مع تزايد أعباء الحياة ومتطلباتها زادت المسئوليات على كاهل كل أسرة، مابين تعليم الأبناء الذي يحتاج الكثير من الجهد والمتابعة والتركيز، وتربيتهم التي تحتاج دراسة وحكمة وصبر، والاهتمام بصحتهم الذي يحتاج إعداد طعام منزلي صحي ومتابعة طبية دورية وممارسة رياضة مناسبة وتهيئة منزل نظيف ومريح، ولإتاحة كل هذا يجب أن يتوفر المال الوفير الذي يتطلب عمل شاق والتزام ومواصلة للنجاحات العملية وتحقيق للذات، فماذا لو كنت في وسط هذا الخضم من الأعباء والمسئوليات تعيش مع شريك حياة غير مكترث بشئ ولا يريد تحمل أي مسئوليات معك؟…لمعرفة المزيد عن هذه المشكلة الأسرية وأسبابها وكيفية التعامل معها، كان على”وطني” الذهاب إلى الدكتور ماهر الضبع أستاذ المشورة العلاجية بالجامعة الأمريكية لنجري معه هذا الحوار….
* أولا ….ماهي شكاوى الزوجات التي تنم عن عدم تحمل أزواجهن للمسئولية ؟
** قد تأتي زوجة لتشكي من أن زوجها ليس لديه أي طموح لحياتهما أو لعمله، أو أنه غير مهتم بمشاركتها أعباء المنزل أو اتخاذ قرارات بشأن الأولاد أو مشاركتها في تربيتهم وتعليمهم، أو مشاركتها في العناية بوالديها عند مرضهم سواء بالسؤال عنهم والاهتمام بهم أو بتحمل معها مسئولية الأطفال للتتمكن للذهاب لهم.
* وماهي أهم شكاوى الأزواج ؟
** تتبلور أهم شكاوى الأزواج في عدم اهتمام الزوجه فيما يخص البيت ورعاية الأطفال وإعداد الطعام الصحي للأسرة، وكذلك عدم اهتمامها بعملها وعدم التزامها بمواعيده مما يعرضها للكثير من الجزاءات .
*ماهي الأسباب التي تجعل من شريك الحياة شخص غير متحمل المسئولية ؟
** غالبا الأمر ياتي من الطفولة، كما يجب أن لا ننكر أن الكثير من ملامح شخصية الإنسان ترجع للتكوين الجيني له، لأن جزء كبير من صفاته آتيه له وراثياً، ليس فقط من الأب والأم ولكن من جدود الجدود، كما يدعم ذلك طريقة التربية فالطفل الذي لا يعطيه أهله مسئوليات ولا يدربونه على تحملها وإنجازها، حتما سوف يصبح إنسان غير قادر على تحمل المسئولية، أو أنهم يعطونه بعض المهام ولا يكترثون إذا حققها أم لا، فعلى سبيل المثال عندما تطلب الأم من ابنها ترتيب غرفته ولم يفعل، فلا تكرر الطلب أو تلومه على تقصيره ولا تأخذ موقفا بل تقوم بترتيبها بدلا منه وتمرر الأمر وكأنه لم يحدث شيئاً، مما يشعره أن هذا التقصير ليس بكبير وعدم تحمله لمسئولياته الموكلة إليه- حتى ولو كانت بسيطة، أمر يسير
فالأهل غالباً لا يريدون أن يعاقبوا أبنائهم حتى لا يضايقوهم فيشعر الأبناء أنهم غير محبوبين فيتركوهم يعيشون كما يريدون ويستمتعون بطفولتهم، ولكن العقاب على التقصير في مثل هذه الحالات ضروري، وللعقاب أساليب كثيرة وبالطبع ليس منهم الضرب، فكل الدرسات العلمية قالت أن الضرب ليس من الأساليب المفضلة لتأديب الطفل، فهناك طرق عديدة تختلف حسب سن الطفل والموقف الذي سوف يتم المعاقبة عليه
فالصغار أفضل الطرق لهم أن يوضع الطفل على كرسي ولا يتحرك لفترة معينة أو يبقى في غرفه بمفرده ولا يخرج منها إلا بعد وقت معين، وكذلك الأكبر سنا يمكن معاقبته عن طريق الحرمان لفترة من أشياء محببه له، كلعبة أو الموبيل او نزهة كان الأهل سيصطحبون الطفل إليها، كما يعتبر العبس في وجه الطفل أو ترهيبه أو مقاطعته وسائل ليست جيدة، ومن الممكن أن يعتاد عليها أو يقلدها وتكون هي وسيلته لإعلان غضبه من أهله.
* أحيانا يتهم البعض أن شريك الحياة هو السبب في أن يصبح شريكه شخص اعتمادي وغير مسئول … فهل هذا حقيقي؟
** إلى حد ما…هذ الكلام حقيقي فقد يكون شريك الحياة غير المتحمل المسئولية لديه سمات في شخصيته مورثة أو استقاها من طريقة تربيته، وشريك حياته سمح أن هذه السمات تستمر، لذلك على كل من الزوج والزوجة أن يعلن لشريك حياته عن توقعاته من الآخر ودور كلا منهما في البيت وفي حياة الأبناء، فلا مانع من أن تطلب الأم من الأب بشكل لائق أن يدرس الابن مواد معينة، أو تقول له أننا سنبحث هذه الفترة عن مدارس مناسبة للطفل فأرجو ان تكون معي لمقابلة مديري هذه المدارس لنجد الأفضل له .
* فماذا لو لم يتم الاتفاق عليه؟
** ليس لدينا وسائل تهذيبية بين الأزواج، ولكن مثلا إذا اتفقت الزوجة مع زوجها بقيامه بشئ ما ولم يفعل، فعليها أن تطالبه مرة واثنين وثلاثة… وعشرة، وتعلمه أنه إن لم يقم بما تم الاتفاق عليه فلن يقم أحد بمسئولياته، وإن لم يقم بها أيضا فعليها أن تعاتبه مرة واثنين وثلاثة … وعشرة، فالكتاب المقدس يقول “إن أخطأ إليك أخيك فذهب وعاتبه….”، وهنا الله يعلن أن العتاب وسيلة جيدة، وحتما سيأتي بنتيجة، ولكن يجب أن نعلم أن العتاب ليس وسيلة أن الشخص “يتفش” بحسب التعبير الشائع، فهو ليس أداة ينفجر بها الإنسان ويطيح بالآخر.
* فماذا لو تسبب العتاب في تعكير صفو البيت لساعات أو لأيام ؟
** بالطبع العتاب سيعكر صفو البيت لأيام، ولكن يجب أن يحدث لكي يؤدي إلى تغير، فذلك أفضل من أن “يتقمص” الشخص ويقاطع شريكه دون إبداء أسباب، فأفضل شئ الكلام بصورة مباشرة، وأن يقول للآخر أنه كان عليك أن تفعل ذلك فهو ضمن مسئولياتك، كما عليه أن أن يسمع وجه نظره وسبب هذا التقصير، فالنقاش حتما سيصل بهم إلى حلول، فليس لدينا بدائل أخرى سوى أن يعلن المتضرر عن استياءه وعدم ارتياحه لأمور معينه، فأقصر الطرق العتاب.
* احيانا مطالبة أحد الزوجين للآخر بسئوليات معينة أو عتابه على عدم القيام بمسئولياته يشعر الطرف الآخر بعدم الإحساس بمتاعبه وما يعانيه من أجل الأسرة وقد يتسبب ذلك في شرخ العلاقة بينهما…فما الحل؟
** هذا حقيقي… ولكن طريقة العتاب مهمة، فعلى الإنسان قبل أن يعاتب شريك حياته أن يأخذ بعض الوقت في التفكير… فيجب أن يجلس بينه وبين نفسه ويتساءل.. هل تقصيره هو تصرفه المعتاد ؟، هل كان مريض أو مرهق فلم يستطيع فعل ما اتفقا عليه؟ هل كان متضايق من تصرف صدر مني؟، وهنا يجب تجاهل الأمر وأن يسامح شريك حياته بينه وبين نفسه لأن ما حدث خارج عن طبيعة الآخر
ولكن إذا استمر التقصير بشكل مستمر فعلى الشخص أن يختار الوقت المناسب ويعاتب شريكه كما يجب أن يرتب في ذهنة ماذا سيقول وكيف، حتى لا يخرج منه لفظ جارح أو مهين فياخذ الموضوع أكبر من حجمه، ومن الأفضل أن يكون موضوع العتاب محدد وواضح ولا يتشعب في موضوعات عديدة، كما يجب ان يؤكد الإنسان لشريكه أنه ليس سيئ ويقول له “ولكن أنا الذي تضايقت ولم أحتمل هذا السلوك”، كما يجب ألا ييأس سريعا من العتاب وعليه كلما تكاسل شريكه أن يعاتبه بشكل لطيف.
* في بعض الأحيان نجد شخص قادر جداً على تحمل المسئوليات وجاد جدا ومنظم، وقد يكون له شأن في خدمته وعمله وقادر على اتخاذ القرارات، وإذ به بعد فترة وجيزة من الزواج نجده يحاول أن يتنصل من مسئولياته تجاه شريك حياته وبيته ويلقي بكل الأعباء على الآخر أو بحسب التعبير الشائع “يكبر دماغه”…فما تعليقك؟
**هذا خطأ الشريك الآخر الذي سمح بذلك من البداية ولم ينسق مع شريكه ليقاسمه المسئوليات بل أخذ على عاتقه كل الأعباء بمغرده، مما أرهقه، فدائما في المشورة عندما يشكو لي أحد الزوجين من شريكه سواء كان غير مسئول أو متسلط أو عصبي… أقول له “أنك أنت جزء من المشكلة ليس لأنك ضايقته أو آثارته، ولكن لأنك سمحت لشريكك أن بهذا الأمر منذ أول مرة ولم تأخذ موقفا ولم تعلن عن ضيقك كما عليك أن تقول لشريكك يجب أن تغير هذا من أجلي لأني مستعد كذلك لتغير ما لا يعحبك فيا”.
* ماهي المؤشرات الأولية التي تظهر مع بداية تعارف الشخص بمن يود الارتباط به، والتي تنم على أنه قد يكون شخص غير متحمل المسئولية ؟
** لا يجب تحديد شخصية الفرد ومعرفة طريقته في الحياة بناءا على موقف أو حدث مجرد، لذلك أنصح أن تطول فترة الخطبة، كما على الشخص أن يحاول الضغط على الآخر في بعض المواقف ليرى صفاته على حقيقتها فمهما حاول الإنسان أن يخفي عيوبه لن يستطيع إخفاءها لوقت طويل، وعليه أن يحاول أن يعرف شكل حياة هذا الإنسان في الفترة الأخيرة، هل تشير إلى أنه إنسان مسئول؟، ففي مجال الخدمة الكنسية مثلا؛ هل ملتزم بالذهاب والحضور في المواعيد؟، هل يدعم خدمته بالبحث والدراسة؟، مثل أن يحاول دراسة السمات النفسية للمرحلة العمرية التي يخدمها، وكذلك على مستوى العمل هل هو شخص ملتزم في شغله؟ أم أنه ينتقل من عمل لعمل وليس لديه إنجازات عملية.
كما يوجد بعض المظاهر التي لو استمرت تنم على عدم تحمل هذا الإنسان للمسؤولية كعدم الالتزام بالمواعيد مثل أن يقول الخطيب لخطيبته أنه سيأتي في الساعة الرابعة وياتي في السادسة دون الاتصال بها أو الاعتذار، وقد تدل طريقة ملابسه عند زيارته لها عن شخصيته فلا يصلح أن يزورها “بشورت وشبشب” أو أنه يقول ألفاظ سوقية وغير مسئولة، وهنا عليها أن تلفت نظره إلى مثل هذه الأشياء التي تضايقها ولا تلقي استحسانها.
*هل العتاب والتعبير عن الضيق من بعض المواقف التي تصدر عن الآخر في فترة الخطبة جائز؟ أم أنه يجعله يأخذ حظره ويتجنب أخطائه لحين حدوث الزواج …؟
** لا مانع من العتاب في فترة الخطبة… خصوصاً لو كان الشخص يتمتع بالعديد من الصفات الحسنة، ولكن لو لم يكترث الشخص لما يضايق الآخر رغم تكرار العتاب أكثر من مرة ولا يفرق معه الأمر، فهنا الموضوع قد أصبح سئ لدرجة أنه يجب أن يوقف الشخص هذه العلاقة، وينسحب بلياقة من هذا الارتباط.
* هل تغير شريك الحياة غير المسئول أمر وارد؟
** بالطبع…ولكن رويدا رويدا، “فالحديد بالحديد يحدد، وكل إنسان يحدد بوجه صاحبه”، مثل أن يكون لدينا سكينة حديد ونريد حدها فإذا احتكت بسكينة حديد أخرى ينتهي الأمر أن تكون كلتا السكينتين حادتين فكل سكينة تصبح قادرة على القيام بدورها بمهارة، ولكن لو حاولنا حد السكينة الحديد بأخرى خشب سوف لا يحدث شئ سوى أن السكينة الخشب ستدمر والسكينة الحديد ستصبح تلمة، لذلك يجب أن يكون كلا الزوجين سكين حديد.
* متى وكيف يبدأ شريكي الحياة في توزيع المهام والمسئوليات بينهما؟ هل في مرحلة الخطبة أم بعد الزواج أم أنهما يتركا هذا للمواقف والأيام هي التي تقودهما لذلك؟
** يجب أن يتفقا مع بداية الزواج على تقاسم المهام بينهما، حسب قدرات كل منهما، فاحيانا يكون أحدهما له قدرات ومزايا معينة لعمل مهمة ما فيلتزم بها ويؤديها، فمثلا أن تكون الزوجة مسئولة عن التعامل مع البنك ودفع الفواتير، أو أن يكون الزوج يعمل في مصلحة حكومية ويعود في الثالثة ظهرا
وتعود الزوجة إلى البيت في السادسة لعملها في القطاع الخاص فيتفقا على أن تقوم هي بإعداد الأطفال للذهاب للمدرسة في الصباح وتحضير الإفطار لهم وكذلك توصيلهم إلى الأتوبيس أو المدرسة، ولا مانع أن يكون على الزوج انتظارهم عند العودة من المدرسة وإعداد الغداء والعناية بهم لحين عودتها، على الرغم أن أن الشائع أن إعداد الطعام والعناية بالصغار من مهام المرأة ولكن يجب على كل من الزوجين أن يقدر ظروف الآخر حتى لا يضغط أحدهما على شريك حياته ويحمله فوق طاقته .
* يقترح البعض أن الحل الوحيد للتعامل مع شريك الحياة غير المسئول أن يضع الآخر مشكلة أو مهمة ويتركها أمامه ليقوم بالتعامل معها…فما رأيك ؟
** الأمر يحتاج لبعض الحكمة والذكاء ومعرفة لطبع الآخر، ففي كثير من الأحيان هذه الطريقة تنجح، حيث يجد الطرف غير المسئول أنه لا بديل عن محاولة إنجاز المهمة حتى لو استغرق ذلك الكثير من الوقت، وبذلك يتدرب على إنجاز بعض المهام ويتمرس على حل المشاكل ويتخطى العقابات
ويستطيع رويدا رويدا أن يتخذ القرارات، ولكن إذا كان الأمر لا يحتمل التأجيل، والآخر غير مكترث بالأمر فعلى الشخص أن يقوم هو بالمهمة، فإذا أرسلت مثلا مدرسة الابن خطابا بضرورة حضور ولي أمر الطفل لأمر مستعجل، فأعتمدت الأم على الأب في الذهاب وذكراته أكثر من مره، ولكنه تكاسل ولم يذهب… ومرة عدة أيام، فهنا يجب أن تبادر الأم بالذهاب لهذه المهمة التي لا تحتمل التأجيل أو المماطلة، ولكن بعد إتمام المهمة يجب أن تعاتبه على ذلك التقصير، وأهمية وجوده في مثل هذه المواقف فالموضع يتعلق بمستقبل الأبناء .
*يرى البعض أن عدم تحمل المسئولية أصبح ظاهرة بين الشباب…لدرجة أن البعض منهم- رغم مقدرته المادية، يعزف عن الزواج هربا من تحمل المسؤولية أو لو أقبل على الزواج يؤجل إنجاب الأطفال… فما رأيك؟
** أنا لم أرى أن الأمر وصل إلى أن يصبح ظاهرة، ولكن بالفعل أصبح الكثير من الشباب يفكر بهذه الطريقة، نظرا لتربيتهم بطريقة متساهلة، خوفا عليهم من الطريقة القديمة القاسية حيث استخدام الإهانات والضرب، فأصبح هناك تطرف في التربية من الناحية الأخرى، فيخشون الآباء التعامل مع الطفل بطريقة حاسمة أو وأنهم يعاقبوه عند الخطأ خوفا من أن يتسرب للطفل إحساس بعدم القبول والحب فلا يضغطون عليه في أي شئ، فأصبح الأطفال لايكترثون لتعاليم الأهل ويتحدوهم في كل شئ، ويمرر الأهل الأمر ولا يأخذون موقفا، مما خلق لدى كثير من الأبناء عدم مقدرة على إنجاز أي مهام وتحمل لأي متاعب للحياة لأنهم لم يتمرسوا على ذلك.
* بماذا تنصح الآباء والأمهات لتربية أبناء متحملين للمسئولية منذ صغرهم ؟
** على الآباء والأمهات أن يبدأو منذ أن يبلغ الطفل عامين إلى ثلاثة أعوام بالتدرب على تحمل بعض المسئوليات البسيطة، فكلما بدء الأمر مبكرا كان أفضل، فيشجعوه مثلا أن يحمل طبقه إلى المطبخ بعد الانتهاء من الأكل، وكذلك تدربه الأم على وضع أغراضه وألعابه في مكانها بعد استخدامها، وعندما يصل إلى سن المدرسة تعلمه كيف يرتب كتبه وأدواته ويحافظ على مكتبه منظم ونظيف، ولكن يجب أن تكون المهام التي نطالبه بها مناسبة لمرحلته العمرية حتى يستطيع أن ينجزها دون مخاطر.