في الذكرى ال23 لرحيل أنطون سيدهم، القائد والمعلم والأب، الذي أسس جريدة وطني عام 1958، نتذكره بكل الحب والاحترام والفخر برسالة أرسى مبادئها وأهدافها منذ نحو 60 عامًا. كان ل”سيدهم” بصمة فارقة في حياة من حوله سواء على المستوى الشخصي أو المهني. ننشر اليوم مختارات مما كتب عنه في ذكرى رحيله من أفراد أسرته، ملقين الضوء على جانب من حياته قد لا يعرفه الكثيرون.
كميل سيدهم يفتح قلبه لوطني في مناسبة مرور ثلاثة سنوات على رحيل أخيه أنطون سيدهم
وطني في عدد ٣ / ٥ / ١٩٩٨
“ولدنا أنا وأخي الأصغر أنطون في مدينة طنطا، وعندما بلغت من العمر ثلاث سنوات – أنا أكبر من انطون بقليل – انتقلنا كأسرة الى مدينة الزقازيق بمديرية الشرقية “محافظة الشرقية الآن”، والشرقية هي بلد والدتنا. مكثنا بالزقازيق حوالي ثماني سنوات كان منزلنا جميل قي منطقة اسمها كفر يوسف بك.
دخلنا المدرسة الأمريكية معًا، كان أنطون “غاوي” علم ومذاكرة، أما أنا فكنت أتصف بالشقاوة. وفي عمر الأربع والخمس سنوات كنا نقطن منزلًا له حديقة ذات أشجار جميلة. وعندما كنت أتشاجر مع أقراني من الأطفال كانوا يهرعون وراء أنطون فيضربوه بدلًا مني لأننا كنا نمتلك نفس الشبه. كان والدي يكتشف ذلك فيقوم بضربي وعقابي وحرماني من الطعام فكان أنطون يقسم نصيبه في الطعام ويحضره لي! ولما اكتشف والدي هذا النبل في “أنطون” سعد بهذه المحبة. بعد ذلك طلب من والدتي دون أن نشعر بأن تعطي “انطون” نصيبًا مضاعفًا من الطعام.
ثم انتقلنا الى الإسكندرية التي قضينا بها مرحلة الصبا حوالي خمسة أعوام، كنا نعيش في منطقة محرم بك، وكما ذكرت كان أنطون “غاوي” تعليم ودراسة. حصل على شهادة الابتدائية ثم على شهادة الكفاءة “الثانوية العامة الآن”، وأذكر من زملائه آنذاك الدكتور يوسف رزق الله والذي أصبح طبيبًا للعائلة فيما بعد وأيضًا أذكر الدكتور أنيس رزق وكان رابع صداقتهم زميل آخر اسمه أسعد رفلة. وأصبح هؤلاء الأربعة يشكلون مجموعة تمثل الزمالة والصداقة والمحبة عندما انتقلنا الى القاهرة.
“أنطون” أصبح طالبًا بكلية التجارة – وكان زميله آنذاك الطالب عزمي رزق الله. كانا زميلين وصديقين في آن واحد، وبعد تخرجهما استأجرا حجرة في ميدان العتبة، كانت هذه الحجرة هي مقر مكتب المحاسبة. وكان الاثنان من أوائل المصريين الذين يفتتحون مكتبًا للمحاسبة والمراجعة، حيث كانت المكاتب الموجودة للأجانب فقط.. من هنا فهما يعدان من رواد هذه المهنة في مصر.
وعن تأسيس جريدة وطني، كان أنطون سيدهم يفكر في تأسيس هذه الجريدة منذ الأربعينات، كان يريدها صحيفة وطنية دينية يكون لها دورها القومي والقبطي في آن واحد.. وكان الأمر يحتاج الى التدعيم المالي. وبالفعل كما ذكرت فانه مع بداية 1958 بدأ الاجتماعات التنفيذية لإصدار هذه الجريدة، كان يريدها جريدة يومية ، وبالفعل قام بتخليص اجراءات امتياز اصدارها على أن تكون جريدة يومية.”
رسالة نادية سيدهم لأبيها في ذكراه الثانية
وطني في عدد ٤ / ٥ / ١٩٩٧
“أبى كنت دائما الضاحك الساخر.. الحازم العادل.. العائل المعتدل.. الملتزم المحب.. كنت دائما محدد الهدف، واسع المدارك والرؤية، حازمًا فى تأدية الواجب.. وكيف أنسىى صدرك الحنون الذى كان يتلقفنيوقت المحنة ويحول دموع الأسى الى بسمة. كان تفاؤلك ساحقًا لتشاؤمي، تخرجني من محنتي وكأنني عصفور عادت إلى جناحيه الحركة والحياة والفرحة.
أنطون سيدهم لست فقط أبي، بل أب الملايين من المضطهدين والمظلومين.. ستظل حيًا فى نبض القلب والفكر والوجدان.. وأخيرًا لن أنسى تواضعك وواقعيتك ونظرتك الفلسفية الساخرة للحياة، عندما كنت تتلو علينا من قصائد الشعر
“نعيب زماننا والعيب فينا ومالزماننا عيب سوانا”
وايضًا.. “تناقش العالم فتغلبه ويناقشك الجاهل فيغلبك”
أبي قوتك تعيش فينا”
وفي ذكراه أيضًا قررنا إعادة نشر واحدة من ابداعاته ومقالاته، التي لم يحيد بها يومًا عن الحق أو إنصاف مظلوم، وكان متسقًا دائما مع سياسة جريدته لسان حال العدل والاتزان والبعد عن صحافة الإثارة.
احترنا في الاختيار فالراحل العظيم كان له جولات ومعارك خاضها بقلمه في مجالات السياسة والاقتصاد والشأن القبطي وكافة قضايا الوطن.
في إطار احتفالنا هذا العام بمرور 60 سنة على صدور “وطني” وجدنا في عدد 30 ابريل 1978 الأستاذ قد كتب تحت عنوان ” دعاء وابتهال” صلاة أطلقها طالبًا من الله الإشراق بنوره على الأرض ليحررها من أسر المظالم، راجيًا اياه ربط أواصر التراحم بين البشر ونشر الحب. دون تردد وجدنا الدعاء أنسب ما ينشر في ذكراه الخالدة.
يا من هبطت من السماء فداء للبشرية..
أشرق بنورك عليها..
لتحرر من أسر المظالم..
ومن ربقة الخطية.
يا من جئت رحمة للعالمين.. وهدى للحيارى والتائهين،
قو أواصر التراحم بين الناس..
واقشع عنا الحقد والتعصب الأعمى.
يا من مشيت بين الناس بالحب..
وقاومت الشر بالخير..
املأ بحبك القلوب..
وانزع الشر من أفئدة اخوتنا وأحبائنا
يا من كفكفت دموع الحزانى، وجبرت خواطر المنكسرين، وقويت الضعفاء والمستضعفين.. تطلع من عليائك إلى المحزونين والمكروبين وهئ لهم ما يمسح دموعهم ويملأ قلوبهم براحتك وقوتك.
يا من أقمت المقعدين، وفتحت عيون المكفوفين.. أنر البصائر لينهض الراقون من الضعف والسلبية، وليبدأوا حياة جديدة منيرة بإيمانك ومحبتك.
يا من كنت رجاء لمن ليس له رجاء.. أحى الآمال فى النفوس، وجدد فيها الرجاء.
يا ملك السلام، انشر سلامك علينا، وبين ربوع العالم بأكمله.
يا من دعوت حامل السيف أن يرد سيفه إلى غمده، وقلت له “من أخذ بالسيف.. بالسيف يؤخذ” حول أسلحة الحرب إلى أدوات سلام.
يا من علمت الناس أن يتناسوا الأحقاد، وقلت لهم ألا تغرب الشمس على غضبهم، امسح من قلوبهم الأحزان، واملأها بالصفاء والتسامح والنقاء.
يا من ناديت بالإخاء والتعاطف والمساواة، أزل عوامل التفرقة وامح بواعث التمييز، ليكون الجميع واحداً، وليعلوا الإخاء وتسود المساواة.
يا من أرسيت بتعاليمك قواعد العهد الجديد، وقلت “ان الله خلق الإنسان فى البدء ذكراً وأنثى وجعلت الذكر يتزوج بأنثى واحدة، وقدست الزواج واعتبرته سراً من الأسرار المقدسة، وأوصيت الزوجين بأن “يكونان جسداً واحداً” فلا توجد نزعات تفرقة توجه إلى الجسد الواحد، أو تحاول تقويض قواعد البناء.
يا من جاهدت بالحق، وكافحت المظالم، ساند المجاهدين بحقك، وشدد عزائم المدافعين عن المظلومين، هبهم من لدنك قوة على الثبات والصمود.
يا من وهبت أبناءك وشعبك صلابة فى مواجهة الاضطهاد، واستبسالاً فى ساحات الاستشهاد، تطلع من علياء سمائك إلى حاملى رسالتك والمنادين باسمك، أعطهم قوة وحكمة، وحل دون عدوان الإنسان على أخيه الإنسان.
يا يسوع الناصرى..
يا صاحب العيد ونحن نحتفل بذكرى قيامتك المقدسة..
يا من غلبت شوكة الموت.. هب البشر أن يتغلبوا على نزعات الشر، وعلى المحن والأحقاد.. أحلل المحبة والإخاء والمساواة مكان الفرقة والبغضاء والكراهية، ليعيش الناس جميعاً- من كل جنس ودين ولون- اخوة متحابين فى رعايتك ومحبتك وسلامك.