كنت قادراً أن ترى أكثر، لكنك اخترت أن ترى أقل، كنت قادراً أن تعرف عن نفسك، ومنع جموحك، حينما اجتزت طريق الهلاك، لكنك اخترت ألا تعرف، طمعاً في الجهل الطوعي، الذي يضمن لك البقاء في حضرتها، وتركت الكل راحلاً إلى دنياها، تلك التي اختطفت بريق طهارتك، وشيدت جسراً محصنا بين القسوة وقلبك، فتحت أبوابك الخلفية للصوص الفرح، فنهشوا كل ما لديك، وألقوا ببنيك في دروب التيه والتشرد، بحثوا عنك حينما كنت مطارداً وحيداًَ، فتواريت منهم، واخترت الفرار، لم تنصت لصوت تساقط الثلوج فوق قمم علاقاتك حتى تجمدت جميعهاً, فرحلت أنت عن الأعزاء، فيما وقفوا هم في طابور الأمل ينتظرون إفاقة طال الأمد منها، لكنها ليست مستحيلة، وتلذذت بأنك مرغوب من الغرباء، وأشبعت جوعك العاطفي، على حساب ذويك، وظننت أن اللذة خالدة، وحينما أفقت ولم تجدها، أدركت أنها هي التي قيل عنها أنها أسقطت جبابرة.
تركت ضحاياك مع الألم، ولم تشعر بالشفقة، فلا أنت واجهت ذاتك بالضعف، ولا هم واجهوا ذواتهم بالعجز، كل منكم أنكر الواقع، وتماهي مع كتلة الألم الكامنة بداخله، للأسف لا يدرك البعض أن ذكاء المسافة هو الوحيد الذي يمنع كتلة الحزن بداخله، للأسف لا يدرك البعض أن ذكاء المسافة هو الوحيد الذي يمنع كتلة الحزن والعنف والغضب الكامنة بداخلك من الانفجار فيمن تعتبرهم أقرب الناس إلي قلبك، يصطدم الناس بعضهم ببعض حينما يقتربون أكثر، فيخرج كل منهم طاقة الألم التي تكمن بداخله، يحركها مثل موج البحر، فتغرق من حوله في مياه الوجع الهادرة، تكتشف أنك لست أنت، وشريكك في الحياة ليس ذات الشريك الذي اخترته قبل شهور أو سنوات، وإنما إنسان آخر، قاسي الطباع، حاد النظرات، غليظ الصوت، اقترب أكثر ستجده صورة منك حينما تنطلق آلامك، حينما يشعر الحزن المتأصل فيك بالجوع، فتدرك أن عليك سد شبعه، وتبدأ جينات القسوة في الظهور على ملامحك ونبرات صوتك، ولمساتك التي كانت بالأمس حنونة تصير جافة، ونظراتك الناعمة تصير شاذة كلها كراهية، وتكتشف أنك لا يمكنك العيش مع شريكك. بعضنا يستسلم لفكرة فض الشركة, بأي ثمن, حتي لو كان الثمن التخلي عن عقيدته, والبعض يسعي لتدوير الألم في شخصيته وتشغيل تروس اللذة المنتجة, التي لا تأتي إلا عبر مواجهة مع النفس, فكل من يواجهه ذاته، يعرفها، ومن يعرفها، يستطيع ترويضها، ومن روضها، أفلح في إنقاذها، حتى لو بعد حين، مثلما فعل والد ”فوزية” كل من يجد نفسه يحفظ أسرته، وكل من يضيع نفسه يلقي بأبنائه في جحيم من المشاكل.
اليوم نعرض أمثلة لعائلات فقدت استقرارها وسعادتها، بسبب هروب أحد الشريكين، وغير دينه، للفرار من شريك حياته، ضارباً بكل النتائج عرض الحائط، ناسياً الكل إلا نفسه، إلا الأنانية التي لا يفلح معها مواجهات بل تحتاج للبتر من الجذور لتحل محلها المحبة، والعطاء.
عروس الطاحونة
“فوزية” صبية، حينما تراها تدرك روعة الصبا وفتنته، من مواليد سنة 2000، لم تكمل عامها الثامن عشر، ولدت في أسرة مستورة جدا، جار عليها الزمن حتى صارت معدمة، أب لم يلتفت إلى بيته، أم مغلوبة على أمرها، إخوة وأخوات، يتجرعون مرارة الماضي في حاضر مشوه، وينتظرون مستقبل ربما لن يختلف كثيراً عن تفاصيل ماضيهم، إنها عروس العيد التي تتشابه قصتها مع عرائس كل عيد، اللاتي ينتظرن العدل في عالم معجون بخميرة الظلم، حينما تدخل مسكنها لا تجد سوى حوائط تجاورت مع بعضها البعض لتبني سداً بين أصحاب المكان وهواء الجوار، ضيق المكان لا يتسع إلا لسيريرين متهالكين، وكنبة في الصالة، حوائط بلا دهانات، وكراتين للملابس، فلا دولاب ولا ثلاجة ولا غسالة، رائحة البيت تبعث التقيؤ، وهم لا يدرون، يحيون لا يشتمون أنوفهم أدمنت العطن.
نشأت “فوزية” لتجد والدها، هوائي، متعدد العلاقات، لا يرى في والدتها سوى أماً، واكتفى بهذا الدور، كان صغيراً، عفياً، يرى في مرآة شبابه قوة يبطش بها زوجته، غير عالم أن قوة الظالم، في باطنها ضعف، واستمرت وتيرة حياته علاقة تنتهي وعلاقة تبدأ، رغم أنه يقطن الصعيد، إلى أن إلتقى بسيدة لا تنتمي لدينه وتحولت القوة إلى ضعف، والعافية إلى استسلام، والبطش إلى انصياع، تعلق قلبه البعيد عن الله بها، وحينما أتاه الاختيار اختارها، فترك بناته وزوجته، ودينه، ليلتصق بنزوة عمره، وعاش ملتصقاً بها، بضع سنوات، هلل فيها بمكسب نفس معتلة، بعد أن قرر تغيير ديانته من المسيحية إلى الإسلام، لم يكن أمام الزوجة المصدومة إلا أن تعمل خادمة في المنازل، تساعدها الإبنة الوسطى في ذلك، إذ تتكون الأسرة من ثلاث فتيات، شابات، جميلات الوجه والجوهر، وولد هو الأصغر بينهم عمره 11 عام.
تقول “فوزية”: أمي كانت بتجمع غسيل الجيران وتغسله، وتروح تمسح البيت، ولما كبرت شوية وعضمها وجعها بقت بتاخد أختي تساعدها، الشبان كانوا بيعاكسوا أختي، بس ماكانتش بترضى تقول لأمي، كانت بتحكي لي أنا، علشان ما تزعلهاش، الناس بتطمع فينا لأننا بنات من غير راجل، المجتمع قاسي وما بيشوفش وجيعة حد، كله عايز ياخد، يهبش ويجري، حتي لو هبش شرفنا، بس إحنا حافظنا على نفسنا، وكمان بنربي إخواتي الصغيرين مع أمي، لأن الأمل فيهم، بكرة اللي جاي بتاعهم، أختي وأخويا سنهم 11 و14، وأنا واثقة أن ربنا هايبعت لهم اللي يهتم بيهم، أما موضوع جهازي أنا مش عارفه أقول إيه فيه، تقريباً ما عنديش أي حاجة، وما عنديش أي حد يجيب لي حاجة غير الكنيسة وأنتم، ماعنديش هدوم، ولا غيارات داخلية، ولا بطانية ولا مفرش سرير، ماعنديش حلل ولا مواعين، لا أدوات ولا صيني، ماعنديش اللي لازم يكون عند أي عروسة، ماعنديش سجاد ولا خلاط ولا براد، ولا شبشب، ولا شنطة أخرج بيها بعد الجواز, ولا قمصان نوم, ولا ملايات أفرشها في بيتي, ولا حتي قدرت أشتري مرتبة السرير, والكنيسة ما تقدرش تعمل أكتر من اللي عملته, جابت أوضة النوم والتلاجة كتر خير اللي يساعد، عارفه أن طلبي اتأخر وجوازي قرب أوي، بس معتمدة على ربنا، أنه يفرح قلبي.
لم تفارق الابتسامة وجه ”فوزية”، ظننت أنها ابتسامة اللاحيلة، والضحكة المرسومة علي وجه الزمن المغلوب، لكن ما أن ظهرت علامات الدهشة على وجهي حتى تطوعت هي بالإجابة، قائلة: لو بتسألي نفسك أنا أزاي قادرة أضحك، أحب أقول لك أن زمان بكينا كتير لما أبويا مشي، ودخلنا طاحونة العذاب مرة بالتعيير، وبالاحتياج، وكتير بالفرقة والغياب، لكن بعد القهر ربنا رد لنا اعتبارنا، ماسابناش حزانى، في يوم لقينا الباب بيخبط، وأبويا داخل علينا والبكاء أقرب للصراخ، الندم أكل متعته، وتفاصيل كتير رجعته مافيش داعي نقولها، وساب أبويا الست اللي أخدته مننا، لكن طبعاً في عرف البلاد أن ده ارتداد، قاموا عليه وعلينا طاردونا، طلبوا التار، كلنا هربنا وسبنا البلد، أما هو فربنا أراد يهرب للأبد، بعد كل ده هاشيل هم جهاز، أو أمي تشيل هم إيجار، وأكل وعيشة، ربنا قادر زي ما حنن القلب العاصي، يحنن قلب العاطي.
فوزية لها إيمان تنحني أمامه هامات العظماء، فلا يوجد بعد كلماتها كلمات سوى أن: زفاف فوزية يوم 14 أبريل، وليس لديها المال لتشتري أي شيء من جهازها، ووالدتها تدفع 500 جنيه إيجار للسكن، كما تساعد الكنيسة الأسرة بمبلغ 400 جنيه شهرياً، لكن طاحونة الأفواه تتجاوز ما تشتريه تلك الجنيهات من طعام ولا تترك في بطونهم مكانا للشبع.
الوجع الساكت
الوجع الساكت على وجه “فوقية”.. ذلك الوجه البائس ضمن وجوه الحياة التعسة، التي تطل علينا فنزيحها حتى لا نصطدم بعجزنا عن إسعادها.. ”فوقية”.. أكتاف منحنية، وملامح كساها تراب السنين، وجسد هزيل، تركت قسوة الأيام بصمتها على خطاه، ملابس تعود موضتها إلى عشرات السنين، فلا هي امرأة من ذوات الجلباب الأسود، ولا هي سيدة تمكنها الظروف من ارتداء ما يستر عورتها عن الناظرين، حينما رأيتها، اختطفت قلبي طلتها الحزينة، ووجدتني في ضيق ما بعده ضيق، أنها في الثالثة والأربعين من عمرها، وكنت أحسبها في الخامسة والخمسين على الأقل، ليس لها حظ من الجمال، ولا حظ من الصحة، لديها ولدان الأكبر عمره 22 سنة ويعمل سائق توكتوك، والأصغر 20 سنة يقضي حالياً الخدمة العسكرية، حينما سألتها عن تفاصيل قصتها قالت ”فوقية”: اتجوزت عندي 18 سنة، كنا عايشين في البلد، مع عيلة جوزي، وكان كويس، بعدما ما خلفت الولدين، لقيناه على طول بيخرج، وبيسهر في الليالي، مش عايز يصرف علينا، مش عايز يقعد معايا، مافيش بيننا أي علاقة نهائي لا زوجية ولا غير زوجية، ومرت أيام وأنا مستنية حاله يتعدل، مش راضية أقول لأهالينا، لكن هم شايفين بعينهم بعد فترة طويلة خرج ولا رجعش.
واستنيت أبوالعيال كتير ولا رجعش، وبعد شوية عرفنا أنه أتلم على واحدة حلوة بيقولوا حبها ومايقدرش يستغني عنها، وراح أشهر إسلامه علشانها، وعاش وياها وخلف منها كمان 3 عيال، أخدوني أهلي من بيت أهله، وربوا معايا الولدين، وأنا ساكته لا حول لي ولا قوة، لساني ساكت، وقلبي ساكت، وحالي ساكت، حتى وجعي وحزني ساكت، لحد ما بقى عندهم 18 سنة و16 سنة، كنت كل يوم أبص في المراية وأقول له يارب لو خلقتني حلوة مش يمكن ماكانش هرب مني، مش يمكن ماكانش ساب الولدين، وتنزل دموعي زي النار تحرق خدودي، وتحرق قلبي، من الغيرة والحسرة والوجع، وبعدما أبكي ساعات أفوق وأشكر ربنا، على نعمة الرضا رغم الحزن، واستمرت حياتنا في البلد وكنا بنقضيها بأقل القليل، لغاية ما العيال كبروا، وفجأة لقينا جوزي بيحاول يرجع لنا تاني، من غير مقدمات، سبحان الله في خلقه، جوزي اللي عاش مع زوجة تانية من دين تاني اتخانق معاها وعايز يرجع بعد ما غير دينه، يا ترى ليه، معقول ندم، معقول راجع لي بعد العمر ده كله، معقول سابني صبية وراجع لي بعد ما كبرت، لا مش معقول، وفضلت أكدب في نفسي لغاية ما شفته بعيني، وقال إنه خلاص ندمان ولازم يصلح اللي عمله.
الفرحة ملت قلبي، والعيال رفعوا راسهم، بس يا فرحة ما تمت، إحنا في الصعيد عارفين يعني إيه الصعيد، يعني لو رجع عن دينه يبقى مرتد ويقتلوه، يعني تار ونار وعراك وجحيم، وعلشان كده، أخدنا ديلنا في سنانا ونفدنا بأرواحنا من جحيم الانتقام، ومشينا من البلد جينا القاهرة، كبيرة وناسها كتيرة، ولا حد داري بروحه ولا بغيره، ونقلنا العيال من المدارس، ونقلنا العفش، وأجرنا شقة إيجار جديدة، ونظمنا حياتنا على كده، وبدأنا حياة جديدة، بعد شهر بالظبط، قمت من النوم مالقتهوش، ودورنا عليه من جديد، لكن خرج ولا رجعش، مارجعش لينا لكن رجع لها هي تاني، وزي ما أخدته مننا في الأول عرفت ترجعه ليها تاني، بس المرة دي الضربة قوية، رجع لها بعد ما دمر حياتنا، بعد ما خلانا سبنا ناسنا وبلدنا، وبعنا حالنا وعفشنا، غيرنا سكنا، كان صعب علينا نرجع تاني البلد، مشينا هربانين، ولو رجعنا هاينتقموا مننا حتى لو هو رجع لها، خفت على عيالي، وخفت منه ومنها، واستمريت هنا في القاهرة، وعلشان نعيش ابني الكبير اشتغل على توكتوك، وأنا اشتغلت في حضانة.
سألتها: بتاخدي كام يا ”فوقية”: أجابت 400 جنيه, فقلت لها: لكن دول يعيشوكم أزاي، قالت: عايشين زي ما إحنا عايشين ثم وضعت يدها اليمني على كتفها الأيسر وتأوهت بلا صمت قائلة، صدقيني تعبت من غسيل السجاد والسلالم في بيوت الناس ثم بكت ”فوقية”، وأبكت جميع الحاضرين.
وعلت وجهها حمرة الانكسار والقهر والمذلة، حمرة القهر الممتزج بالحوج، كتمان الآه الممزوجة بالألم، وجهها الملون بلون الحسرة لا ينساه سوى جاحد أو متيبس المشاعر، لا أعرف كيف استطاع زوجها نسيانه كل هذه السنوات، يبدو أن للقسوة جينات، حينما تتمكن وتنمو في دماء الناس لا تمنعها مبادئ مكتسبة ولا رحمة جاءت بوصية الكبار، ”فوقية” أعيتها الحياة، فلم تجد صدراً تلقي برأسها فيه، ولا كتفاً تستند إليه، ولا تعرف ماذا تفعل حتى يتمكن ولديها من العمل وحمل الهم عنها، فالإيجار وحده 600 جنيه، هذا بخلاف نفقات المعيشة والكهرباء والمياه والغاز، الحياة صارت مكلفة في أقل صورها، والوارد أقل بكثير من المصروف، والغلابة يصرخون، “فوقية” تبكي على القادم أكثر مما تبكي على الماضي، فلديها يقين أن ولديها سيخرجان للحياة ويتركانها لنهش الزمن، إذ تقول: القسوة دي جينات ووراثة، خايفة من العيال يورثوا القساوة منه، ويسيبوني لغاية ما أموت لوحدي وحيدة محتاجة، ذليلة منبوذة.
معذورة في ظنونها، تلقت طنعات الأقدار في صمت وبلا اعتراض، وتخشى تكرار الغدر، من يعلم؟ ربما تكون على صواب، وربما تكون أصابتها هيستيريا الفراق فصارات تخشاه.. الله يعينها.
راحة الجحيم وعذاب الفردوس علي ورقة إشهار
كتبنا منذ سنوات عن سيدة على قدر عالي من الجمال جاءت تشكو همها، بعدما تركت زوجيها، نعم إنهما زوجيها لا تتعجب عزيزي القارئ، ليس خطأ مطبعي وإنما حقيقة، إذ أنها تزوجت وهي في الثامنة عشر من عمرها، لم يعمل زوجها وظل مقيماً في المنزل إلى جوار والدته حسب قولها، وأجبرها علي العمل في محل حلوى، وبعد فترة بدأت تقترب من زميل لها في العمل، وهو صديق لزوجها، كان قد طلب منه الوساطة لإصلاح الأمور بينهما، ولم تفلح الوساطة، بل إنه قرر إفسادها.
بعد أن أنجبت طفلا – هو الأن رجل عمره 20 عاما – قررت الرحيل، خطفت ابنها وغادرت المنزل، أشهرت إسلامها، لتتزوج من صديق زوجها وتحيا معه، طمست هوية ولدها، لم يكن يعرف هل هو مسيحي أم مسلم، وبعد فترة عرف الكل بأمرها، لكن من يستطيع أن ينطق؟ لا أحد، نحن في بلد الأغلبية منه ترى أن الحضانة فيه لأعلى الأبوين ديناً كما جاء بعض أحكام الأحوال الشخصية، وترك الزوج الأول الذي أضاعته سلبيته وتهاونه، ترك ولده معها، وقاطعها ذويها، واستقرت مع الزوج المسلم، فترة حتى أنجبت منه طفلة، وحينما أتمت الطفلة عامين من عمرها، كان الزوج الثاني قد قرر الزواج بأخرى، ولماذا يستمر معها، ولماذا يكلف نفسه عناء المواجهة مع زوجة هو يعلم أنها يوما ما ربما تتركه من أجل آخر؟، وحينما أدركت أن الرجل ألقى بها خلف ظهره، بل تركها لتخدم ولدها وابنتها وابنيه من الزوجة الأولى، وذهب ليقيم مع زوجته الجديدة، قررت الرحيل للمرة الثانية، واختطفت الأبنة كما فعلت مع الزوج الأول، ورحلت إلى مكان لم يعرفه أحد، واستعانت بذويها مرة أخرى، وعاشت 15 سنة في صمت، حتى جاء اليوم الذي كان لابد أن تدفع الثمن فيه، حينما تحركت كتلة الألم داخل ابنتها التي صارت في سن المراهقة ولا تعلم أين والدها، ولا تعلم هل هي مسيحية أم مسلمة؟، ظلت تبحث عن نفسها تحركها طاقة الحزن والغضب، فقررت الفتاة البحث ثم الرحيل إلى والدها، لتحيا معه، والدها الذي حينما عادت إليه تركها لأخويها 29 سنة و30 سنة، ولم تتربي معهما، ولم يعلما عنها شيئا واستقر هو وزوجته الرابعة، والآن جاءت والدتها تبكي أمامنا وتسأل ماذا تفعل، تطرح الندم على موائد الغفران فلا تجده، الآن تقر أنها تدفع الثمن بعد سنوات طويلة، ولم تدرك أن ابنتها ستدفع الثمن غالياً هكذ، ولم أجد رداً مناسباً عليها سوى أنها تحصد ما زرعته يديها.
أسرد عليكم تلك القصة حتى أذكركم أن الحياة الزوجية تحتاج المواجهة وليس الهرب، وأن العبء يقع على الطرفين، حتى لا يلقي البعض باللوم على الرجل وحده بعد متابعة القصتين الأولي والثانية، جميعها قصص تتشابه وتتشابك، لكن الفاعل فيها مشترك هو الآنانية والهرب من المسئولية إلى اللذة الذاتية.
نداء
في كل عيد نطلق نداء جديد لقراء افتح قلبك، من أجل أخواتنا الآصاغر، من أجل المحرومين، والضعفاء، والمحتاجين، والآملين في إسعاد ذويهم، من أجل المعوزين وطلاب الفرح، ومنتظري عهود الله، من أجل البيوت الخاوية والبطون الجائعة، والأيادي الممدودة، من أجل عروس كادت تفقد لهفتها على ثوب زفاف أبيض، تخشى أن تلطخه الديون، من أجل عريس لا يطلب سوى منزل بسيط، يحيا فيه مع عروسه ليكونا أسرة في المسيح،, من أجل الحزانى والأرامل والأيتام الذين فقدوا عوائلهم، ولا يجدون من يضفي البهجة علي حياتهم في ليالي الأعياد، من أجلك أنت، إن أردت الامتلاء بخدمة الآخرين، إن أردت الفرح مع الفرحين والبكاء مع الباكين، إن اردت المحبة العاملة، والإيمان النافذ، وليس قرع طبول النحس في مزادات الرحمة، إغمس يديك معنا في شركة الألم والفرح، إغمس يديك معنا وانتشل أولئك الذين يقرعون أبوابنا حاملين الهم والاحتياج، ربما نتمكن من إنقاذهم سويا.
تواصلوا معنا عبر المحمول – 01224003151
تليفون أرضي بجريدة وطني 0223927201
البريد الالكتروني: [email protected]
البريد: مؤسسة وطني للطباعة والنشر – باب افتح قلبك ، 27 ش عبد الخالق ثروت، القاهرة