الزواج يعني الاستقرار النفسي والعاطفي، إلا أنه يصف بعض الأشخاص حياتهم مع شريك حياة عصبي أشبه بالعيش بجوار فوهة بركان، مما يجعل كل شخص من هؤلاء، في حالة قلق دائمة، لأنه يتوقع أن البركان سينفجر فيه في أي لحظة، وأصبح الكثيرين في حالة شكوى دائمة مما يهدد سلام الكثير من البيوت… لذلك كان علينا أن نغوص في أعماق ودهاليز هؤلاء الغاضبون العصبيون، لنعرف ما أسباب هذا الطبع المؤرق له ولمن يقاسمه الحياة، وهل للإنسان قدرة على أن يكبح جماح عصبيته، وكيف لشريك حياته أن يجابه بركان غضبه بل ويحتويه، وما أثر هذه العصبية عليه وعلى حياته الأسرية… فكان علينا أن نلتقي بمن يحترف التعامل مع مثل هذا النوع من المشاكل الأسرية..ألا وهو الدكتور نبيل نصري مدير مركز العائلة المقدسة للمشورة الأرثوذكسية بأرض الجولف لنجري معه هذا الحوار…
* في البداية دكتور نبيل نريد أن نعرف ماذا تعني العصبية ؟
** العصبية هي وسيلة تعبير عن الغضب، ويجب أن نعلم أن من حق كل واحد فينا أن يغضب، فالغضب كعاطفة إنسانية موجود ومذكور في كتب كثيرة، وفي الكتاب المقدس أيضا، إنما كيف يعبر الإنسان عن هذا الغضب هذا هو الفرق، لذلك الكتاب المقدس قال “اغضبوا ولا تخطئوا” فالتوبة نوع من أنواع الغضب حيث تجعل الإنسان يغضب على نفسه وعلى حاله غير الصالح، ويريد تعديله، إنما السؤال الحقيقي هو كيف يغضب الإنسان، ولماذا يغضب، وكيف يستطيع أن يضبط أعصابه دون ان يخطأ في حق الآخر خصوصا لوكان شريك حياته… فهذا هو المهم.
ولكن يجب أن نعلم أن هناك نوع من العصبية والتي وصفتيها بالبركان والذي من الممكن ينفجر في لحظة ما غير معروفة للطرف الآخر، هي عصبية أصحاب “الشخصية الحدية”، وهي حالة مرضية حيث عندما يتعرض هذا الشخص لمؤثر ما يتحول إلى مجنون فمشاعرة في الحد الفاصل بين الجنون والعقل.
* معنى هذا أن مقولة “الغضب حماقة والهدوء كياسة” تحتاج إلى إعادة صياغة …
** نعم… “فليس كل الغضب حماقة ولا كل الهدوء كياسة”، فلا يصح أن نكون هادئين في وقت يستحق الغضب أو نغضب في وقت يستلزم الهدوء … فالكتاب المقدس ملئ بالأحداث التي تعلمنا ذلك، فعندم غضب البعض لغيرتهم على اسم الله وبيته مدحهم الله في كتابه، وعندما سكت “عالي الكاهن” على حق بيت الله وتراخى في تربية أبنائه عاقبه الله عقاب شديد، فهناك هدوء قد يكون سلبية أو عجز وليس كياسة على الإطلاق، فالكتاب المقدس يعلمنا أن “لكل شئ تحت السماء وقت”.
* قد يصفو الإنسان العصبي “حاد الطباع” إلى نفسه ويستطيع في لحظة ما أن يواجهها بالحقيقة ويتساءل لماذا أن “عصبي” بهذا الشكل وانفعلاتي زائدة عن الآخرين ؟ أو تتساءل زوجة لماذا زوجي عصبي لهذا المدى مقارنة بغيره من الرجال ؟ فهل هناك أسباب تجعل من إنسان “عصبي” دون غيره؟
** بالطبع. …فهناك العديد من الأسباب التي قد تكون سبب في أن يكون الإنسان غضوب ويعبر عن غضبه “بعصبية”.
1- هناك أسباب وراثية:- وهي تمثل جزء بسيط في تكوين الشخصية أي أن يكون والد هذا الإنسان أو والدته ذو طبع “عصبي” فورث العصبية عنهم.
2- كما توجد أسباب تربوبة:- أي أنه يكون الإنسان “العصبي” قد تعلم العصبية من أحد والديه، أو أن يكون قد وضع له أبويه مقياس أخلاقي ضيق جدا ليسير عليه ولا يحيد عنه، فضيقوا عليه الخناق بشدة مما خلق منه شخص غضوب، كما أن التدليل الزائد قد يساهم بشدة في تكوين الشخصية العصبية حيث يعتاد الطفل على أن الذي يريده ويأمر به ياخذه دون جدال، حتى ولو كان غير منطقي أو غير مناسب للوقت والمكان، فمثل هذا عندما يخرج خارج نطاق البيت الذي اعتاد فيه أن يعامل بشكل معين، سواء إلى الحياة العملية أو الزوجية ويطالب بأشياء ليست من حقه فترفض له، فتنتابه حالة من “العصبية” والثورة لأنه لم يعتاد على ذلك فهو دائما الأمر الناهي.
3- كما توجد بعض الأمراض تجعل الإنسان أكثر عرضة للعصبية وتجعله ذو “خلق ضيق”:- مثل بعض أمراض الحساسية، وبعض مضعفات مرض السكر، كما تؤدي بعض الأمراض التي يعاني فيها المريض من آلام مزمنة مثل السرطان إلى جعل الإنسان لا يطيق نفسه ولا من حوله، كذلك الرقاد في السرير لفترات طويلة بسبب الشيخوخة أو أي مرض قد يسحب طاقة الإنسان النفسية فتسهل استثارته.
ولكن علينا أن نؤكد هنا على شئ هام أن الغضب يأخذ من نفس “المعون” فهو يخرج ما بداخلك ويظهر شخصك الحقيقي مثل الهلوسة، فيحكى أن أبونا ميخائيل إبراهيم- في آواخر أيامه، كان يعاني من قلة التركيز فكان يفتح عينيه ويسأل من حوله عن الساعة فيقولون له أن الساعة الآن الثامنة مساءً مثلا فدون تركيز يعتدل ليصلي صلاة نصف الليل ثم يذهب في نوم عميق وبعدها بخمسة دقائق يفتح عنيه يسأل ثانية عن الوقت فيقولون له الساعة الآن التاسعة مساءا فيبدأ يصلي صلاة نصف الليل مرة ثانية، ويتكرر هذا الأمر أكثر من عشرة مرات طوال الليل، وكذلك شكل الغضب يظهر البيئة والثقافة والخلفية الروحية.
4- كما توجد أسباب نفسية للغضب:-
– مثل “الخوف”:- فمثلا لو قيل لزوج أن هناك متطرفين بالقرب من منزلك بالطبع سيهرول إلى بيته ويدخل ويغلق الباب ليحمي نفسه وأسرته، فلو أتته زوجته لتتحدث معه في أي شيء بخصوص البيت أو الأولاد حتما سينتهرها بل ويدفعها بقوة لأنه في حالة خوف كما يشعر أنها لا تقدر ذلك.
-“الشعور بالغربة والعزلة” قد يؤدي إلى “العصبية”
-“الأشخاص الكامليون perfectionists ” الباحثون عن أن يكون كل شئ مضبوط جدا، فمثلا إذا اصطحبت أحدهم ليبدي رأيه في فرش مكان غاية في الذوق والإبداع ولا ينقصه شئ، تجده لا يركز على نقاط القوة التي في المكان بل قد يقول لك مثلا “أن هذه الصورة تحيد عن مكانها 2 مل لليمن”… وهكذا فهم دائما غير راضون.
– “الأشخاص شديدي الحساسية oversensitive” حيث يكون صاحب هذه الشخصية ذو مشاعر مرهفة فأي كلمة تؤثر فيه وتؤلم مشاعره، وقد يرجع ذلك إلى رواسب قديمة في التربية والبيئة المحيطة به كشعورة بتفرقة أهله في المعاملة بينه وبين إخوته او تفرقة معاملة معلمته بينه وبين زملائه، لذلك ننصح بمعاملة الأطفال بشكل متساوي ولا نتعامل معهم على حسب نمط شخصيتهم أو ما يصدر منهم من تصرفات، فننتهر ونضرب الشقي كثير الحركة ونمدح ونقبل الهادئ المطيع، فهذا يجعل من الطفل أكثر حساسية وعصبية من غيره.
– كما أن الإحساس “بالظلم” يجعل من الإنسان شخص غضوب، فعندما تنادي المعلمة طفل ب”يا حبيبي” والآخر بإسمه قد يشعره بعدم العدل.
– “الإحساس الزائد بالزنب” فعندما يخطأ هذا الإنسان ولو خطأ بسيط يشعر أن الله غاضب عليه ويتألم نفسا جدا .
– “الإحساس بالدونية” فيوجد بعض الأشخاص يشعرون أنهم أقل من الباقين فكرامته من زجاج، ولا يسمح بأي تطاول ولو بسيط من أي أحد حيث يبدوا منه رد فعل عصبي جدا وقد يكون الموقف لا يستدعي ذلك على الإطلاق، على الرغم أن نفس هذا اللفظ لو قيل لشخص مسئول أو مشهور على صفحات الجرائد فلا يعنيه الأمر ويعتبرها تفاهات لا يجب الإلتفات لها .
– كما يغضب الإنسان بسبب شئ خطير وهو وقوعه فيما يسمى ب”دائرة التوقع والإحباط” فكلما انخفض مستوى توقع الشخص كلما كان أقل غضب، فشكسبير يقول “أنا لا أغضب من أحد لأني لا أتوقع شيئاً من أحد” فمثلا قد يدعوا زوج وزوجته إخوته لبيتهم فتقول الزوجة أن فلان سيحضر لنا هذا الشئ والآخر سيهدينا هدية معينة، ليرد الزوج ” أنا لا أتوقع أن يحضر أحد لنا شيئا على الإطلاق”، وعند مجيئهم بالفعل لا يحضر أحد شيئا على الإطلاق أو يحضرون شئ بسيط ،… فمن سيغضب الزوج أم الزوجة ؟ بالطبع الزوجة لأنها توقعت أشياء ولم تحدث .
* دائما ما يضع كلاً من الخطيب والخطيبة أعصابه في مرحلة الخطبة “تحت السيطرة” فكيف للخطيبة أن تعرف أن خطيبها شخص عصبي أو العكس؟ خصوصاً لو كان الارتباط قد تم على طريقة “الصالونات”؟
** ستجد أنه في المواقف والحوارات العدية يركز مع التفاصيل ويلتقط حتى النقاط الصغيرة بل ويحللها ويعلق عليها.
كما يجب أن يركز كلا الطرفين في مرحلة الخطبة على الطريقة التي يغضب بها الآخر عندما يستفزه أحد أو عندما يتعرض لأي مثير انفعالي، ففي أحد المرات ذهبا شاب وخطيبته لأحد الآباء الكهنة وطلبوا منه تحديد موعد لإتمام مراسم الزفاف فقال لهم الأب الكاهن “وانتوا بقى اتخنقتوا كام مره خلال فترة الخطوبة”… فأسرع الخطيب بالرد” نشكر ربنا … ولا مرة احنا متفهمين جدا” فقال لهم الأب الحكيم “لا معلش.. روحوا اتخنقوا وشوفوا هتتعاملوا إذاي مع بعض وابقوا تعالوا “، فكل الأشخاص مدامة الحياة بلا مشاكل فهم هادئون ولكن عند الشجار فهم أشخاص آخرون .
فقد تحدث في الخطبة بعض المواقف التي تظهر مدى هدوء أو عصبية أحدهما أو كلاهما، فعلى سبيل المثال عندما يدب بينهما خلاف فيغضب ويتركها ويمشي حتى ولو كانا في الشارع أو في أي مكان، أو مثلا في “عصبيته” يشدها من زراعها أو يمسك بشئ ويكسره أو يشتم والدته مثلا، فكلها مؤشرات تدل على طريقة تعبيره عن غضبه.
* يقولون أن لغات جسد الإنسان العصبي قد تظهر عصبيته حتى ولو لم يغضب …. هل هذا حقيقي ؟
** قد تخفي النظرة الحادة وتوترات الوجه أثناء الكلام خلفهم شخصية عصبية، فالعصبية تنتج عن تدفق هرمون الأدرينالين “هرمون القتال” بكثرة في الدم، فالإنسان عندما يكون في هذه الحالة تصبح عيناه أوسع وترتعش يداه وترتجف شفتاه وتتلعثم كلماته .
* في بعض الأحيان يصر الخطيب أو الخطيبة أن يضع الآخر تحت اختبارات معينة ليقيس مدى انفعاله وعصبيته؟ كيف ترى هذا؟ وهل هذا يليق ؟
** قد تبدو في بعض الأحيان بوادر لطبائع معينة من أحد الطرفين فيتجاهلها الآخر لأنه يريد أن الموضوع يكمل وهذا خطأ، بل عليه عندما تبدو أي بوادر لطبع معين “كالعصبية” مثلا أن يجتهد ليرى أقصى مدى لذلك الطبع في من سيقاسمه الحياة، فالتصرفات اليومية تظهر ذلك، كمشاجرة في الشارع، حديث في الهاتف …إلخ، فإذا بدت بعض “العصبية” منه فعليه أن يرصد المواقف التالية المشابهه لذلك، فيجب أن يرى بعينيه ويحكم بنفسه إذا كان سيستطيع تحمل ذلك أم لا، خصوصاً أنه لا يوجد أحد ستتغير طبائعة بعد الزواج بل ستزداد سوءا.
فقد جاءت أحد الزوجات التي تعاني من تعدي زوجها عليها بالضرب بشكل مستمر مما يسبب لها الإيذاء البدني، والكثير من الإصابات البالغة، حيث أنه في عصبيته يضربها بشكل وحشي، فعندما سألتها عن فترة الخطبة قالت أنهما كانا في منتهى الحب والرومانسية ولكن ذات مرة قال لها كلمة لم تدرك حجمها في حينها، حيث قال “بس يارب تقدري تستحمليني” فقالت له ماذا تعني “بتستحمليني” فقال لها ” أنا عصبي شوية” فعتقدت أن الموضوع سيقتصر على بعض الغضب و”النرفزة” أو أشياء من هذا القبيل، ولكن بعد الزواج في كل حوار بينهم يضربها ويصيبها بإصابة مختلفة تذهب المستشفى على إثرها.
* هل تنصح عند اكتشاف أحد الخطيبين “عصبية” الطرف الآخر بالعدول عن الخطبة؟ أما أنه يسمع نصائح الأهل والأصدقاء في قولهم أن الشخص العصبي شخص “طيب وقليل الحيلة، وأن الشخص الحكيم يعرف كيف يحتوي شريك حياته في غضبه وعصبيته”؟
** توجد عيوب في بعض الشخصيات لا يمكن التعايش معها مثل الشكاك جدا بطريقة مرضية أو البخيل لدرجة مرضية، أو العصبي “حاد الطباع” لدرجة مرضية، ويجب التأكيد على الفرق بين الغضب الطبيعي الصحي والعصبية المرضية، فهناك أشخاص نوبات غضبهن قد تتعدى مراحل معينة وقد تصل إلى إهانة الآخرين إيذائهم بدنيا ونفسيا، وفي مثل هذه الحالات أنصح طبعا بالعدول عن الخطبة فهناك مثل إنجليزي يقول “what you see, what you get”، وهذه الحالات دمرت بيوت كثيرة -والتي لم أعلم قبل عملي في المشورة الأسرية أنها بهذا الحجم- وهم من يطلق عليهم “أصحاب الشخصية الحدية”، فهم يمثلون 14% من المجتمع، وقد يصف الأقارب والأصدقاء صاحب هذه الشخصية بأنه ملاك من السماء وقد يحسدون زوجته عليه، فهو شخص لا يصدر منه أي خطأ أمام المجتمع، بينما داخل البيت فهو شخص آخر، فعندما يغضب فغصبه ليس له حدود حيث يكسر ويدمر في البيت ويضرب زوجته وأبناءه، وقد يكون السبب في النهاية تافه جداً …. مثل انه قد يكون وضع شئ ما في مكان معين فإذا حركه أحد من مكانه تنقلب الدنيا رأسا على عقب، ومثل هذا الشخص يجعل شريك حياته يسير في الدنيا وكأنه ممسك بقنبلة ولا يعلم متى ستنفجر في وجهه أو كأنه يسير على قشر بيض، فنجد الزوجة وهي عائدة من عملها تشعر بمغص شديد من شدة رعبها وخوفها من ما قد يحدث من زوجها ذو “الشخصية الحدية” وتسأل نفسها “ما هو السبب هذه المرة “، فهذه النوعية من البشر قد يكونوا في غاية الجمال واللطف وينقلب الأمر في ثواني وبعد أن تنتهي هذه النوبة الغاصبة قد تجدهم لا يتذكرون أي شئ، فهؤلاء لا يتحسنوا على الإطلاق بل يزدادون سوءاً بعد الزواج، قد يتحسن 1% منهم فقط، فإذا أراد الشخص (الخطيب أو الخطيبة) بالمغامرة يحياته من أجل 1% … فهو حر، فالغالبية العظمى يضعون أعصابهم تحت السيطرة وبمجرد إحساسه أنه امتلك الآخر تتغير معاملته .
* في بعض الأحيان يرتبط شاب بفتاة ويصفها دائماً أمام أهله وأصدقائه بأنها هادئة جداً، ولكن بعد الزواج هذه الصفة هي التي يشكوا من نقيضتها فيصفها بأنها “عصبية ومجنونة”…. فماذا حدث؟
** قد يكون ذلك بسبب أنها كانت تتصنع في البداية، لذلك من ضمن النصائح التي طالما نطالب بها المقبلين على الزواج أن لا يتزوجوا قبل سنة ونصف من الخطبة، والمثل الشعبي يقول “لا تزم ولا تشكر قبل سنة وستة أشهر”.
كما يجب على كل اثنين في مرحلة الخطبة أن يسيروا في ثلاثة محاور:-
المحور الأول: أن يسأل كل طرف نفسه هل أنا أخترت صح؟ هل هذه الشخصية “تنفعني”؟ فقد تكون هذه الشخصية هائلة بالنسبة لشخص معين لكن لا تصلح لك.
المحور الثاني:أن يضع الاثنين معا الخطوط العريضة لحياتهم معا .
المحور الثالث: هو كيف سيتفاهما معا، فلا يصلح أن يقول لها يمين تقول شمال أو يكلمها في موضوع ما تلطم على وجهها وتمزق ثيابها وتجري إلى الشرفة مثل المجانين لكي يتراجع عن رأيه، ففي أول مرة قد يصتضدم معها ولكن في ثاني مرة سيرضخ لمطالبها، ويجب أن يعرف الخطيبين إلا أي مدى يعرف أن يسمع كلا منهما للآخر ويأخذان القرار معا، لأن الحياة إذا صارت في اتجاه واحد فأنا لا أضمن إذا كانت الحياة ستنجح بينهما أم لا.
* أليس من الممكن أن تكون ضغوط الحياة والعمل والأطفال والمسؤوليات سبب تحول شخصية بنسبة 180 درجة من (هادئ إلي عصبي)؟
** كل هذه العوامل بالطبع تؤدي إلي بعض “العصبية” لأن كل إنسان له طاقة نفسية فعندما تقل هذه الطاقة وتنتهي يصبح الإنسان على حافة “العصبية” فأي شي يثيرة، فلو قضى رجل يوم صعب في عمله به العديد من التفاصيل والمشاكل ثم في طريق عودته إلى المنزل حدثت مشكلة ما في سيارته وأخذت منه وقت ومجهود لإصلاحها، فعند وصوله إلى البيت يكون قد إستنفذ كل طاقته ويحتاج إعادة شحن لهذه الطاقة، فإذا “استفزه” شخص وهو في هذه الحالة بالطبع سيكون عصبي جداً في ردود أفعاله، لذلك ينصح بأن يبتعد الشخص المجهد والمستنفذ لطاقته بالبعد عن أي مصدر سيثيره أو سيستفزه.
* ماذا لو كان كلا الطرفين عصابيين؟
** في أغلب الأحيان يكون أحد الطرفين عصبي ومن كثرة الضغط على الطرف الآخر يصبح “عصبيا” أيضا ، لذلك يجب أن يعرف كل شخص أين آخر احتماله، فإذا قامت الزوجة مثلا بتنظيف الشقة وقد تعبت طوال اليوم إلى المساء ولم يساعدها أحد فبدلا من أن “تتعصب” حين يفسد أحد من أبنائها ما فعلته أو يطالبوها بمزيد من الأعباء فتغضب عليهم، عليها أن تقول لهم “لقد تعبت طوال اليوم واستنفذت كل طاقتي أرجوكم اتركوني أرتاح وأهدء بعض الوقت لأعود ثانية وأصبح أفضل”، كذلك على زوجها وأبنائها استيعاب ذلك لأن الاستهانة بمشاعر وتعب الآخر من أكثر ما يثير غضبه.
* ما تأثير العصبية على الجو الأسري؟
** العصبية من أكثر الأشياء التي يصعب العيش معها في البيت، فهي تسحب طاقة الزوجين الموجودة لتربية الأولاد وإعطاء الحب، فالإنسان لا يستطيع أن يحب وهو عصبي، فقد شكى لي أحد الأولاد من والده “العصبي” الذي كان دائما في حالة ثورة وغضب، فهو يغضب من أي شئ وكل شئ، مما كان يجعله هو واخوته يخافون منه ودائما يتجنبوه ويخشون الحوار معه، فعندما يشاع جو من القلق والعصبية في البيت قد يقف النمو النفسي للأبناء بسبب خوفهم حيث أنهم سيوجهوا كل طاقتهم لحماية أنفسهم فقط بدلا من توجيهها لإحداث نمو في شخصياتهم، كما روت لي بنت أن أباها كان “عصبي” جدا فعندما كان يضرب أخيها تتبول دون أن تدري، وهنا يفقد البيت وظيفته حيث من المفترض أنه مكان ينموا فيه الأطفال جسمانيا ونفسيا وتربويا وروحيا، فهو ليس مجرد مكان للنوم والأكل وتبديل الملابس، فعندما يصبح جو البيت ملئ بالعنف والضرب يكون بيت طارد لأبناءه وليس جاذب لهم، كما تؤدي “عصبية” وعنف الأهل إلى محاولات غير واعية من الأبناء لإيذاء أنفسهم، فتوجد حالات كثيرة وخصوصا بين الفتيات المراهقات لإصابة أنفسهن بألات حادة “موس أو كتر” دون أن يشعرن وذلك ليعاقبن الأهل على عصابيتهم وقسوتهم معهن كما يوجد شئ يسمى “إعادة توجيه الغضب” فمن الممكن أن يكون زوج يقهر زوجته و”يتعصب” عليها في موقف ما، فعندما يصدر أي شئ من أحد أطفالها ولو بسيط تضربهم بكل عنف وبشكل مبالغ فيه.
* هناك العديد من الشكاوى الصحية التي يعاني منها الشخص “العصبي” … فما هي أهم الأمراض العضوية والنفسية التي قد تصيب الشخص “العصبي” ؟
** العصبية تحفز الجسم بأعلى مستوى حيث يضخ الجسم هرمونات الغضب فتتوتر عضلات الجسم وتنفتح العينان، ويرتفع مستوى السكر في الدم ويرتفع الضغط وتزداد سرعة ضربات القلب، فهذه الحالة من الاستنفار قد تحدث للإنسان لمدة خمسة دقائق في مشاجرة ولكن لا يستطيع أن يعيش فيها بشكل دائم، فلو تكررت هذه الحالة لعدة مرات في اليوم قد يصاب الإنسان بمرض السكري أو الضغط أو ستحدث له مرة في هذه النوبات جلطة في القلب، ومن الممكن أن تؤدي العصبية التي لا يستطيع الإنسان إخراجها خارجه فيتراكم الغضب داخله ليخرج في صورة سلبية مثل اصابته بقرحة في المعدة مثلا، أو قد يعاني من قلق وخوف وتوتر بدون داعي، وحالات غير واعية لإذاء الذات.
* يقولون أن “إدارة الغصب فن والتحكم في العصبية قوة” … إذا كيف يستطيع الانسان ان يكبح جماح غضبه ويتحكم في “عصبيته”؟
** علينا أن نعلم أولا انه إذا تراكم الغضب داخل الإنسان يؤدي إلى هذه الأشياء بشكل متدرج (صمت، عدم مغفرة، إحباط، بكاء تجاهل، خصام، حقد، كراهية،مرض، انتحار)، وإذا انفجر الغضب في الآخرين يخرج في صورة (نقد، إزدراء، إدانة، جرح شعور، شتيمة، إهانة، عنف، ضرب، تهديد بالقتل)، لذلك على الإنسان أن يتعلم إدارة غضبه، والهدف من إدارة الغصب هو التخفيف من حدة الإحاسيس، والتأثير النفسي التي تحدثه مسببات الغضب، فلا يمكن أن يتجنب الإنسان الأشياء أو الأشخاص التي تثير غضبه أو يغير من المواقف، ولكن بدلا من ذلك عليه أن يتعلم كيف يتحكم في ردود فعله وتصرفاته، فقد اعتمدت النظريات ما بين الستينات والسبعينيات على ضرورة التعبير عن الغضب بطريقة ما أو بأخرى، بداية بضرب الوسادة إنتهاءا بعلاج الصراخ ” scream therapy” وعلاج الصراخ هو علاج يتم فيه ترك المريض في حجرة بمفرده يصرخ لعدة ساعات، لكن أتضح أن هذا العلاج يزيد من حدة الغضب.
– لذلك على الإنسان عندما يتعرض لشئ ما يغضبه أن يحاول ممارسة بعض تدريبات الاسترخاء مثل التنفس العميق الذي يهدأ من حدة الغضب بشكل كبير، وتوجد العديد من الكتب والدورات التي تجعل الإنسان يتقن هذه الطرق، فإذا كنت تواجه موقف مشتعل عليك بإتباع الخطوات البسيطة التالية:- 1- التنفس بعمق من خلال الحجاب الحاجز، فالتنفس من الصدر لا يعطي الإحساس بالاسترخاء، 2- التحدث إلى النفس ببعض الكلمات التي تبعثها على الهدوء مثل “استرخي” أو “تعامل مع الأمر بسهولة أكثر من ذلك”، مع تكرارها أثناء التنفس بعمق، 3- تجسيد الاسترخاء، من خلال استرجاع الشخص في مخيلته لخبرة استرخائية سابقة قد قام بها بالفعل واستحضارها من الذاكرة، وأن يعطي نفسه إيحاءا بأنه يعيشها، فممارسة تمارين الاسترخاء ترخي العضلات المتوترة من شدة الغضب بالإضافة إلى تمارين اليوجا.
– كذلك “العلاج بالبناء الإدراكي والعلاج الروحي”، الذي يعي منهما الشخص أن إدراكة لنفسه وللآخرين هو إدراك خاطئ ويمكن إصلاحه عند ممارسة التخيلات والرياضات الروحانية مثل التأمل والتي تؤدي إلى التماس الأعذار لغيره، كما أنها تعطي له الفرصة بأن يتصرف بطريقة أكثر تعقلا وهدوءا.
– كما يجب على الإنسان أن يتعلم إعاقة الغضب عن طريق وقف “دائرة إكترار الألم” داخله، فمثلا إذا تعرضت زوجة لإهانات من من زوجها فنتابها الغيظ، وظلت تردد بداخلها “يا ليتني في بيت أبي، ملعون هذا الزمن الذي وصل بي إلى هذه الدرجة، فلماذا يحدث كل هذا معي؟ هل لأني ليس لي من يحميني!!..إلخ” وتظل تردد مثل هذه الأشياء كثيرا إلى ان يكبر الموضوع داخلها ووتفاقم المشكلة، وتأخذ أكبر من حجمها، فعلى الإنسان أن يدرب نفسه على وقف هذه الدائرة التي تذكره بالمواقف العصيبة التي صدرت من الطرف الآخر والتي تعطيها أكبر من حجمها وعليه التفكير بشكل إيجابي، فلتقول الزوجة مثلا إني لن أسكت على ذلك فما عدت أن أتحمل هذه الإهانات، ويجب أن أعالج الموقف بتلك الطرق .
– ومن الطرق التي يسطيع بها الإنسان من الحد من عصبيته أنه “يخرج جسمانيا من الموقف” ويغير مكانه، فإذا كان شخص لديه مشاكل في شغله ولا يستطيع السيطرة على نفسه فعليه أن يأخذ إجازة يومين أو ثلاثة ليريح أعصابه ويلمم أوراقه كي يستطيع أن يبدأ من جديد.
– كما أن “الانغماس في العمل” أو أنشطة يبعد بها الشخص عن ما يثيره من الأمور التي قد تهدأ من عصبيته.
– كذلك الشخص في حالة غضبه عليه أن يذهب ليحاول “تحقيق انتصارات صغيرة”، فإذا أحست الأم مثلا بغضب شديد من بعض تصرفات أبنائها، وأصبحت على حافة “العصبية” فعليها أن أن تذهب لتغسل الأطباق المتراكمة طوال اليوم، ترتب دولاب الملابس … إلخ
– محاولة “حل المشكلة”، فالغضب والإحباط قد يكونان سبب لتعرض الإنسان لمشكلة حقيقية لا يمكن الهروب منها، كما أن لا يكون في كافة الأحوال شيئاً طبيعيا وصحيا لمواجهة مثل هذه الصعوبات وهناك اعتقاد متعارف عليه أن لكل مشكلة حل، لكن بإدراك الواقع الذي لا يتوقف مع صحة هذه المقولة يزيد من إحباطنا أكثر وأكثر والأفضل من ذلك كله البحث عن الحل والتركيز عليه إن وجد، وفي حالة إنعدامة يكتفى ب”مواجهة المشكلة” التي تزيد من صلابة الإنسان وتعقله في مواجهة الأزمات.
* كيف يستطيع الإنسان التعامل مع عصبية شريك حياته ؟
** على شريك الحياة في مثل هذه المواقف أن يعلم أن الشخص الغاضب يفتقر إلى الخلاصة، وتكون هذه الخلاصة غير دقيقة، فعلى الشريك أن يحتمل شريكه ويتقن أن كلماته دائما أكبر من الموقف وعليه التفكير جيدا قبل إصدار أي رد فعل وعليه إلا يتفوه بأي شئ يأتي إلى ذهنه بل عليه بالتمهل والتفكير جيدا قبل الرد، فالصبر هو أساس استمرار العلاقة وعدم فشلها.
– على كلا الطرفين أن يعرف ما هي الأشياء التي تزعج شريك حياته وتثير غضبه ويبعد عنها ليعيش البيت في سلام.
– في بعض الأحيان”روح الدعابة” قد تلطف من بركان غضب شريك الحياة، ولكن عليه أن يحاط من عاملين، العامل الأول الا تكون بدافع السخرية والاستهزاء بالآخر، أما العامل الثاني هو أن تكون الدعابة من أجل مواجهة المشكلة وحلها بطريقة إيجابية وليس لمجرد الضحك للتخفيف من الموقف.
– محاولة “الخروج من الموقف”، فمثلا أن يقول زوج لزوجته العصبية في حالة ثورتها وغضبها أنه لن يستمر في الاستماع لها لو استمرت تتحدث بهذا الشكل.
-“اختيار التوقيت” فإذا كان الزوج والزوجة لا يتوافقان في نقاش أمورهما ليلا نتيجة لما يتعرضا له من اجهاد وضغوط على مدار اليوم، فمن الأفضل تغير ميعاد الحديث حتى تناقش الأمور بشكل أكثر هدوءا ولا تدخل في نطاق الجدل.
– محاولة “البحث عن بدائل” مع شريك الحياة للتعامل مع ما يسبب غضبه.
* ماذا لو وصل الأمر للضرب والإيذاء البدني؟
يجب أن يعرف كلا الطرفين بالرغم من حياة الشركة بينهم وأنهم جسد واحد، أن لكل منهم حدوده الخاصة، لذلك عندما عندما يغضب أحدهم على الآخر بشكل مبالغ فيه أو يثور ويؤدي ذلك إلى مرحلة الإذاء النفسي والبدني فعليه أن يقول للآخر عود إلى مكانك فأنت دخلت منطقة ليست من حقك، ويحاول أن يعبر عن نفسه بشكل جيد، وأن يعرف الشخص العصبي أن عصبيته مشكلته هو وليس مشكلة شريك حياته وأبنائهم، وعليه أن يحمي نفسه وأطفاله.
ففي بعض الحالات لا يكون هناك حل سوى “مواجهة مصدر الغضب”، فكانت لدي حالة تعاني من عنف زوجها حيث كان يضربها ويأذيها بدنيا، فقد أسقط كل أسوار وحدود شخصيتها وتسلط عليها حيث كانت لا تستطيع مواجهته، فقلت لها أن تقف وتقول له كلمة واحدة فقط “مش هسمحلك” وفي الحقيقة لم يكن الأمر سهل عليها بل أخذ وقت لكي تستجمع قوتها وتواجه ذلك الرجل وتقول له ذلك، ولكن كان هو الحل الوحيد.