على سلم نقابة الصحفيين بدأت أول خطواتى فى العمل على حقوق ذوى الإعاقة
بالعمل والأمل والإيمان بالقدرات نتخطى كل العوائق
و نحن نحتفل اليوم بعيد الأم نتذكر كل أم بمجهوداتها وتضحياتها من أجل ابناؤها ، فكل أم لها قصتها و التضحيات التى تقوم بها مع ابنائها فى الحياة اليومية وعلى مر السنوات ،ولكن حينما تكون الأم من الأشخاص ذوى الاعاقة فهناك أعباء متزايدة عليها بالاضافة الى مشوارها فى الدفاع عن حقها فى الزواج والانجاب فى ظل موروث ثقافى يجعل من زواج الفتيات ذوات الاعاقة أمرا غير مقبول أحيانا ..؟!!
داليا عاطف مسئولة ادارة المرأة والطفل بالمجلس القومى لشئون الاعاقة ، منذ سنوات عمرها الاولى و هى تحاول تحدى الصعاب و العمل والاجتهاد لتثبت للمجتمع ان هذه الافكار مغلوطة وليس لها اى اساس من الصحة …عانت كثيرا منذ اصابتها بشلل الأطفال فى المدارس ثم الجامعة و العمل بعد التخرج والزواج والانجاب …تحدثنا اليها لنتعرف عن قرب عن تجربة أم من ذات الاعاقة بكل ما تحملها من أمال وطموحات واحباطات ايضا ..
فى البداية قالت داليا عاطف : ” المرأة ذات الإعاقة تعيش تحديات أكثر من الرجل الذي يعاني من نفس ظروفها, الا ان المجتمع ينظر إلى المرأة نظرة نمطية دونية قائمة علي الشفقة تختلف عن النظرة التي يحملها للذكر, فالكثير منهن مهمشات, و ذات الإعاقة مطلوب منها ليس فقط خدمة نفسها والقيام بحاجاتها كما يطلب من الرجل, بل أن تقوم بالعناية بمن حولها, وأحياناً تقوم بكل أعباء البيت وخدمة جميع أفراد الأسرة كنمط طبيعي لحياة أي امراة, بالإضافة إلى إنكار وجودها من قبل ذويها حتى لا تؤثر على باقي أفراد الأسرة في الزواج و مالها من وصمة اجتماعية.
وبما أن الزواج والأمومة كانا في العقود السابقة من الممنوعات بالنسبة للمرأة ذات الإعاقة، فإنهما يعتبران أعباءً كامنة لأن هؤلاء النساء لا يتوقعن أن يتزوجن، ولا يتصور عادة أنهن قادرات على كسب رزقهن بمفردهن. وكما ذكرت سابقا تصبح هؤلاء النساء بلا أدوار تقريبا بغض النظر عن حالات نادرة للبعض منهن في ظل بيئة مجتمعية غير ممهدة ومدارس غير مؤهلة ومجتمع رافض لاحتوائها.”
إختارت كلية لانها المتاحة لذوى الاعاقة
واستطردت داليا قائلة :” و لكنى وبالرغم من كل الظروف المجتمعية المحيطة بى قررت كسر تلك القيود ،فلقد نشأت في أسرة لم تتعامل معي علي اني من ذوي الاعاقة وأب قادر علي مواجهة المجتمع دفاعا عن حقوق ابنته مستميت من اجل استكمال دراستها فكان أبي دائما فخور بي امام الاخرين وهذا كان يدفعني للتقدم في كل شئ حتي أكون محل ثقتة بي الي جانب أمي التي كانت تعي كل شئ وتقف بجانبي وتسعي لعلاجي ولا تيأس حتي مع تقارير الأطباء المحبطة فكانت اعاقتي في عام ١٩٨٠ هذا العام الذي يمثل نكسة للاطفال في مصر فأغلب تطعيمات شلل الاطفال كانت فاسدة ، فاصبت بشلل الاطفال في قدماي الاثنان بعد سخونة وارتفاع في درجة الحرارة و ذهب أبي وأمي بي في كل الاتجاهات حتي يتم شفائي الا ان المحاولات باءت بالفشل في ظل رعاية طبية متدنية … واقتنعت اسرتي بالوضع وتقبلت اعاقة ابنتهم الكبري ،وكان والدى يعالجني عند وزير الصحة في تلك الايام الدكتور ممدوح جبر فكنت امثل عبئا اقتصاديا علي الاسرة الا ان اسرتي لم تشعرني لحظة بذلك حتي شفيت ساقي اليسري تماما نتيجة العلاج الطبيعي بواسطة طبيبة المانية كانت تعمل في نفس المكان الذي كنت اذهب للعلاج فيه ولان شلل الأطفال مرض لعين بقي اثره في الساق اليمني واستكملت حياتي بهذا الوضع ومع دخول المدرسة كنت اشعر بالاستغراب لماذا يقف زملائي طابور الصباح ويتم استثنائي ، الا ان تفوقي وتقدمي الدراسي كان دائما دافعا لتخطي تلك الافكار الهدامة المحبطة وكانت الاخصائية الاجتماعية في مدرستي لها دور كبير في ذلك لايمانها بي وبتفوقي فكانت دائما مشجعة لي ثم مررت بقية المراحل الدراسية بتفوق .
و فى المرحلة الاعدادية بدأت أفكر واتسائل هل سأتزوج هل سارتبط فى المستقبل مثل باقي البنات ، الا انني كنت استبعد تلك الافكار من عقلي تماما حتي لا ادخل في معركة ما بين فكري واحاسيسي كفتاة فى سن المراهقة ولان اعاقتي كانت من النوع المتطور ساءت حالتي وكنت احتاج لعملية جراحية ضرورية لان الاعاقة كانت ستؤثر علي فقرات الظهر فتركت الدراسة ومكثت عام في المستشفي حدث خطأ طبي اثناء الجراحة أدي لقطع العصب المسئول عن الاحساس والحركة مما ادي لبقائي في السرير مرة أخرى وقررت من الاحباط ان اترك الدراسة الا ان أمي أصرت ان تخرجني من هذه المرحلة و جاءت الي بالكتب الدراسية في السرير وكنت اذهب للامتحانات فقط (منزلي ) ودون مساعدة مدرس او اي شخص في ذلك كملت دراستي ونجحت بتفوق واجتازت المرحلة وقررت ان استقدم الحياة في ساقي مرة اخري وتحركت من السرير وبدأت اخذ خطوات ولان الارادة موجودة. شاء الله ان امشي علي قدمي مرة ثانية دون مساعدة واستكملت طريقي الدراسي في كليتي التي لم اختارها لان مجموع درجاتي كان يتيح لي الفرصة لدخول كليات عديدة الا ان الاعاقة فرضت علي الاختيار ما بين آداب وتجارة وحقوق كليات مسموح بها لذوي الاعاقة ….؟!!!
فاخترت كلية الآداب وبدأت معاناتي مع سلالم الكلية وارصفتها ومدرجاتها الغير ممهدة لاستقبالي ،وكان عقلي يسجل ويوثق هذه الاحداث وكأني اتوعد مع نفسي بأنني لن اسكت سأحارب من أجل هذه الحقوق ولكن متي ؟؟ لم أكن اعلم لكن كنت دائما علي موعد مع الحقوق الضائعة في هذا التوقيت وعندما فكرت في العمل لم اجد صاحب عمل يتقبل الاعاقة فكنت انجح في المقابلة الشخصية وانا جالسة مجرد ما اقوم بالحركة امام اي مسئول يقول لي سنتصل بحضرتك …
ثم بدأ يراوضني مرة أخري تساؤل قديم هل سأتزوج ؟ خاصة مع تردد اكثر من شاب علي بيت أسرتي لطلبي للزواج الا اني كنت استبعد الفكرة لماذا سأظلم انسان معي بظروفي وهل سيتقبل تلك الظروف لانه يحبني فعلا ام لانه يريد ان يتزوج زوجة مجتهدة وجميلة الشكل وقادرة علي تربية ابناؤه واخلاقها طيبة ،وبدأت استبعد الفكرة مرة ثانية . حتي انهيت كليتي و تقابلت بزوجي عن طريق الصدفة واصر علي الارتباط بي و آمن بشخصي واحبني وتحدي كل العوائق من اجل الارتباط بي وانا استشعرت ذلك بحق . ”
زواج وأمومة
وتستكمل داليا قصة كفاحها ،فقالت :” كنت لا يأتي علي ذهني مسألة ان الزواج بعده أمومة فقد كان لأسرتي الفضل في تعليمي تحمل مسئولية بيت وأسرة فكنت اكبر اخواتي واقوم بادارة البيت فلم يكن غريبا ان انتقل لبيت زوجي ولكن مسئولية الامومة تختلف فكيف سأحمل اطفال وانا اكاد امشي بصعوبة وكيف ساقوم برعايتهم الان اني تخطيت كل ذلك وكل هذه الاسباب كانت تدفعني للنجاح اكثر وتبعدني عن الفشل لانني اريد ان اثبت ان الاعاقة في المجتمع وليس في الشخص وخاصة عندما يجد الشخص أسرة تقوم باحتضانه وتؤمن بقدراته فلم اجد مواصلات متاحة ولا طرق ممهدة وكنت اجد ادوار عالية وسلالم صعبة واقول لنفسي سيأتي اليوم الذي سيتغير فيه كل شئ ورزقت بطفلتي الاولي( شهد) وتحملت المسئولية كاملة دون مساعدة شخص وكنت اقوم بدور الام والزوجة بكفاءة والحمد لله ولكن واجهتني مشكلة كيف سأخرج بها من المنزل بمفردي واتحدي صعوبات عدم تهيئة البيئة والمواصلات الغير مؤهلة وكانت مدرسة ابنتي بعيدة عن البيت وكنت غير قادرة علي مشى هذه المسافة بدأت افكر في العمل حتي اغطي الاعباء المادية نتيجة اعاقتي فانا احتاج لماديات لتزيل العقبات التي تواجهني وبالفعل عملت معلمه بمدرسة خاصة لمدة ٣ سنوات وكنت أحاول الاجتهاد فى عملى ،ولكنى بعد ثلاثة سنوات فكرت بالبحث عن عمل يبحث ويفتش عن الحقوق ورزقني الله بالمولودة الثانية (جودي)بعد سبع سنوات لاني قررت بالاكتفاء بمولود واحد نتيجة صعوبة الامومة مع الاعاقةولكن وجدت ان ابنتي ستكون وحيدة وليس لها ذنب في هذا فتحملت العبء مرة اخري ومتاعب الحمل والولادة مع الاعاقة.”.
البحث عن الحقوق الغائبة
وعن بداية عملها فى مجال حقوق الاشخاص ذوى الاعاقة قالت داليا :” وجاءت ثورة يناير والتي دفعتني للنزول للبحث عن الحقوق الغائبة منذ عشرات السنوات وعلي سلم نقابة الصحفيين في وقفة احتجاجية لحقوق ذوي الإعاقة في مصر التقيت بالسيدة هالة عبد الخالق اول أمين عام للمجلس القومي لشئون الاعاقة والذي تم انشاؤه بعد الثورة وقررت الدكتورة هالة بانني ساتولي ملف المرأة والطفل واسندت لي ملف الاعلام لما لاحظته في شخصيتي من البحث والمحاربة علي الحقوق واجتهدت في عملي واثبت ذاتي وكانت خطواتي تسبقني في هذا المجال وبدات اوسع مجال عملي بالتواصل مع المجلس القومي للمرأة في ٢٠١٤ لانني بحاجة ان ابحث عن حقوق المراة ذات الاعاقة ضمن حقوق كل النساء وبدا القومي للمرأة يتعاون معي السفيرة ميرفت التلاوي والسفيرة مني عمر وجاءت اول استراتيجية وطنية لمناهضة العنف ضد المرأة تحمل حقوق المرأة ذات الاعاقة وكنت صاحبة ادراج هذا الملف بعدها قمت بادراج ملف الاعاقة ضمن ٤ استراتيجيات اخري.
فلقد كنت مؤمنة بان تخطيط الدولة ووزاراتها ومؤسساتها لابد ان تأخذ في الحسبان المراة ذات الاعاقة وساعدني زوجي ايضا وبناتي في ذلك ،والحمد لله بناتي من المتفوقات في دراستهم ويساعدوني علي استكمال المشوار ويدركون كل حقوق المراة ذات الاعاقة لانهم يشاركوني المؤتمرات وورش العمل لايماني بما اقوم به ولاني علي الجانب الاخر اشعر بانني لابد ان اعمل ليل نهار حتي ادرك ما ضاع من حقوق في السنوات الماضية وكان اجمل ما في الامر ان تعمل امرأة ذات اعاقة علي تمكين ودمج النساء ذوات الاعاقة وتشارك في دستور بلدها وخطط الوزارات وتربي ابنتان علي الوعي وضرورة ادراك الحقوق وتخطي الافكار المغلوطة والسلبية فى الموروث الثقافي والعادت الخاطئة واثبت للجميع بان المراة ذات الاعاقة تجتاز كل الحواجز وتتحدي كل الصعاب وان بالعمل والأمل والايمان بالقدرات نتخطي كل العوائق وسأستكمل رسالتي في الوصول لكل طموحات المرأة ذات الاعاقة.”.