إدمان التكنولوجيا تطول جميع الفئات العمرية!
انتبه! إدمان الانترنت حقيقة وليس تعبيراً مجازياً
ما أحلى الألعاب الالكترونية.. سواء كانت على التليفون أو التابلت أو على التليفزيون أو جهاز الكمبيوتر.. وما أجمل شبكات التواصل الإجتماعي التي ربطت الناس حول العالم وأعادت لنا أواصر صداقات كثيرة كنا قد فقدناها.. وكم من أوقات فرحت أمهات كثيرة لالتفاف أولادها حول تلك الألعاب الالكترونية التعليمية، لإتاحتها بعض الوقت لإتمام مهامها سواء في شغل البيت أو وظيفتها..
التكنولوجيا الرقمية حلت مشاكل كثيرة في حياتنا ولها إيجابيات كثيرة، ولكن هل هي فعلاً براقة وجميلة كما نراها؟ أما لها ظلال سوداء وأثار جانبية سلبية مفزعة؟! وهل تقتصر تلك الآثار السلبية على الأطفال أم الجميع تطول الكبار أيضا؟ وهل المصطلح الذي يتردد عن إدمان الإنترنت مجازياً أم حقيقة؟ وهل يمكن الشفاء منه؟
هذه الأسئلة دفعت وطني للتواصل مع الكاتب الأمريكي “براد هادلستون” استشاري دولي في التوعية في مجال التكنولوجيا وتأثيرها على سلوك البشر، ومؤلف كتب عديدة منها “الكوكايين الرقمي” و “الجانب المظلم في التكنولوجيا”.. مؤلفاته ألقت الضوء على الكثير من الحقائق المهمة في هذا العالم الافتراضي.. تواصلنا معه للحصول على إجابات للاستفسارات التي تجول في ذهن القارئ وللحصول أساليب للوقاية من أضرار التكنولوجيا.. وأثناء إبحارنا في الموضوع أرشدنا “براد” إلى حركة “العالم يحتاج إلى أب” التي أسسها في مصرالمهندس باسم عبد الملك، الذي قدم لنا حلول ممكنة لتلافي هذا الإدمان..
الكاتب “براد هدلستون” مع المهندس باسم عبد الملك مؤسس حركة “العالم يحتاج لأب” بمصر
كل الأشياء تحل لي لكن لا يتسلط عليَ شئ
عندما نتكلم عن التكنولوجيا يمكننا أن نعدد فوائدها لكن الضرر يأتي من الإفراط في استخدامها. في أحد كتب “براد هادلستون” وهو كتاب بعنوان “ديجيتال كوكايين” يقول الكاتب إن تأثير التكنولوجيا على مخ الإنسان يطابق تماماً تأثير المخدرات عليه، فهذا ليس تشبيهاً بل حقيقة..
إن تطور العلم في مجال المخ والأعصاب أتاح الفرصة لعمل دراسات تفصيلية لسلوك المخ والأعصاب أثناء حركة الإنسان في حياته الطبيعية وذلك يتم عن طريق أشعة مقطعية متخصصة “أف أم أر أي” FMRI
وهذه الأشعات تقوم بتسجيل المعلومات بمنتهى الدقة من خلال خوذة بها أسلاك يتم توصيلها بالرأس لتراقب المخ وردود الأفعال والسلوكيات الخاصة باي شخص لمدة معينة من الزمن.
ومن خلال هذه الفحوصات تم رصد في السنوات الأخيرة ما يعرف بـ” إدمان التكنولوجيا” وتم تحديد أعراض واضحة لهذا الإدمان.
ومعنى كلمة إدمان هنا أن يتسلط على الذهن والرغبة شئ ما، وهذا ما كتب عنه الإنجيل المقدس وأوصانا بالاعتدال.. “كل الأشياء تحل لي لكن لا يتسلط علي شئ” (1 كور 6: 12) إن كانت الأشياء محللة ولا تندرج تحت الأفعال المشينة فلماذا تتسلط علينا وما أضرار هذا التسلط؟ فهنا نتذكر المثل القائل: ما زاد عن حده انقلب لضده.. فالإفراط في العمل أو اللعب على الكمبيوتر أو أي جهاز رقمي يسبب أضرار جسيمة وتسبب ما يطلق عليه “احتراق المخ” burn out
وبفضل تطور العلم يمكننا تحديد متى نصل لتلك النقطة وما الأعراض التي تصل بنا إلى ذلل الإدمان؟
قد يتخيل البعض أنه إذا كان شخص يقدم أعمالاً مفيدة وصالحة ويؤدي عمله بضمير، لن يتعرض لتلك الأشياء ولكن هذا عار تماماً من الصحة، فالمخ لا يميز نوع الشئ الذي يؤديه أو يدمنه – سواء وظيفة رقمية أو لعب الكترونية أو عمل إيجابي للمجتمع من خلال تكنولوجيا أو حتى تعاطي المخدرات.. ففي كل الأحوال المخ يتفاعل مع ما يفعله الشخص إلى أن يزيد جداً معدل الاحتمال ليصل لمرحلة من الإدمان تؤثر على المخ بالسلب. وهذا التأثير يسمى تأثير ال”أنهيدونيك” Anhedonic effect أو فقد التلذذ بأي نشاط آخر.
غلاف كتاب “الكوكايين الرقمي”
الإدمان يهدد كل الأعمار
الأطفال والشباب يدمنون الألعاب على التليفون أو التابلت أو حتى على التليفزيون أو الكمبيوتر، والأهل يدمنون أيضا نفس الأشياء إضافة إلى ساعات العمل المضنية التي يمضونها أمام أجهزة الكمبيوتر لآداء عملهم.
ولا يتوقف الإدمان عند هذا الحد بل يجتاح أيضا الفئات العمرية التي تفوق سن 50، فالوقت يكون متاح لديهم لاستغلاله في الألعاب أو التفاعل مع أصدقائهم على مواقع التواصل الإجتماعي..
كل هذا الوصف لممارسات ليست خاطئة لكن إدمان التواصل الإجتماعي والإلكترونيات يؤدي إلى حالات من الهلع والإكتئاب وقد يصل إلى حالة اضطراب عقلي وكلها تغير طبيعة المخ وبالتالي سلوك البشر.
كيف يصل الإنسان لحالة الإدمان الرقمي؟
يشرح “هادلستون” فكرة الإدمان بشكل عام عبارة عن أن الشخص يبدأ بتعاطي أي نوع من أنواع المخدرات عامة، يكون الهدف منها أنها تخفف الإحساس بالضغوط وتعطي احساساً مؤقتاً من السعادة والمتعة، يليها يأتي احساس بالاكتئاب. وبالتعاطي يبدأ جسم الإنسان ببناء أجسام مضادة لهذه المواد الدخيلة على الجسم.. وبالتالي جرعة المخدرة تحتاج لزيادة كميتها حتى يصل المدمن إلى نفس الشعور الذي اختبره أول مرة.. وأحياناً يلجأ المدمن لتغيير نوع المخدر لنوع أقوى للحصول على نفس الحالة المزاجية المبتغاه.. وتنتهي تلك المعركة باجتياح كميات من السموم لمهاجمة الجسم والعقل لتقتل كل الخلايا السليمة فيدمر الإنسان نفسه باتباعه طرق خطأ للبحث عن السعادة.
ومن هنا بدأت مراكز طب المخ والأعصاب في جامعة “يو سي أل أيه”
Institute for neuroscience and human behaviour at UCLA
بدراسة حالات من البشر من مختلف الأعمار المعرضة لاستخدام التكنولوجيا بشكل كبير – سواء من خلال مهنتهم أو من خلال شبكات التواصل الإجتماعي أو الألعاب، فاكتشفوا أن الاستخدام الزائد للكمبيوتر أو التكنولوجيا يؤثر على الإنسان بنفس تأثير مخدر “الكوكايين” حيث أنهما يسببا حلقات من فترات المتعة والهوس يلاحقها حالة من الاكتئاب.
فإذا نظرنا إلى المخ بشكل تفصيلي، نجد أن الاثنين يستهدفان مركز في وسط المخ معروف باسم “مركز المتعة” ، فكلما استخدم الشخص أي من عناصر الإدمان سواء مخدرات أو فرط في الألعاب الالكترونية أو الكمبيوتر، أرسلت تلك الوسائل رسائل تحفيزية للمخ لتصل إلى “مركز المتعة” ليفرز ما يعرف بمادة “الدوبامين” التي تعطي الإحساس بالإستمتاع. وإلى هنا هذا لا يشكل أي ضرر..
مركز المتعة بالمخ
ولكن مع كثرة تلك الرسائل التحفيذية يبدأ المخ بتكوين ما يشبه حائط حماية أمام “مركز المتعة” حتى لا يُضَر من فرط تلك الرسائل.. وباستمرار الشخص في زيادة جرعات التعاطي يكبر هذا الحائط المكون داخل المخ لحمايته من زيادة نسبة مادة “الدوبامين” بداخله، فزيادة نسبة هذه المادة يسبب ضغط عصبي شديد على المخ. لذا فرغبة الإنسان في الحصول على احساس السعادة المفرط يتعارض مع ما يبتغيه المخ. ويستمر هذا التعارض بشكل دائم مسبباً الأمراض والاكتئاب.
إشارات تحفيزية ترسل لمركز المتعة بالمخ
يبدأ المخ بتكوين ما يشبه حائط حماية أمام “مركز المتعة” حتى لا يُضَر من فرط الرسائل
أعراض الإدمان الإلكتروني
كم مرة نحاول في حياتنا اليومية إقناع أولادنا بترك اللعب الالكترونية وانتزاعهم من أمام هذا الإدمان، ويكون الرد “حاضر كمان شوية”.. وكم من المرات التي يطلب فيها الأطفال الوجبات أمام الألعاب الالكترونية أو الكمبيوتر أو نجدهم متمسكين بجهاز التليفون وهم جالسون معنا.. وكم عدد المرات التي يصعب علينا نحن انتشال انفسنا من أمام الأشياء الجذابة التي نشاهدها أو حتى ندري بأهمية التوقف عن ساعات العمل المضنية أمام الكمبيوتر.. للأسف تلك الأعراض هي بداية مرحلة الإدمان، وبداية فرط مادة الدوبامين بالمخ، وهي عدم القدرة على إيقاف شئ نفعله.
لذا قد نجد انواعاً مختلفة من الإدمان لها نفس الأعراض.. ممكن يكون إدمان طعام، كحوليات، مخدرات، ألعاب الكترونية، أجهزة كمبيوتر.. كلها أشياء عادية جداً المفروض لا تضر البشر ولكن الممارسة المطولة هي التي تؤدي للإدمان.
ومن الأعراض الأساسية التي تظهر عند الوصول لتلك المرحلة، هي العصبية والغضب إن حاول أحد حاول منعنا عن الشئ الذي تم إدمانه. ونرى ذلك في حالة انفجار طفل في البكاء الهستيري لمجرد أن الأم منعته عن الالعاب الإلكترونية، ووقتها لا يشعر بالمتعة بأي شئ بديل.. وهنا يولد إحساس عدم الرضا والإكتئاب المستمر.
ونجد أيضاً وضع غير سليم ملأ العديد من بيوتنا الآن حيث يترك الأهالي صغارهم أمام جهاز التابلت أو التليفون ساعات وساعات.. فرحين لهدوء الأطفال، وغير مدركين أن جزء منه يكون تعليمي لكن مع زيادة الوقت يصبح هذا الجهاز إدمان للمخ ويعتبره الطفل كأنه صديقه الوفي الذي ينفذ باستمرار ما يأمره به.. وهذا لا يجعله مدمن فقط بل طفل انعزالي لا يتعامل مع المجتمع من حوله بشكل سليم، وهذا يعتبر ثاني الأعراض للإدمان الالكتروني.
والأخطر من الإدمان هي المرحلة التالية له وهي مرحلة انعدام التلذذ بسبب عدم وجود أي نسبه من مادة “الدوبامين” في المخ بسبب الحائط المكون أمام “مركز المتعة” بالمخ، فهو عمل كعازل تام لأي إشارات تصل لهذا المركز وهذه الحالة تعرف باسم
Anhedonia
والاحساس بانعدام التلذذ والملل المستمر تكون أعراض هذه المرحلة ، ويسبب تغييرات في الشخصية تؤثر على من حول الشخص كأنه وباء من الإحباط والاكتئاب..
نجد أن هذا الإحساس بالملل ناتج من بناء حائط كبير داخل المخ، فيرفض الطفل أو الشاب أو حتى المسن المدمن أي محاولة للانعاش أوالتسلية بغير ما يدمنه ويعتاد عليه. فالأطفال يشعرون بالقلق إذا ذهبوا في نزهة جميلة بدون أجهزتهم الالكترونية ويتساءلون: وكيف سنقتل الملل؟ ولا يقدرون أي شيء أخر يقدم لهم.. والمشكلة هنا تكمن في أن ما يدمنه الشخص يقدم له جرعات كبيرة من مادة “الدوبامين” في حين أن أي نشاط أخر سيقدم له الجرعات الموزونة بالنسبة لإحتياج المخ. لكنهم دائما يشعرون بالملل لاحتياجهم لنسبة أعلى. فالإنسان المدمن لا يستمتع بالتأمل في الطبيعة أو التجول في رحلات ترفيهية ولا حتى ممارسة أي رياضة لأنها كلها تعطي جرعات أقل من “الدوبامين” مقارنة بالألعاب الالكترونية.
التشتت والعجز عن التركيز
التكنولوجيا لها آثار إيجابية وآثار سلبية على حياتنا.. نشعر بالآثار الإيجابية عندما لا يزيد تواجدنا أكثر من ساعة أو اثنين متواصلين أمام أجهزة الكمبيوتر. أما الأثار السلبية نشعر بها وتظهر أعراضها عند مستخدمي التكنولوجيا الرقمية بإفراط، وتتجمع الأثار السلبية في هجوم مباشر على أجزاء في المخ الإنسان.
الجزء الأول الذي يتأثر داخل المخ هو الفص الجبهي وهو الجزء المتمركز خلف الجبهة مباشرة.. وهذا الجزء من المخ هو مركز التحكم في التركيز والتخطيط واتخاذ القرارات. في حالة مستخدمي الكمبيوتر والتكنولوجيا لساعات أكثر لأداء مهام متعددة، بدأ العلم يكتشف وجود تآكل في منطقة التركيز في المخ داخل الفص الجبهي، ولذا الشخص يعجز عن التركيز زمن طويل، وإذا تعرض لتعدد المهام لا يستطيع التعامل مع الموقف والمخ يصاب بحالة شد مستمر. أما بالنسبة للأطفال أقل من 12 سنة الذين يتعرضون مدة طويلة للتكنولوجيا الرقمية، يظهر عليهم حالة مستمرة من الفرط الحركي وصعوبة الجلوس بهدوء، وهذا قد يبدو طبيعي لكن هو نتيجة الإدمان التكنولوجي. والأعراض التي تظهر للكبار تتراوح بين قلق وتلهف شديد وعدم انتظام النوم وإرهاق وعصبية مع تشتت في التركيز.
والجزء الثاني الذي يتأثر داخل المخ هو ما يُعرف باسم “أميجدالا” Amygdala
أو “اللوزية”، وهو مركز التحكم في المشاعر والحواس والذاكرة، ويقع في الفص الصدغي بالمخ. ومن ضمن مهامه أنه عندما يتعرض الشخص لتهديد أو خطر ينبه المخ فيفرز هرمونات منها “الأدرينالين” لإتاحة اليقظة والتركيز العالي عند الشخص مدة قصيرة للتعامل مع الخطر ثم تختفي تلك الهرموات من المخ ويرجع لحالته الطبيعية. وفي حالة الألعاب الالكترونية التي يلعبها الأطفال نجد أن المخ يشعر بنفس القلق ويفرز نفس الهرمونات بنسب أكبر لأن مدة اللعب تكون أطول من الأخطار الطبيعية، وهذه النسب الكبيرة من “الأدرينالين” تبقى داخل المخ ولا يستطيع التخلص منها كعادته، وهذه الهرمونات المتزايدة داخل المخ ينتج عنها عدم اتزان في المشاعر وتوتر وعصبية وضيق خلق واكتئاب بسبب عدم اتزان المواد الكيميائية داخل المخ.
الوقاية والعلاج
قدم الكاتب “براد هادلستون” نصائح عديدة لتلافي تأثير هذا الإدمان المرير على أجسادنا ونفسياتنا:
1- الحرص من تعدد المهام أو التبديل السريع بين المهام: تعدد المهام المتلاحقة ترهق المخ وتسبب الوقوع في الكثير من الأخطاء وتعرض الشخص لقلة في الفهم وضعف في الذاكرة وبطء في أداء الواجبات او المهام. ومن أهم الأعراض التي تزيد مع تعدد المهام الاكتئاب للشعور بالعجز والتعب الشديد.
من ضمن الحالات الشائعة لتعدد المهام وتعد مرهقة جدا للمخ، أن الكثير من الناس يعتقدون أن السماع للموسيقى وقت أداء الواجب أو عمل مهمة أخرى يريح الأعصاب. لكن على العكس تماما، فالمراكز الطبية أثبتت أن السماع للموسيقى يجعل المخ في حالة متصارعة بين السماع وتحصيل الموسيقى والانتهاء من المهمة الأخرى التي تنفذ في نفس الوقت. فالمخ يتمم جزء من المهمة الأولى ثم يفصل منها تماماً ليركز مع المهمة الثانية ثم يعمل العكس.. وبالتالي فهذا يرهق المخ جداً.
2- إزالة كل الأجهزة الالكترونية من غرفة النوم: عدد ساعات النوم الطبيعية للأطفال والشباب تتراوح بين 7 إلى 11 ساعة يومياً، لكننا نلاحظ أن الذين يتعرضون منهم لوجود الأجهزة الالكترونية في غرفة النوم، لا يزيد عدد ساعات نومهم أكثر من 4 إلى 6 ساعات.. وذلك بسبب التذبذبات التي تنتج عن الأجهزة، فالمخ يتنبه ومعظمهم يقطعون نومهم لمتابعة تليفوناتهم أو ألعابهم في أي وقت وسط الليل. وينتج عن هذا النوم المتقطع تعب وإرهاق واكتئاب وعصبية وقلة في التركيز. لذا يجب أن نحرص على النوم مدة 9 ساعات مستمرة لسن الشباب بدون وجود أي أجهزة الكترونية داخل غرفة النوم.
3- إغلاق الأجهزة الالكترونية على الأقل ساعة أو إثنين قبل النوم: لأن الإضاءة الزرقاء التي تنبعث من الأجهزة تسبب تعطل في فرز هرمون النوم المعروف باسم “ميليتونين”، وذلك يسبب أرق شديد وصعوبة في النوم.
4- أثناء النوم تمنع الأصوات تماماً حتى الموسيقى: لاحتياج الإنسان لقسط من النوم العميق الذي لا ينقطع بأي مؤثرات صوتية.
5- استبدال الأجهزة الرقمية بأدوات غير رقمية: يمكن استبدال الألعاب على التليفون بألعاب ذهنية أو ألعاب جماعية مثل الشطرنج، الطاولة، الكوتشينا.. وكذلك محاولة قراءة الكتب ولعب الرياضة والنوم ساعات كافية للراحة الفعلية.
أيضا يجب على الشخص الذي يضطر لأداء عمله على الكمبيوتر أن يفصل نفسه كل ساعة لمدة عشر دقائق بعيد عن أي الكترونيات حتى تليفونه.
وبذلك يتم استبدال الأشياء الرقمية بأشياء مناظرة لها غير رقمية بحيث لا يتعرض جسم الشباب أو كبار السن لأكثر من 20% من ساعات اليوم للالكترونيات أي أقل من 5 ساعات يومياً.
إدمان الانترنت ليس تعبيراً مجازياًوإنما له أثار بيولوجية حيويةعلى المخ تعادل تأثير تعاطي المخدرات، فلم نستطيع غلق هذا الملف قبل أن نتواصل مع مع “هادلستون” لمزيد من الاستفسارات
ماذا يفعل الشباب العامل في مجالات تتطلب وجوده أمام الكمبيوتر 8 ساعات على الأقل؟
العالم كله يقف في حيرة شديدة أمام حقيقة المهن والأعمال، لأن معظم الأعمال الأن تستخدم التكنولوجيا بأعلى التقنيات وبشكل مستمر يصل إلى أكثر من 33% من عدد ساعات اليوم. لذا يتعرض البشر لقدر كبير من الساعات غير المتقطعة للالكترونيات، في حين أن المخ لا يميز دوافع الإنسان أو ظروفه لكي يتحمل معه. لذا لم يستطيع العالم والعلم حل تلك المشكلة لكن العلماء قدموا بعد المقترحات التي تقلل حجم الأذى منها:
– التوقف التام عن استخدام التكنولوجيا بكل أساليبها بمجرد مغادرة العمل، وبذلك تكون قد حافظت على المخ بعض الوقت حتى يعاود كفاءته في اليوم التالي في العمل.
– ابتعد عن فكرة تعددية الأعمال، بل يجب العمل بفكرة التتابعية حتى لا ترهق المخ ويكون انتاجك مثمر وتقل الأخطاء فيه.
– حاول أن تقرأ كل المطبوعات وقلل عملية القراءة من خلال شاشة إلكترونية.
– أي ملاحظات في العمل اكتبها على ورق.
وماذا عن الأطفال الذين وصلوا لحالة إدمان عالية بالقدر الذي لا يتيح لهم الرضا بأي شئ أخر، فكيف يتعامل معهم الأهل لمساعدتهم للاستشفاء؟
عملية استعادة شخص مدمن لحالته الطبيعية تسمى “الفطام” وهذا الفطام هو أسلوب يتبع مع مدمنين المخدرات والكحوليات وهو يتبع أيضا مع مدمني الالكترونيات. وعملية الفطام لا تتم بالتدريج لكنها تكون فعالة أكثر بالمنع التام في لحظة. وبرغم أن هذا صعب لكن نتائجه تلاحظ بسرعة مع مراعاة المثابرة في احتواء الشخص وتقديم البدائل الممتعة. وإن كانت لن ترقى للمدمن في الأول وبعد أيام سيبدأ المخ يتكيف مع الأوضاع الجديدة.
هل يوجد مراكز تتعامل مع حالات الإدمان الالكتروني بمصر؟
الكثير من الأهالي يعتقدون أنهم حالات فردية ذوي أطفال مدمنين أنترنت.. وكثيرين يزيد بداخلهم الرعب عند مشاهدة أطفالهم يشبون بشخصية تملأها الغضب والغل والتوتر محاولين إحتواء الموقف داخل بيوتهم. لكن أقول لكم أن هناك أمل وهناك فرص للمساعدة في مصر.. فالأهالي ليسوا بمفردهم.. فلا تعزلوا أنفسكم صامتين بل اسعوا للمعرفة وإيجاد الحل عند من لديهم الحلول.. الحل لا يحتاج إلا لبضعة أسابيع ولن يكلف.. وسرعان ما يعود لكم أطفالكم كما كانوا قبل الإدمان التكنولوجي، فالمخ يستشفى مثل أي عضو مجروح في الجسد. توجد حركة “العالم يحتاج لأب”
TWNAF
والتي لها أعضاء في مصر وهي معنية بأهداف تربوية وتوعوية من بينها مواجهة الإدمان الإلكتروني.
حركة توعية مصرية
التقطت وطني الخيط وتوجهت إلى المهندس باسم عبد الملك مؤسس حركة “العالم يحتاج لأب” بمصر، وقال: إن الحركة بدأت أولاً في جنوب أفريقيا عام 2002 ثم انتشرت في 75 دولة، وبدأت في مصر عام 2012 والهدف من وجودها كان التوعية بأهمية الآباء في حياة الأبناء، ودراسة الشكل الأسري الصحيح الذي ينتج منه نشء صالح. ومن خلال مجال عمل الحركة تقابلوا مع “براد هادلستون” وبدأوا حركة التوعية وتقديم يد العون للأسر ذات الإدمان الإلكتروني – سواء الأطفال أو الأهالي نفسهم.
وأضاف “عبد الملك” أن فكرة التليفونات وشبكات التواصل الإجتماعي قد تبدو أنها تزيد الترابط بين الناس لكنها في الحقيقة تفصل بينهم، حيث أننا أصبحنا نكتفي في صداقاتنا بالرسائل ومعرفة أخبار الناس عبر شبكات التواصل لكن في الحقيقة أن العلاقات الإنسانية المفروض تكون أقوى وأكثر حميمية من ذلك.. وبالتالي تحولت علاقات الصداقة إلى معارف بعلاقة سطحية إفتراضية.
حتى بين الزوجين اختفت الحميمية، فكلما حدثت خلافات بين الأزواج لجأ كل منهما إلى تليفوناتهما هرباً للعالم الإفتراضي ليعيشا فيه كبديل لشريك الحياة.. وبالتالي فلا يوجد حب وصبر ومثابرة لإنقاذ الأسرة والاستثمار في هذه العلاقات، لأن التكنولوجيا أعطت لنا ما نتصوره البديل المُنقذ أو المَنفذ الذي نلجأ له عند الهروب من الضغوط! وهذا أحدث شرخاً كبيراً في الأسر لأن بالتبعية الأطفال يقلدونهم، فإذا وجد الطفل أهله جالسين معه ومتابعين تليفوناتهم أو الشاشات الالكترونية سيفعل مثلهم، وإذا حاول التكلم معهم ولاحظ أنهم غير مبالين لأنهم مشغولين بالالكترونيات إما سينعزل عنهم ويعمل مثلهم أو سيحاول جذب انتباههم بالعصبية وأفعال جنونية معهم أو مع باقي أخواته. وبذلك نصل لأهم نقطة وهي أن العلاج يجب أن يبدأ من عند الأب والأم ليكونا قدوة للأبناء.
واستطرد “عبد الملك”: إذا شعر الأولاد أن ما يفعلوه في حياتهم لا هدف له أو ليس له قيمة، يلجأون للتليفون والألعاب لأنها تملأ الوقت وتجذب إنتباههم وتضعهم في شبه إمتحانات وتحديات مستمرة عند اجتيازها يشعر الطفل بنجاح افتراضي ينعشه ويشعره بقيمة عند نفسه. ولذلك يمكن تحقيق نفس الهدف بمساعدة الأهل بعيداً عن الإدمان الالكتروني بواسطة ممارسة رياضة أو لعب ألعاب جماعية في البيت تلتف الأسرة كلها حولها، وبقليل من التشجيع في كل نجاح أو خطوة إيجابية يفرح الطفل ويشعر بقيمته عند أهله فلا يبحث عن بديل يملأ فراغ بداخله.
ومع كوننا قدوة في حياة أولادنا، يجب أن نتابع محادثاتهم مع أصدقاءهم وما يتعرضون إليه من معلومات سواء عبر الإنترنت أو من خلال برامج وألعاب أو وسط أصدقاءهم. وهنا يأتي الدور الثاني للأهل وهو الكلام المستمر والتوعية المباشرة وغير المباشرة أثناء وجودهم معنا في البيت لأن تلك هي النبتة التي يزرعها الأهل لكي تأتي بثمار في مستقبلهم.
ومن المفارقات اللافتة للتفكير التي قالها المهندس باسم أن كل أصحاب الشركات العالمية في المجال الإلكتروني يحرصون على عدم تعرض أولادهم للتكنولوجيا الرقمية، ويرسلون أولادهم لمدارس تمنع الكمبيوتر حتى سن 12 سنة!! وهذا يؤكد أن هؤلاء مدركين أن مرحلة الطفولة إلى سن 12 سنة يكون فيها نمو في مراكز الإبداع بالمخ لذلك لا يجب أن يتدخل الكمبيوتر لتعطيل هذا. حتى كريس أندرسون رئيس “يو أس روبوتيكس” أعلن رؤيته لمخاطر التكنولوجيا الرقمية وتأثيرها على نفسه وكل العالم لذا منع أطفاله للتعرض لتلك المخاطر.
ومن توصيات الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال حول استخدام الأجهزة الذكية أن تمنع استخدامها تماما للأطفال أصغر من سنتين أما من سن 3 إلى 5 بحد أقصى ساعة في اليوم ومن 6 إلى 18 سنة يمكن الاستخدام ساعتين في اليوم مع متابعة دقيقة من أولياء الأمور للمحتوى الذي يتابعه الأبناء.
والإحصائيات العالمية ترصد أن الإنسان يمسك تليفونه للمتابعة ما لا يقل عن 300 مرة في اليوم! فإلى أين نحن ذاهبون؟!!