المصريون يودعون الإذاعية الكبيرة أمال فهمي
يموت البشر دائما وقليلون منهم من يترك بصمات باقية فى قلوب من عايشوه، ومن شكل وأثر في وجدانهم، هكذا كانت الإذاعة القديرة “أمال فهمي”، فكل من عرف الإذاعة المصرية واستمع إلى برامجها كان ينتظر”أمال فهمي”يوم الجمعة من كل أسبوع ليستمع إليها في برنامجها الشهير “على الناصية” وكانت عبارتها الرقيقة “تحب تسمع إيه” والتي تنهي بها حوارها القصير مع كل ضيف من أجمل الفقرات والتي كانت تتنوع ما بين علمية وثقافية واجتماعية وكلها في ثوب شيق وعلى سبيل الصدفة، على الناصية، الذي صادف نجاحا منقطع النظير مع المستمعين منذ انطلاقه في الخمسينيات، ليٌشكل “كيمياء” خاصة جدا مع الجمهور، من خلال صوتها الأخاذ عبر الأثير والذى استمرت تقدمة 57 عاما متواصلة واجتذبت المشاهير، مثل سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وعميد المسرح العربي يوسف وهبي، ورائد الفضاء الروسي جاجارين، صاحب أول رحلة حول القمر.
ولدت آمال فهمي بالقاهرة عام 1926، ولم يمض عامها الثامن حتى تأسست دار الإذاعة بالقاهرة، وذلك في 31 مايو عام 1934، لينطلق إرسالها عاليا مدويا “هنا القاهرة””
مسيرتها مع الإذاعة بدأت سن الزهور، فشاركت في برامج الأطفال التي كانت يقدمها “بابا شارو” و”ماما زوزو”، حيث غنت بصوتها الأغنية الشهيرة “قطتي صغيرة ..أسمها نميرة” التي لايزال يرددها الأطفال حتى وقتنا.
التحقت بكلية الآداب جامعة القاهرة، وهناك تتلمذت على يد كبار الأدباء والمفكرين، وعلى رأسهم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، والمفكر والأديب أحمد لطفي السيد أول رئيس للجامعة المصرية، والدكتورة سهير القلماوي، أول سيدة تحصل على الماجستير والدكتوراة في الأدب العربي. و في عام 1951،التحقت بالإذاعة المصرية وحفرت مكانتها منذ ذلك الحين ضمن الرائدات الأوائل للإذاعة المصرية مثل أم الإذاعيين صفية المهندس، ورفيقة دربها سامية صادق وقدمت لى برامجها، والذي حمل عنوان “حول العالم”، والذي كان يقدم المعلومات الثقافية والجوانب الحضارية لدول العالم، وقد ساعد هذا البرنامج في زيادة الوعي الثقافي لدى جمهور المستمعين وتوالت البرامج الجماهيرية التي قدمتها آمال فهمي، فكان برنامج “في خدمتك” الذي يعتمد على استقبال شكاوى المواطنين وإذاعتها، وبرنامج “عقبال عندكم”، ثم البرنامج المعروف “هذه ليلتي” الذي كان يستضيف عددا من نجوم السياسة والفن ونجوم الغناء ورؤساء التحرير، إلى جانب ” فنجان شاي”، والذي استضافت فيه شخصيات سياسية، وزعماء دول عربية منهم: أحمد بن بيلا، وهواري وبومدين، وجعفر نميري، والملك حسين.
ومنذ منتصف الخمسينات، كانت آمال فهمي صاحبة السبق في إدراج “فوازير رمضان” إلى قائمة برامج الإذاعة، وكان يكتبها كبار الشعراء مثل بيرم التونسي، وصلاح جاهين.
حصلت آمال فهمي في عام 1960 على لقب أفضل شخصية في العام، وذلك مناصفة مع الرئيس جمال عبدالناصر، وفقًا لاستفتاء أجرته مجلة “المصور” عن أفضل الشخصيات في هذا العام.
علاقتها بالفن واشهر فنانيين عصرها
تقول آمال فهمي في حوار صحفي كانت علاقتي بجميع الفنانين طيبة، لكن خارج حدود بيتي، فلم أكُن أستقبل بِالمنزل أى زيارات، والجميع يعرف قصتي مع العندليب الأسمر “عبدالحليم حافظ”، ودور برنامجي “على الناصية” في تقديمهِ للجمهور، وهو ما دفعه لأن يعرض على أن أشاركه فى فيلم “حِكاية حُب” كمذيعة يسمع الجمهور من خلال برنامجها أغنية “بحلم بيك”، والتي ما يزال الجمهور يذكُرني بها، وأتذكر أنه تم تصوير هذا المشهد أكثر من ثلاث مرات، لأنى كنت دائما أبتسم من إيماءات عبدالسلام النابلسي، وأجمل ما في علاقتي بـ”حليم”، أنه كان يأخذ بنصيحتي، فمرة نصحته بألا يجعل الكورال يظهر معه في الأفلام، لأن أحاديثهم الجانبية تظهر للجمهور أثناء غنائهِ، كما نصحته بألا يغمض عينيه أثناء الغناء، لأن شكله يكون مثل الضرير، ونفذ النصيحتين بالفعل، ما يتعلق بكوكب الشرق كانت علاقتي بها قوية، خاصةً أنه كانت تربطني بها علاقة خاصة جدًا، جعلتني أراها بشكل يومي، حيث كانت هناك صديقة تجمع بيننا من العائلة الأباظية، وكانت تلك السيدة أثناء فترة دراستي الجامعية تعتبرني مثل ابنتها، لأنها لم تنجُب فتيات، بينما تعتبرها “أم كلثوم” صديقتها المُقربة، فقد كانت تأتي لها كل يوم في تمام الساعة الرابعة عصرًا لتجلس معها، كما أنني أعشق صوت “أم كلثوم”، ولا أنام إلا على صوتها
المنع من السفر ووقف برنامج على الناصية عشر سنوات متواصلة
في حوارها مع جريدة الأهرام قالت الإذاعة الكبيرة أوقفني محمد فايق، وزير الإعلام الأسبق، لأني هاجمت علي صبري وقتها، وكنت سجلت حلقة مع مواطنين من إحدى قرى الشرقية، التي لم تصل إليها الكهرباء، محاباة لقرية علي صبري، خصوصاً أن محمد فايق كان متزوجاً من ابنة شقيق علي صبري، واستمر توقيفي ومنعي من السفر نحو 10 سنوات، وعندما تولى الرئيس السادات الحكم، ساعدتني السيدة جيهان السادات في إعادتي لبرنامجي “على الناصية”، فقد رأى أني لم أخطئ في حق على صبري، واعتبر أن ما قلته يمثل حق المواطنين في الحصول على الكهرباء، واشترط علىّ عدم الهجوم على أحد بعد ذلك، والسيدة جيهان خاطبت الجوازات لرفع إسمى من قائمة الممنوعين من السفر، ولكن كان أكثر ما أحزنني في حياتي هو أن عبور 1973 حدث أثناء فترة توقفي، وقررت أن تكون أول حلقة من خط بارليف، وكانت مصر ما زالت تعيش فى أجواء النصر، أنجزت الحلقة والدموع تسابقني، قلت يومها للمستمعين “أحييكم من فوق خط بارليف”، وأعتبرها أفضل حلقة قدمتها في حياتي، وظللت هكذا حتى اعتزلت عن العمل بالإذاعة إثر سقوطي على سلالم ماسبيرو، وعلاجي في مستشفى القوات المسلحة بأمر من وزير الدفاع اعتبره تكريماً كبيراً لي .
على المستوى العائلي اقترنت “ملكة الكلام” بالمخرج الإذاعي محمد علوان صاحب لقب “إمبراطور الإذاعة”، وقد أخرج علوان روائع التمثيليات الإذاعية عبر أثير الراديو، والتي نجحت نجاحا منقطع النظير قبل أن يتم تحويلها إلى أفلام عبر “الشاشة الفضية”، ومن هذه الروائع “، شيء في صدري، وجفت الدموع، في بيتنا رجل، نادية، نحن لا نزرع الشوك، أيام معه، أنف وثلاث عيون، الحب الضائع، صابرين
ورحلت عن دنيانا تاركة رصيد من الحب في قلوب المستمعين فوداعا آمال فهمي .