدأت عملية تكريس كل الكيان و الملكات و المواهب و القدرات و كأنه يقول: أغلى ما عندى يا رب هو مالى، هو ما خرجت به من تعب السنين بل و هان الكل فى سبيل جمعه حتى خسارة محبة الناس لم تساوى عندى شئ أمام بريقه لكنه أمام تيار حبك الغامر لم يعد يساوى شيئا، نصفه للمساكين و النصف الآخر أعوض منه من ظلمتهم اربعة أضعاف.
عجيب حبه الذى يأسر القلوب فتهتف “إلى اسمك و إلى ذكرك شهوة النفس” (اش ٨:٢٦ )